وزارة المياه والكهرباء.. مناسبة للشكر

سعود الأحمد

TT

لعله يجوز للكاتب في مواسم الأفراح كالأعياد أن يجعلها مناسبة لراحة الذهن بالحديث عن أمور تبعث على التفاؤل، ولو تنازل عن النهج السائد بأهمية التركيز على النقد الهادف.. وإن كانت ثقافة الشكر لم تتأصل في أذهان الكثير من حملة الأقلام، أو ربما لأن المجتمعات عموما لم تتعود من الكتاب على غير النقد!. لكن الحقيقة أن الشكر في بعض الأحيان يؤثر إيجابيا ويؤتي ثماره أكثر من النقد.

ولو نظرنا لخدمتين ضروريتين في حياتنا اليومية، لا يمكن للحياة المدنية أن تستمر من دونهما، ألا وهما الماء والكهرباء، وبحثنا عما يمكن أن يشكر بشأنيهما.. وإن كنت قد كتبت وكتب غيري منتقدين وزارة المياه والكهرباء على بعض مجالات التطوير وتحسين الأداء ونواحي التقصير، ومطالبين بخطة استراتيجية لتوفير هاتين الخدمتين. كما أنني حذرت الوزارة وشركة الكهرباء ومؤسسة المياه من أن موسم هذا الصيف سيكون بمثابة معاناة لسكان مدينة الرياض بوجه خاص ولباقي مدن المملكة بوجه عام، على اعتبار أن رمضان هذا العام سيكون في موسم الصيف، وسيعود معظم المصطافين للمملكة لقضاء شهر الرحمة بين الأهل والأقارب، وتوقعت أن يكون هناك عجز في خدمتي الماء والكهرباء.. وأعتقد أن الجهات المعنية أخذت الموضوع تحديا ونجحت في كسبه.

واليوم وقد تجاوزنا الأزمة بفضل الله، حيث لم نشهد عجزا في هاتين الخدمتين بالقدر الذي كنا نحذر منه، وبحيث لم يصل الأمر إلى مستوى الأزمة الشاملة. هذا على الرغم من أن هناك بعض المدن والمناطق تعرضت لانقطاع التيار الكهربائي، وهناك من عانوا حتى في المدن الرئيسية من نقص المياه وانقطاعها. وبالطبع هؤلاء رفعوا أصواتهم بالشكوى، وشاهدنا ذلك على صفحات الجرائد المحلية السعودية، وكنا معهم مؤيدين ومتعاطفين ومحملين الجهات المعنية المسؤولية. لكنه بالمقابل، لمن لم يتعرضوا لمشاكل انقطاع التيار أو النقص في المياه، أن يقولوا للرجال القائمين على هذه الخدمات كلمة شكر.

فالتأثير المباشر الذي يعنينا في هذا الأمر أن عدم توافر المياه من الشبكة سيضطر أرباب الأسر للذهاب لشرائها من السوق السوداء، وهذا بالطبع سيكون بأسعار مبالغ فيها. إضافة إلى الجهد، إذا تصورنا أننا سنضطر للوقوف لساعات طوال (في هذا الشهر الكريم) لكي نحصل على هذا المتطلب الضروري، وندخل في دوامة مدى صلاحيتها للشرب واكتمال تعبئة الحاويات.. إلى غير ذلك.

وانظر إلى خدمة الكهرباء إذا انقطعت، كم ستصبح الحياة المدنية صعبة. ففي بعض الدول يعانون الأمرين، حيث لا يمكن أن يكون هناك منزل إلا وتجد فيه مولد كهربائي خاص به، يستخدمه في الحالات الطارئة!. وبالطبع هذا له تكلفة تفوق بكثير تكلفة الطاقة العامة. إضافة إلى ما يسببه ذلك من تلف للثلاجات والمكيفات والأجهزة الكهربائية الأخرى بسبب عدم انتظام قوة التيار من هذه المولدات.

ولذلك أجدها مناسبة لشكر من عملوا على توفير هاتين الخدمتين.. وأخص منهم من ساهموا مباشرة في هذا الأمر. فبعض هؤلاء الشباب كانوا يناوبون الليالي، وبعضهم يحرم من وجبة إفطار مع أسرته، وبعضهم يبقى في أضيق الأوقات متعلقا في الهواء على سلم الرافعة لإصلاح عطب كهربائي، وبعضهم يأخذ وجبته في سيارته ليذهب مع فرق الدوريات والطوارئ، وبعضهم تعرض لإصابات عمل عند تنفيذ عمليات الصيانة وإصلاحات الأعطال، وبعضهم وافته المنية وتوفي وهو يؤدي عمله لكي يوفر لنا الخدمة.

وختاما.. أعتقد أننا بانتهاج أسلوب الشكر إضافة إلى النقد، بحيث نشكر ما يستحق الشكر وننتقد ما نجد في نقده مصلحة عامة، ونقدم المقترحات للمعالجات. فبذلك سيكون لدينا مجال أوسع للتعليق على مستوى الخدمات، عوضا عن الكتابة بالنقد فقط.

* كاتب ومحلل مالي