البيت الأبيض يعلن «اتفاقا تاريخيا» لجعل مجموعة العشرين المرجع الاقتصادي الرائد

قمة العشرين: إجراءات لإصلاح نظم المكافآت والأجور في البنوك الكبرى والشركات المالية

TT

شهد العام الماضي تقلبات اقتصادية جسيمة، غيرت عالم الاقتصاد عما كان عليه في السابق. وبينما اختفت أسماء كانت تحلق في سماء البنوك اللامعة، وأشهرها مصرف «ليمان براذرز»، أصبحت الحكومات الغربية تتدخل بشكل غير مسبوق في تسيير أموال البنوك. ولكن ربما كان التغيير الأكبر على الصعيد العالمي الاعتماد على مجموعة العشرين لمعالجة الأزمة الاقتصادية، بدلا من النظر إلى الدول الثمانية الصناعية التقليدية. وأكدت مجموعة العشرين على ذلك أمس، معلنة أن «قادة دول مجموعة العشرين توصلوا إلى اتفاق تاريخي لوضع مجموعة العشرين في صلب جهودهم للعمل معا لبناء معافاة اقتصادية مستمرة مع تجنب الحساسيات المالية التي أدت إلى الأزمة». وأفاد بيان حمل عنوان «خلق هندسة اقتصادية دولية للقرن الـ21» أن «القادة صادقوا على مجموعة العشرين كالمنتدى الأول لتعاونهم الاقتصادي الدولي». وأضاف البيان أن هذا القرار «يجلب إلى الطاولة الدول التي نحتاجها لبناء اقتصاد عالمي أقوى وأكثر توازنا ولإصلاح النظام المالي وتحسين حياة الذين يعانون من أشد الفقر». وأكدت مجموعة العشرين على أهمية منتدى الاستقرار المالي، وهو المنتدى الذي تم تقويته خلال قمة مجموعة العشرين أبريل (نيسان) الماضي التي عقدت في أوج الأزمة الاقتصادية. وتم حينها مد عضوية المنتدى إلى جميع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. وأعلنت المجموعة أن «منتدى الاستقرار المالي مركزي لجهودنا بتنمية وتطبيق إصلاحات كبيرة في نظام المراقبة العالمي». وأكدت المجموعة أن المنتدى سيكون «الوسيلة الأولية في جهود مجموعة العشرين لدعم شفافية أكبر في الضرائب».

والتزم القادة بإبقاء الأموال التي ضخت في أسواقهم للسيطرة على الأزمة المالية، التي تعادل نحو تريليون دولار، بدلا من سحبها من البنوك مجددا مما قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية جديدة. وأكد القادة في الاجتماع أنهم سيعملون على «استقرار أسواق المال» ومنع الاضطرابات المفاجئة. ولم يصدر البيان النهائي عند كتابة هذا الخبر ولكن كان من المرتقب أن يشمل البيان تعهد بالتعاون الدولي في حوكمة المصارف و«اعتماد المكافآت المبنية على النتائج البعيدة الأمد»، لمنع الاضطرابات السابقة. وعلى الرغم من أنه لم يتم الاتفاق على وضع سقف للمكافآت التي تمنح لمدراء البنوك، فإنه تم الاتفاق على الحد من مكافآتهم والتركيز على مكافأة الاستقرار والربح على المدى البعيد بدلا من الصفقات الكبيرة فقط.

إلا أن مسودة البيان الختامي أشارت إلى أن من المنتظر أن تتبنى الاقتصادات العالمية الكبرى إجراءات لإصلاح نظم المكافآت والأجور بالبنوك الكبرى والشركات المالية.

وقالت المسودة التي حصلت عليها وكالة «رويترز» للأنباء: «إذا تحركنا معا.. فستكون للمؤسسات المالية بالنسبة قواعد أشد صرامة للمخاطرة والحوكمة التي تربط المكافآت والأجور بالأداء في المدى البعيد وشفافية أكثر في العمليات».

وتابعت أنه ينبغي للبنوك الاحتفاظ بجزء أكبر من أرباحها لدعم الإقراض عند الضرورة.

وذكرت مسودة البيان الختامي: «ندعو البنوك إلى الاحتفاظ بنسبة أكبر من الأرباح الحالية لتعزيز رأس المال عن الضرورة لدعم الإقراض».

وأوضحت وكالة «رويترز» أن زعماء العالم تعهدوا أيضا بالعمل «بأسرع ما يمكن» لإنجاز جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية المستمرة منذ فترة طويلة وأن يعقد كبار مسؤوليهم التجاريين جلسة تقييم بحلول مطلع العام القادم.

وأشار الزعماء: «ما زلنا ملتزمين بتعزيز تحرير التجارة. نحن عازمون على السعي إلى إنجاز طموح ومتوازن لجولة الدوحة في 2010».

وقال الزعماء بحسب نص المسودة: «نشير إلى أنه من أجل إنجاز المفاوضات في 2010 ينبغي أن يتواصل تضييق الخلافات بأسرع ما يمكن».

وتعكس تلك اللغة حلا وسطا بين الولايات المتحدة ـ التي تشعر بالقلق من تحديد هدف للتوصل إلى اتفاق بشأن تلك الصيغ هذا العام ـ والدول الأخرى بقيادة الاتحاد الأوروبي والبرازيل وأستراليا التي تحث على تقدم سريع.

وفي ما يتعلق بقضية المناخ ذكرت مسودة البيان الختامي أن الزعماء سيتفقون على إلغاء تدريجي للدعم للنفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى في الأجل المتوسط لكنهم لن يحددوا جدولا زمنيا ثابتا لهذا التحرك الذي يهدف إلى مكافحة ارتفاع درجات الحرارة في العالم.

وأضافت المسودة أن المجموعة ستعزز أيضا جهودها للوصول إلى اتفاق للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية في وقت لاحق من هذا العام. وسيطلب زعماء مجموعة العشرين من وزراء ماليتهم التوصل إلى مجموعة من الخيارات لتمويل المناخ ـ المدفوعات من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة في ما يتعلق بمكافحة ارتفاع درجات الحرارة في العالم ـ في أثناء اجتماعهم القادم.

وتقدم الحكومات في بعض بلدان مجموعة العشرين ـ ومنها الصين وروسيا والهند ـ دعما للوقود مثل الفحم والنفط لإبقاء الأسعار منخفضة بشكل مصطنع للمستهلكين وهو ما يسهم في تعزيز الطلب على النفط والغاز وغيرهما من الوقود الأحفوري يزيد الانبعاثات الناتجة عنهما.

وقالت المسودة نقلا عن بيانات لوكالة الطاقة الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن إنهاء هذا الدعم من شأنه أن يقلص انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري ـ التي يلقى عليها باللوم في ارتفاع درجة الحرارة في العالم ـ بنسبة عشرة في المائة في 2050.

والاتفاق على المقترح الأميركي هو انتصار للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يستضيف القمة في بيتسبرغ.

وتوجد شكوك في قدرة أوباما على تحقيق نتائج بشأن التغيرات المناخية مع تراجع احتمالات إقرار مجلس الشيوخ الأميركي لمشروع قانون لخفض الانبعاثات قبل محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في ديسمبر (كانون الأول).

وعلى صعيد آخر تحدث وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر عن أهمية قمة العشرين وقراراتها، موضحا: «نرى لأول مرة مؤشرات تفاؤل منذ عام». وأضاف غايتنر في لقاء مع مجموعة من الصحافيين على هامش القمة: «نعمل على النمو المستدام ولدينا التزام مشترك بالنمو المستدام والعمل على انتعاش الاقتصاد بطريقة سليمة.. من المهم أن لا نزرع بذور أزمة اقتصادية جديدة». وخرجت القمة بـ«إطار واسع لبناء نمو متواصل ومتوازن»، من خلال منتدى الاستقرار المالي الذي سيكون عليها مراقبة أسواق المال والتحذير من اضطرابات محتملة فيها. ولفت غايتنر إلى أن الهدف الثاني من القمة كان «الاتفاق على مستويات عالمية لإصلاح النظام المالي العالمي». وتُعتبر كلمتا «النمو» و«الإصلاح» أبرز عبارتين للقمة التي واصلت أعمالها حتى مساء أمس.

واتفق قادة مجموعة العشرين على إصلاح صندوق النقد الدولي من خلال إعطاء أصوات إضافية للدول النامية ولكن لم تقرر بعد النسبة النهائية من الأصوات التي من المرتقب أن تنتقل من أوروبا إلى الدول النامية.

ومن المرتقب أن تعقد القمة المقبلة لمجموعة العشرين في كندا العام المقبل، حيث من المرتقب عقد اجتماعات مجموعة الدول الثمانية، ومن بعدها في كوريا الشمالية. ومن المرتقب أن تشهد تلك الاجتماعات قرارات حول كيفية إصلاح صندوق النقد الدولي وإعطاء أصوات أكثر للدول النامية. وشاركت منظمات مجتمع مدني ومنظمات إنسانية عدة، منها «سيف ذا تشيلدرن» و«أوكسفام»، بفعاليات على هامش قمة العشرين، معبرة عن ضرورة التزام الدول الكبرى بمكافحة الفقر ومساعدة الأضعف في المجتمعات. وقال مدير العلاقات مع الحكومات في منظمة «ورلد فيشيون» روبرت زاكريتز لـ«الشرق الأوسط»: «علينا الاستماع إلى الأصوات من الشمال والجنوب في طريقة بناء الاقتصاد العالمي الجديد بعد الأزمة المالية، والضغط على القادة من الجنوب والشمال على حد سواء للالتزام بإعانة الفقراء والضعفاء حول العالم وبخاصة الأطفال». وأضاف زاكريتز، ومنظمته مختصة بمساعدة الأطفال المحتاجين: «على القادة التركيز على أهداف الألفية للتنمية وأن يقنعوا شعوبهم بأهمية تلك الأهداف»، موضحا: «على قادة مجموعة العشرين أن ينظروا إلى كيفية جعل الانتعاش الاقتصادي يفيد أفقر الفقراء الذين كانوا أكبر ضحايا الأزمة الاقتصادية». وتطرقت القمة إلى هذه القضية، مطالبة بوضع صندوق خاص للتنمية الدولية والاستثمار في الزراعة في المناطق أكثر فقرا.

وبعد الاتفاق على اعتماد مجموعة دول العشرين كونها الآلية الأساسية لاتخاذ القرارات الاقتصادية الجماعية ومراقبة التطورات الاقتصادية، ستشهد الأشهر المقبلة حركة لتطبيق توصيات المجموعة بالإضافة إلى مراقبة النمو المرتقب مع انتهاء فترة الركود التي هزت الدول الأعضاء خلال العام الماضي. كان قادة بلدان مجموعة العشرين قد بدأوا في الساعة الثامنة مساء الخميس بالتوقيت المحلي القمة المخصصة لما بعد الأزمة المالية ووسائل تجنب تكرارها. وقد استقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشال على التوالي ضيوفهما في الحديقة النباتية في بيتسبرغ، قبل عشاء عمل تمحور حول إصلاح المؤسسات المالية الدولية، وهو موضوع خلاف حقيقي بين البلدان الغنية والناشئة. وتطالب البلدان الناشئة التي تعتبر أنها ليست ممثلة تمثيلا كافيا في صندوق النقد الدولي، مجموعة العشرين باتخاذ التزامات ملموسة حول هذه النقطة. أما الأوروبيون فلا يريدون التخلي عن سلطاتهم في هذه المؤسسة الدولية. وفي كلمته أمام الاجتماع، صرح الرئيس الصيني هو جينتاو بأن على جميع الدول المشاركة في المجموعة أن «تقف صلبة في التزامنا لدفع النمو الاقتصادي»، مطالبا بـ«تنسيق السياسات الاقتصادية وإبقاء الاستمرارية العامة لسياساتنا والتأكد من جدواها من الناحية الزمنية والمستقبلية». وطالب الرئيس الصيني «الدول المصدرة للعملات الرئيسية» أن توازن سياساتها المالية، من دون الإشارة مباشرة إلى الدولار الأميركي. وكانت الصين في السابق طالبت علنا بالاستبدال بالدولار كعملة رئيسية للمخزون الدولي بسبب ضعفه والاضطرابات التي يعاني منها، لكن هو لم يكرر هذا المطلب أمس.