أوباما يترأس قمة مجموعة العشرين وسط تطلعات الحلفاء

كل الدلائل تشير إلى عودة الاقتصاد الأميركي للنمو

TT

يترأس باراك أوباما هذا الأسبوع أول قمة دولية له مواجها تيارين متناقضين. الأول يتمثل في مطالب الأميركيين والثاني في تطلعات حلفائه الغربيين لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية.

فبعد ثمانية أشهر على تسلمه منصبه، يستقبل الرئيس الأميركي يومي الخميس والجمعة المقبلين في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا، قادة مجموعة العشرين الذين يمثلون أكبر تجمع اقتصادي في العالم.

وكان آخر لقاء لقادة المجموعة في أبريل (نيسان) الفائت خلال القمة السابقة لمجموعة العشرين التي استضافتها لندن. يومها، كان أكثر من ستين في المائة من الأميركيين يؤيدون رئيسهم الجديد. لكنه خسر منذ ذلك الوقت أكثر من عشر نقاط في غالبية استطلاعات الرأي. والواقع أن مشاريعه الكبرى لإصلاح الولايات المتحدة تصطدم بمعارضة شديدة إلى درجة اتهامه بالكذب خلال إلقائه خطابا في الكونغرس.

وبعض هذه الإصلاحات يتصل في شكل مباشر بالعلاقات الدولية ومجموعة العشرين، على غرار القواعد الجديدة للنظام المالي أو مشروع التصدي للتبدل المناخي.

وفي خطاب أخير، دعا أوباما إلى تبني قواعد مالية جديدة وفاعلة قبل نهاية العام. وأكد مخاطبا الرأي العام الأميركي المستاء من العلاوات المصرفية والرأي العام الدولي الذي يميل إلى تحميل أميركا مسؤولية كاملة عن الأزمة، أن الولايات المتحدة أخفقت في الاضطلاع بدورها.

وشدد على أنه لن يقبل بعد اليوم عودة إلى «سلوكيات مرتجلة» وإلى «مبالغات في منأى من الرقابة.» لكن الرئيس الأميركي لا يزال يرفض تحديد سقف للعلاوات المصرفية الذي يطالب به الأوروبيون. وأقر أيضا بأن إصلاح النظام المالي يصطدم بعدم مرونة سوق وول ستريت التي يرفض بعض أقطابها أخذ عبر من الأزمة.

ويبدو أن هذا الإصلاح يتعثر في الكونغرس الأميركي، وخصوصا مشروع التصدي للاحتباس الحراري.

وقالت الباحثة السياسية هيثر كونلي إن «القلق يتصاعد في أوروبا حيال عدم قدرة إدارة أوباما على التحرك عند كثير من هذه الجبهات».

وأوضحت وكالة الصحافة الفرنسية، أنه وسط مخاوف من نهوض اقتصادي بالغ الهشاشة، وفي وقت قد تناهز فيه نسبة البطالة في الولايات المتحدة عشرة في المائة، سيضطر أوباما إلى الوقوف في وجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تدفع نحو وضع حد لسياسات النهوض.

والواقع أن تضارب المصالح مع الولايات المتحدة ليس محصورا بالأوروبيين. فرئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر، أعرب مؤخرا أمام أوباما عن قلقه حيال إجراءات تشتمل عليها خطة ضخمة للنهوض وتهدف إلى حماية الشركات الأميركية.

وفيما تستعد مجموعة العشرين لبحث موضوع الحمائية في قمتها، تسبب أوباما بخلاف تجاري عبر زيادته الرسوم الجمركية على الواردات من الإطارات الصينية الصنع.

واعتبر هذا القرار مكافأة لاتحاد النقابات في الولايات المتحدة الذي أعلن تأييده لمشروع أوباما إصلاح النظام الصحي.

ويراهن الرئيس الأميركي في شكل كبير على هذا المشروع. لكنه لن يكون قادرا طوال الأسبوع المقبل على مواصلة الدفاع عنه كما فعل في الأسابيع الماضية، بسبب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة مجموعة العشرين.

غير أن الجدل الذي يثيره هذا المشروع لن يتوقف. واعتبر الخبير جون الترمان أن لهذه القضية تداعيات دولية. فالقادة الأجانب يرصدون هذا الجدل لمعرفة ما إذا كان أوباما «رئيسا يفي بالتزاماته أم مجرد رئيس يمكن الوقوف في وجهه من دون عواقب».

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما ذكر في مقابلة أذيعت أمس إن كل الدلائل تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي بدأ يعود للنمو لكن ربما لا تتوافر فرص عمل جديدة كافية قبل العام القادم.

وقال في مقابلة سجلتها معه شبكة «سي ان ان» يوم الجمعة: «أريد أن أكون واضحا.. لن تتحسن صورة فرص العمل بشدة على الأرجح ـ بل ربما تكون أسوأ قليلا ـ خلال الشهرين القادمين».

وبحسب «رويترز» أضاف: «ولن نرى على الأرجح فرص عمل كافية لمسايرة النمو السكاني قبل العام القادم» مشيرا إلى ضرورة إضافة 150 ألف فرصة عمل جديدة كل شهر لمسايرة النمو السكاني وحده.

وفي 15 سبتمبر (أيلول) قال بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) إن أسوأ ركود أميركي منذ الكساد الكبير في الثلاثينات انتهى على الأرجح، لكنه قال إن الانتعاش سيكون بطيئا وإن توفير فرص عمل جديدة سيستغرق بعض الوقت.

ومن علامات انتعاش الاقتصاد الأميركي زيادة مبيعات التجزئة في أغسطس (آب) بأسرع وتيرة منذ ثلاثة أعوام ونصف العام وبلوغ مؤشر نشاط الصناعات التحويلية في نيويورك لأعلى مستوى منذ ما يقرب من عامين.

وسعى أوباما في الأسابيع الأخيرة لإبراز علامات تحسن الاقتصاد في محاولة لتعزيز شعبيته التي تأثرت وسط احتدام الجدل حول خطته لتعديل نظام الرعاية الصحية في البلاد.

وقال أوباما في المقابلة إنه سيترك الأمر لبرنانكي ليعلن ما إذا كان الكساد قد انتهى رسميا أم لا. لكنه قال إن الأسواق المالية تعمل من جديد وإن قطاع الصناعات التحويلية شهد تحسنا الشهر الماضي من حيث الإنتاج. وأضاف: «ومن ثم تشير كل الدلائل إلى أن الاقتصاد سيبدأ في النمو مجددا».

وقال أوباما إن أرقام البطالة تشير إلى أن سوق العمل ستكون آخر من يلحق بركب الانتعاش الاقتصادي. وأضاف: «المشكلة الأخرى هي أننا فقدنا وظائف كثيرة بدرجة تتطلب معدلات نمو مرتفعة بقوة لتعويض الذين فقدوا وظائفهم بالفعل».

وسيتوجه الرئيس الأميركي إلى بيتسبورغ هذا الأسبوع لاستضافة زعماء مجموعة العشرين.

وقال: «من بين ما سيتناوله اجتماع مجموعة العشرين في بيتسبورغ ضمان وجود اقتصاد أكثر توازنا».

وأضاف: «لا يمكننا الرجوع لعهد كان فيه الصينيون أو الألمان أو غيرهم يبيعون كل شيء لنا في حين نستدين نحن بالبطاقات الائتمانية أو نحصل على قروض عقارية من دون أن نبيعهم شيئا».