البنك المركزي العراقي يحذر من ضغوطات حكومية

لتمويل الخزينة من الغطاء النقدي للبنك

متعاملون في أحد المصارف العراقية بوسط العاصمة بغداد (رويترز)
TT

للمرة الثانية وخلال أقل من ثلاثة أشهر يعاود البنك المركزي العراقي تحذيراته من وجود ضغوطات حكومية عليه كانت الأولى لتمويل الخزينة من الغطاء النقدي للبنك، والثانية للتوسع بإصدار الحوالات لتمويل الموازنة.

مصدر مخول في البنك المركزي أكد لـ«الشرق الأوسط» أننا أقرضنا الحكومة لتمويل مشاريع كهرباء لأهميتها في حياة المواطن والقطاعات الأخرى، لكن الحكومة عاودت الطلب بمبالغ ضخمة جدا وهذا ما يستدعينا القول للحكومة: إلى هنا يكفي فلديكم موازنة وموازنة تكميلية ولا يمكن الاعتماد على البنك مرة أخرى. وحذر البنك في بيان رسمي له أول من أمس من أن استمرار ممارسة الحكومة لما وصفها بضغوطها التمويلية على البنك عبر التوسع بإصدار حوالات الخزينة لتمويل مصروفاتها، سيفقد السياسة النقدية قدراتها في استخدام أدواتها لبلوغ أهداف الاستقرار ومواجهة التضخم وسيحول البنك المركزي إلى مؤسسة تمويل مشروعات.

وقال بيان للبنك المركزي إن «البنك المركزي العراقي ينوه، أن ممارسة الحكومة ضغوطها التمويلية بصورة مستمرة على البنك المركزي العراقي عبر التوسع بإصدار حوالات الخزينة وإحلالها محل الاحتياطيات الإلزامية للمصارف لتمويل مصروفاتها، سيفقد السياسة النقدية قدراتها في استخدام أدواتها لبلوغ أهداف الاستقرار ومواجهة التضخم»، مؤكدا أن «البلاد باتت تعاني منه في الآونة الأخيرة وما يرتبط به من اختلالات اقتصادية واسعة تعرض مفاصل الإنتاج ومستوى المعيشة إلى خطر التدهور».

وحذر البيان من أن «البنك المركزي العراقي سيتحمل عندها اللائمة في ضياع فرص التوازن الاقتصادي وهدر الاستقرار الكلي للبلاد بسبب استمرار التدخل الحكومي وتأثيراته السالبة على أداء السياسة النقدية».

البيان أشار إلى أن البنك المركزي «وتقديرا من السلطة النقدية للظروف القاسية والاستثنائية التي عانى منها قطاع الطاقة الكهربائية ولاسيما مواجهة مأزق تمويلي لمشروعاته الملحة، استطاع قبول إصدارية خاصة أمَدُها عام واحد وبفائدة 2% من حوالات الخزينة التي ابتاعها مصرف الرافدين من وزارة المالية، وإحلال تلك الحوالات بنسبة 50% تقريبا من الاحتياطي الإلزامي (القانوني) للمصرف المذكور وبمبلغ 2.7 تريليون دينار يتم تحويلها بالعملة الأجنبية من احتياطيات البنك المركزي العراقي الخارجية».

وأضاف أن «قبول حوالات الخزينة كجزء من الاحتياطي القانوني عُد إجراءً استثنائيا تتولاه عمليات السوق الثانوية المفتوحة التي تنسجم وتنفيذ مهام السياسة النقدية، وأنها تعد من السياسات التشغيلية المقبولة بشكل محدود استثناءً، على الرغم من أنها غير مثالية ولا يمكن التوسع بها».

وتابع البيان «على هذا الأساس تم قبول هذه الممارسة لمرة واحدة حصريا وعلى وفق حسابات تحافظ على الاستقرار النقدي عند نقطة حرجة لا يمكن تعديها»، مشيرا إلى أن «التوسع في الآلية المذكورة آنفا المتمثلة بقبول المزيد من حوالات الخزينة وإحلالها محل الاحتياطي الإلزامي (القانوني) لتمويل سلسلة من مشاريع وزارات قطاعية أخرى كالمواصلات أو أمانة بغداد أو غيرها على سبيل المثال وعلى وفق إصدارات انهالت بالمدة الأخيرة على البنك المركزي العراقي كوسيلة تمويلية سهلة، سيحول البنك المركزي إلى مؤسسة تمويل مشروعات تحل محل الموازنة الاستثمارية».

وأوضح البيان أن هذا الأمر «سيلغي دور السلطة النقدية ووظائفها الأساسية وتوجيه البنك المركزي وواجباته إلى خارج الأهداف المنصوص عليها في قانون البنك المركزي العراقي».

ويذكر أن البنك سبق أن حذر الحكومة من مغبة الاستعانة بالاحتياط النقدي بالعملة الأجنبية الذي هو غطاء للمتداول النقدي المحلي.

وقال المستشار الأول للبنك إن هذه الاحتياطات هي ضمان للنقد الذي يحمله المواطن في جيبه ولا نستطيع التصرف بها، مؤكدا السعي لتعزيز هذه الاحتياطات وعدم جعلها أموالا تذهب لإقراض صرف حكومي، وأي إقراض للحكومة من الاحتياطي الأجنبي، سيضعف قدرة السياسة النقدية على إنتاج فرص الاستقرار التي تعد الوظيفة المركزية والغاية الأساسية في عمل البنك المركزي لتهيئة الظروف الملائمة لإعادة الإعمار عبر تلك الاحتياطات الدائمة الحركة. وأضاف أن إطلاق الدعوات لزج إيرادات البنك من العملة الأجنبية ضمن المصادر الاتفاقية للموازنة العامة، وخلط الأوراق بين الوظائف الحركية للاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي والتخصيصات الاستثمارية للموازنة، يعد إضعافا لقدرة السياسة النقدية وسعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول قانونية طلب الحكومة، قال المستشار الأول، إن هذا الأمر هو مسألة قانونية، فقانون البنك رقم 56 لسنة 2004 فقرة 26 تمنع الحكومة الإقراض المباشر وغير المباشر من البنك المركزي العراقي، والجميع يعلم أن الحكومة مواردها محدودة وصرفياتها غير محدودة، وهذه مشكلة تاريخية وليست وقتية، لكن القانون يحرم الاقتراض، ثانيا سياسات البنك وتحصيله للاحتياط هي ليست تخصيصات بل هي نتجت عن بيعنا لعوائد النفط في المزاد، وأي دولار احتياط يقابله دينار يتحرك لدى المواطن إذا هو حقوق للمواطن لدى البنك، وهناك طرق ثانوية في السوق لمساعدة الحكومة مثل إصدار السندات وإقراض عبر المصارف أو إنشاء سوق ثانوية وإدخال الحكومة في السوق وهذا لا نمانعه، ونحن طرحنا مشروعا لإقراض الحكومية ضمن عمليات السوق الثانوية وهناك تفاهم بهذا المجال.

وأن البنك ليس من حقه الإقراض بموجب القانون لأن البنك سيتعرض أمام البرلمان للمساءلة في حال أقرضنا الحكومة وعلينا احترام القانون ولا يمكن خرقه، وهو خرق لدولة المؤسسات، وأن البنك المركزي لا يتلقى أوامره من الدولة فلا حق لأي جهة أن تأمره لأننا نعمل على استقرار الصرف وتعزيز الدينار في جميع العراق، وهنا لا يمكننا خرق القانون.

وأكد أن احتياط العراق بلغ في العام السابق 47 مليار دولار، لكن هذا العام انخفضت بسبب تقليل بيع الدولار لأقل من 40 مليار دولار، وهناك تراكمات بالدينار وهذا احتياطي خارج الدينار العراقي وهو يقوي ويعزز استقرار العراق، ولا يوجد حدود للاحتياط النقدي لأنه أمام قوة الدينار الذي قوي 40% في السنة الماضية والسؤال كم ستصبح قوة الدينار وهو طموح لدينا لأنه يتعلق برفاهية المواطن وتعزيز دخله والدفاع عن الاستقرار للدينار، وأي تذبذب نستخدم الاحتياطي لخلق استقرار جديد والتنمية والتقدم الاقتصادي. ويذكر أن الحكومة العراقية خفضت ميزانية عام 2009 ثلاث مرات نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.