«زولتار» اختراع سيحبه المخترعون

سوقا للمزايدة على براءات الأختراعات ويعمل على حفظ الحقوق

يعمل سوق «زولتار» بالمزايدة على المنتجات مثل موقع «إي باي» (رويترز)
TT

ربما يكون العالم مكانا صعبا بالنسبة للمخترعين المستقلين، فغالبا ما يجدون أنفسهم في ساحات القضاء ليحاربوا الشركات الكبرى وينفقون أموالا طائلة على المحامين تاركين الأمر للقضاة والمحلفين لتحديد مصير براءات اختراعاتهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس.

لكن تلك الصورة قد تتغير، حيث بدأ الصراع على براءات الاختراع في الانتقال إلى السوق خارج ساحات المحاكم. فقد خرجت مجموعات من الشركات الجديدة والمجموعات الاستثمارية لشراء وبيع والوساطة والتصريح والمزايدة على براءات الاختراع. وبدأت شركات الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر في التدفق في هذا المجال.

ويرى خبراء براءات الاختراع والاقتصاديون أن وصول هؤلاء اللاعبين الجدد من ذوي العقول العملية يمكن أن يؤدي إلى انتعاش أسواق براءات الاختراع، حيث تحدد القيمة من قبل المشترين والبائعين وربما لاعب ثالث مثل «إي باي» أكثر منها من قبل المحكمة.

ويقول الخبراء إن براءات الاختراع هي مجرد أفكار، وإن أي آليات للسوق تسرّع من عملية استكشاف قيمة براءة الاختراع يجب أن تزيد من عملية تدفق الأفكار إلى الاقتصاد وتسريع زخم الابتكار.

وقال روبرت ميرغيز، أستاذ في جامعة كاليفورنيا ومدير مركز بيركلي للقانون والتكنولوجيا «ما نريده هو سوق يمكن أن تعزز الاختراع وتقلل من النفقات الضخمة للتقاضي، وأن ملامح هذه السوق بدأت في الوضوح».

وتخطط شركة «زولتار ستالايت آلارم سيستمز»، وهي شركة ابتكارات صغيرة، إلى أنها ستقوم باختبار تلك السوق عبر المزايدة على براءات اختراعاتها العام القادم. ويشير البروفيسور ميرغيز إلى أن تلك حالة جديدة جديرة بالمشاهدة.

وتأتي قصة «زولتار» كنموذج للابتكار والمثابرة والتقاضي. فقد استلهم أحد مؤسسي الشركة الدكتور دانييل ستشالغر اختراعه منذ عقدين من الزمن خلال أسفاره في الطائرات المروحية في ولاية كارولينا الشمالية، حيث كان تحديد موقع الأفراد في أوقات الأزمات مكلفا من ناحية الوقت والأرواح ولذا رأى الحاجة إلى نوع ما من أجهزة الإنذار الشخصية القادرة على تحديد مكان الشخص.

وسعى ستشالغر إلى الحصول على مساعدة زملاء دراسته القدامى مثل ويليام بارينغر، عالم الحاسبات والاتصالات، وباستخدام تكنولوجيا تحديد الأماكن عالميا، بدا الأمر مبشرا على الرغم من أنها بدت غريبة ومكلفة في الوقت ذاته. وقد توصلا إلى حل وتقدما للحصول على براءة اختراعهما الأول عام 1994 لجهاز الإنذار الشخصي الذي يستخدم تكنولوجيا تحديد المواقع عالميا. بعد ذلك بعام تم تأسيس «زولتار» وتقدمت للحصول على براءة اختراع لأجهزة الإنذار الشخصية ذات اللاقطات الملاحية في الهواتف الجوالة التي تم التصريح بها عام 1997.

وقد زادت فرص نجاح شركة «زولتار» في أعقاب طلب لجنة الاتصالات الفيدرالية في عام 1996 أن تتمكن كل الهواتف اللاسلكية من القدرة على تحديد مواقعها خلال اتصالاتها برقم الطوارئ 911 بحلول عام 2001، وقد فتحت تلك الخطوة سوقا كبيرة محتملة أمام شركة «زولتار».

صمم الرجلان بعد ذلك نماذج مبدئية من اختراعهما واستأجرا خبير تراخيص براءات اختراع وعرضا التكنولوجيا الجديدة على مصنّعِي الهواتف الجوالة في أواخر التسعينات أملا في الحصول على إجازتها. وقال روبرت ميغانتز، المدير العام الأسبق للتراخيص بشركة «دولبي» والمستشار الذي عمل مع «زولتار» في أواخر التسعينات «إنها صناعة مع الشركات الضخمة التي تتبادل تراخيص براءات الاختراع مع بعضها البعض وتستثني الشركات الصغيرة أو المخترعين المستقلين».

ويقول مؤسسو «زولتار» إن أفكارهم وتصميماتهم بدأت في الظهور في منتجات شركات كبرى، ومن ثم اقترضوا أموالا من أصدقائهم وعائلاتهم واستأجروا محامين لتقديم القضية أمام المحكمة.

وفي عام 2001 قامت شركة «زولتار» بمقاضاة شركة «كوالكوم»، صانعة شرائح أجهزة الهواتف الجوالة. وبعد ثلاث سنوات وجد المحلفون أن براءة اختراع «زولتار» صحيحة، لكن شركة «كوالكوم» لم تنتهك حقوقهم، ثم توصلت الشركتان إلى تسوية في عام 2006.

وفي عام 2005 قامت الشركة بمقاضاة عدد آخر من مصنعي الهواتف المحمولة مثل «موتورولا» و«إل جي» و«سامسونغ» غير أنه تم التوصل إلى تسويات مع هذه الشركات في عام 2007.

وقد أنفقت الشركة الآن ملايين الدولارات على أتعاب المحامين وجمعت ملايين من هذه التسويات. وتعد الشركة واحدة من الشركات التي تحقق أرباحا كبيرة، لكن الدكتور ستشالغر أشار إلى أن بعض مستثمري الشركة لم يتم تعويضهم بعد. ولا يزال بارينغر يعمل كمهندس استشاري بدوام كامل في الشركة فيما يعمل ستشالغر، الذي لا يعمل بدوام كامل، كأخصائي الطوارئ. ولم تعقد الشركات المصنعة للهواتف الذكية مثل «ريسيرش إن موشن» و«آبل» و«إتش تي سي» و«نوكيا»، حتى الآن أية اتفاقات مع شركة «زولتار»، لكن ستشالغر قال إنه لا ينوي مقاضاة تلك الشركات، حيث ستعمل الشركة على بيع براءات اختراعها في المزاد على أمل الحصول على الأموال بصورة أسرع وأقل مجازفة.

وقال ستشالغر «شعرنا بأن تلك هي الطريقة الأنسب، وهي خيار لم يكن متاحا لنا منذ عامين».

ستتم إدارة المزاد من قبل شركة «بلوريتاس»، وسيط براءات الاختراع التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها. يوضح روبرت أورنوف المدير الإداري للشركة، أن «زولتار» لديها منتج جيد يطبق في صناعة ضخمة في وقت ينشط فيه سوق الملكية الفكرية، فقال «إنهم يدخلون إلى هذه السوق التي تغيرت بشكل كبير بمنتج رائج إلى حد بعيد».

ولم يتضح بعد ما إذا كان منتجهم رائجا إلى حد بعيد أم لا، فيقول البروفيسور ميرغيز «لقد كانوا ابتكاريين لسنوات لكني أعتقد أن هناك تساؤلا يطرح نفسه حول ما إذا كانت التكنولوجيا قد تجاوزتهم». لكن بارينغر يصر على أنهم يرون تصميماتهم وأفكارهم تستخدم بصورة يومية في الهواتف الذكية. وسيتم تحديد قيمة براءة الاختراع من قبل المزايدين والذين ربما يكونون مجموعة من مصنعي الهواتف الجوالة لكن مجموعات أخرى مثل «إنتليلكتوال فينشرز» و«راشيونال باتنت إكستشينج» و«ألايد سكيورتي تراست»، وهي منظمة غير ربحية، ربما تكون من بين المتقدمين لشراء براءة الاختراع.

اللاعبون الآخرون في سوق براءات الاختراع الناشئة هم البنوك الاستثمارية المتخصصة والوسطاء وشركات التراخيص مثل «أكاسيا تكنولوجيز» و«ألتيتيود كابيتال بارترنرز» و«إنترست» و«آي بوتنشيال» و«أوشن تومو» و«رمبرانديت آي بي ماندجمنت» و«ثينكفاير». كما أبدت رؤوس الأموال المغامرة اهتماما بهذه السوق مثل «كلينر بيركنز كوفيلد آند بايرز» على سبيل المثال التي تدعم شركة «راشيونال باتنت إكستشينج» التي تشتري براءات الاختراع في المجالات الحيوية وتتقاضى رسوما من الشركات «الأعضاء» المشاركين كوسيلة دفاعية للحد من التكاليف القضائية بشأن براءات الاختراع.

ويشير راندي كوميسار، الشريك في «كلينر»، إلى أن استراتيجية المدى البعيد بالنسبة لـ«راشيونال» أن تنشأ سوق أو بورصة لتبادل براءات الاختراع كما فعلت «أسكاب» بالنسبة لحقوق النشر الموسيقي وتقاضي الرسوم وتوزيع الأرباح على الفنانين.

وقال «هدفنا أن نكون مكانا يتم فيه تعويض صاحب براءة الاختراع بإنصاف، لكن الشركات المستخدمة تتمكن من الوصول إلى التكنولوجيا بأقل تكاليف ممكنة، فلديها القدرة على جعل الابتكار أكثر كفاءة وأقل مجازفة لكلا الجانبين».

لكن بعض خبراء براءات الاختراع تساءلوا حول كيفية توسعة نموذج السوق لبراءات الاختراع، وأشاروا إلى أن براءات الاختراع أكثر خداعا في قيمتها من الاستثمارات المالية مثل الأسهم والسندات.

وقال جوش ليرنر، أستاذ الاقتصاد في كلية هارفارد للأعمال «قد يكون بمقدورك التحرك باتجاه أسواق مضاربات براءات الاختراع، لكن تلك أصول معقدة لأنها فردية ويصعب تقييمها، إنها أشبه بأعمال فنية منها بأسهم».

*خدمة «نيويورك تايمز»