مجموعة العشرين تتبنى 4 توصيات وتواجه اختبار مصداقية في الأسواق

أوباما: وضعنا أرضية للازدهار على المدى البعيد * العساف: نتائج القمة إيجابية.. ونقاش إصلاح صندوق النقد الدولي استحوذ على وقت طويل

أوباما مستقبلا الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في قمة العشرين مساء أول من أمس (واس)
TT

اختتمت قمة العشرين أعمالها بالإعلان عن «طي صفحة زمن عدم المسؤولية لتبني مجموعة من السياسات والتنظيمات والإصلاحات للرد على احتياجات القرن الـ21». وأنهى قادة دول العشرين اجتماعاتهم في مدينة بيتسبرغ الأميركية مساء أول من أمس بالتأكيد على جعل المجموعة المنتدى الرائد في التعامل مع الاقتصاد العالمي. ويتطلع وزراء مالية مجموعة العشرين إلى اجتماع مقبل لهم في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لبحث سبل تطبيق توصيات القمة التي شملت تفاصيل إصلاح القطاع المالي والتقريب من مستويات الرقابة بين الدول الأعضاء في المجموعة.

وأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي استضاف القمة، على نجاحها، موضحا: «لقد وضعنا أرضية للازدهار على المدى البعيد». وأضاف أوباما في مؤتمر صحافي أول من أمس: «هناك المزيد من العمل علينا القيام به، لكننا نترك اليوم أكثر ثقة واتحادا في الجهد المشترك لدفع أمن وازدهار جميع شعوبنا».

وخرجت القمة بتوصيات بالإبقاء على خطط التحفيز التي أطلقتها الدول الأعضاء لمعالجة الأزمة الاقتصادية، مشددة على أن العمل التدريجي على سحب برامج التحفيز مع استقرار الأسواق. وإضافة إلى ذلك، كانت هناك 4 توصيات، أولاها وضع الآلية للتعاون الدولي في وضع السياسات المالية، وثانيا العمل المناسب لمراقبة أسواق كل دولة ووضع آليات الشفافية المناسبة لمنع أزمة اقتصادية مماثلة. ثالثا، تم الاتفاق على سحب الإعانات المالية للوقود الأحفوري تدريجيا، والتي يصل حجمها إلى 300 مليار دولار، ودعم مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، ورابعا تم الاتفاق على إصلاح المنظمات المالية الدولية خاصة صندوق النقد الدولي.

وقررت الدول الصناعية والناشئة تعزيز تعاونها حد القبول بحق الرقابة لشركائها على الطريقة التي تدير بها اقتصاداتها بمساعدة صندوق النقد الدولي الذي خرج قويا من هذه القمة.

وأكدت دول مجموعة العشرين أن «الصندوق يجب أن يلعب دورا أساسيا لتشجيع الاستقرار المالي العالمي وإعادة التوازن إلى النمو».

وسيكلف صندوق النقد الدولي مراقبة اختلالات التوازن، وتقديم توصيات للسياسة الاقتصادية إلى الدول التي سيتعين عليها اتخاذ تدابير تصحيحية متلائمة مع الوضع.

وعبر وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف عن ارتياحه من نتائج القمة التي عقدت في أجواء مختلفة عن تلك التي سبقتها في لندن، حيث عقدت القمة السابقة في أبريل (نيسان) الماضي في أوج الأزمة المالية. وقال العساف في تصريحات لمجموعة من الصحافيين بعد اختتام القمة: «النتائج إيجابية»، موضحا أنه وعلى الرغم من بعض البوادر الإيجابية في الاقتصاد العالمي، فإن «القادة ملتزمون بالتوصيات والإصلاح». وتابع: «اتفقنا على أن الوقت مبكر لسحب الحوافز المالية. نحن مع التوجه بعد سحب الحوافز المالية الآن ولكن تدريجيا، ومع الوقت يجب فعل ذلك»، مضيفا: «بالنسبة للسعودية فإن برنامج الاستثمار الحكومي سيستمر لأنه ليس له ضغوط على التضخم».

وقال العساف إن النقاشات حول آلية إصلاح صندوق النقد الدولي استحوذت على فترة النقاش الأطول في اجتماعات القادة التي كانت على مدار يومين، وتضاعفت في جلستي نقاش مكثفتين يوم الخميس الماضي. وتم الاتفاق على نقل 5 في المائة من نسب التصويت في صندوق النقد الدولي من «الدول الزائدة التمثيل» في المنظمة إلى «الدول القليلة التمثيل». ومن المرتقب أن تكون الصين من أولى الدول المستفيدة من هذا التطور. كما أنه تم الاتفاق على زيادة 3 في المائة على الأقل في قوة التصويت للدول النامية في الصندوق الدولي.

وسيدخل تطبيق هذا التعديل حيز التنفيذ بحلول عام 2011. ووصف رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان هذا التعديل بـ«القرار التاريخي» الذي سيمنح الدول النامية صوتا أكبر في منظمة كانت تخضع لهيمنة العالم الغني.

وكانت الصين والهند والبرازيل تدفع بقوة من أجل الحصول على نسبة أعلى من التصويت في المنظمات الدولية، إلا أن أوروبا كانت تعارض بشدة. ويذكر أن أوروبا هي القارة التي ستخسر نسبة من تصويتها للسماح لدول ذات اقتصادات أكبر بالحصول على صوت أكبر في صندوق النقد الدولي. وشدد مسؤول فرنسي طلب عدم ذكر اسمه على أن فرنسا من الدول التي قد تخسر جزءا من صوتها في صندوق النقد الدولي، إلا أنها لا تعارض الإجراء لأنه أصبح ضروريا لجعل الاقتصاد العالمي يتماشى مع وقائع القرن الـ21. إلا أن فرنسا من الدول المطالبة بعدم النظر إلى العالم كمناطق كاملة مثل أوروبا وآسيا، ويجب زيادة حصة قارة كاملة، بل النظر إلى كل دولة على حدة وكحالة منفردة يجب إعطاؤها الفرصة المناسبة.

واعتبر العساف أن الاتفاق الحالي «سيفيد الدول الصاعدة، ولكن ما زال علينا العمل للانتهاء من تفاصيل الإصلاح». ومن المرتقب التوصل إلى نتائج نهائية حول آلية الإصلاح بحلول عام 2011.

ونبه العساف إلى ضرورة عدم اتخاذ الإجراءات التعسفية في حق الوقود الأحفوري، أو وضع الضرائب المتزايدة عليه، مشيرا إلى أن «مشكلتنا في فرض ضرائب زائدة على منتجات البترول». وشمل البيان الختامي فقرة حول ضرورة توفير الطاقة النظيفة. ولفت العساف إلى «مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي اقترحت تقديم الطاقة النظيفة للفقراء، وقد تحدثنا عن ذلك في هذه القمة». وأضاف: «هذه مسألة مهمة وجزء ضروري من العملية الحالية، علينا مساعدة الفقراء للحصول على مصادر طاقة نظيفة ومتكافئة».

وأفاد مسؤول في الوفد البريطاني بأن التوصيات حيال مكافآت مديري البنوك والتحفيزات كانت مناسبة، مضيفا أن رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون عمل على التوصل إلى اتفاق يناسب جميع الأطراف وكان راضيا عن نتائج القمة.

وكانت هناك تساؤلات حول الاتفاق الذي توصل إليه القادة في ما يخص مكافآت مديري البنوك، بعد أن انتشرت تقارير إخبارية حول خلاف بريطاني ـ فرنسي إزاء آلية السيطرة على نسب العلاوات لمديري البنوك. ولكن أكد مصدران بريطاني وفرنسي أنه منذ البداية لم تكن هناك رغبة في فرض حد مادي معين للعلاوات، بل إن فرنسا وإسبانيا وألمانيا شددت على ضرورة وضع حدود لنسب العلاوات وصرفها على مدار سنوات من أجل مكافأة النمو البعيد الأمد بدلا من الربح الفوري.

ومن جهته، قال مصدر في الوفد الفرنسي إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يشعر بارتياح حيال نتائج القمة، مشددا على أهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ما يخص المكافآت وإصلاح صندوق النقد الدولي والرقابة العامة للنظام المالي العالمي. وأضاف أن تفاصيل كيفية مراقبة العلاوات الممنوحة للبنوك ستترك لكل دولة، ولكن الإطار العام تم الاتفاق عليه لمنع خلق أجواء السنوات الماضية من المكافآت الباهظة لربح سريع وبمخاطر عالية.

وأوضح تقرير لوكالة «رويترز» أن مجموعة العشرين للدول الغنية تواجه شهورا من إبرام الصفقات والتواصل مع الأسواق، وهو الأمر الذي سيكون بمنزلة اختبار لمصداقيتها كمنتدى التعاون الاقتصادي الرئيسي في العالم.

وكان الزعماء قد اتفقوا على أن تحل اجتماعاتهم محل مؤتمرات مجموعة السبع للدول الغنية باعتبارها المنتدى الرئيسي لصناعة السياسات العالمية، وتعهدوا بإعطاء قوى صاعدة مثل الصين دورا أكبر في إعادة بناء وتوجيه الاقتصاد العالمي.

وتواجه المجموعة في ثوبها الجديد تحديات في مختلف الميادين، من جمود محادثات تغير المناخ إلى الشكوك في أسواق المال العالمية. وستبقى دول مجموعة العشرين في دائرة الضوء خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي في اسطنبول الشهر القادم، وقمة أخرى تستضيفها كوريا الجنوبية في نوفمبر (تشرين الثاني)، ومحادثات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في ديسمبر (كانون الأول).

ومن المستبعد أن تتفاعل الأسواق مع الدعم الذي حصلت عليه في بيتسبرغ مع مبادرة تقودها الولايات المتحدة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي عن طريق الحد من الفوائض الضخمة لدى مصدرين كبار مثل الصين والعجز الضخم لدى مستوردين كبار مثل الولايات المتحدة.

وقال كريستوفر لو، كبير الاقتصاديين لدى «إف تي إن فاينانشيال» في نيويورك «أي مؤشر على وحدة الصف سيحرك الدولار.. لكن الاختلاف في الرأي سيسود، وهو ما سيؤدي إلى عدم تفاعل السوق».

وبحسب البيان الختامي، تعهدت الدول التي تحقق فوائض مستدامة وكبيرة ـ وهو وصف يلائم الصين ـ بتعزيز مصادر النمو المحلية. وعلى المنوال نفسه تعهدت الدول التي تعاني من مستويات عجز كبيرة ـ مثل الولايات المتحدة ـ بدعم المدخرات الخاصة.

وعلى الرغم من مظاهر التضامن، كانت هناك بعض أوجه الاختلاف. فقد خاب أمل كثير من الأوروبيين لعدم التوصل إلى اتفاق يذكر بشأن سبل تمويل محاربة تغير المناخ، لا سيما مع اقتراب موعد انعقاد قمة المناخ التي تستضيفها كوبنهاغن في ديسمبر (كانون الأول).

وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، في بيان «لا أخفي قلقي بشأن بطء وتيرة التقدم.. وقت التحلي بالجدية هو الآن وليس لاحقا».

واتفق القادة على أن يكون من حق الشركات استرداد المكافآت في حالات معينة. ويهدف الإجراء إلى ضمان عدم حصول المصرفيين على أجور ضخمة عن مراهنات عالية المخاطر قد تتسبب في خسائر لاحقا.

وعلى صعيد آخر، ذكر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية لوك شاتيل أمس السبت أن قمة مجموعة العشرين في بيتسبرغ «أتاحت طي صفحة القرن العشرين». وأوضح المتحدث لوكالة الصحافة الفرنسية أن «مجموعة العشرين أتاحت طي صفحة القرن العشرين لأن قادة العالم أقاموا (إطارا) جديدا للإدارة العالمية».

ومن ناحية أخرى، قال الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، أمس الجمعة، إنه شعر بالرضا لأن قادة العالم أدركوا الحاجة إلى تحسين النظم المالية تجنبا لحالات الذعر الاقتصادي في المستقبل.

وأثنى لولا في أعقاب قمة مجموعة العشرين في بيتسبرغ على الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الدول العشرين الأقوى اقتصاديا على مستوى العالم والمتعلقة بسلسلة من الإصلاحات المالية لكبح جماح الممارسات المصرفية محفوفة المخاطر والحد من مكافآت المسؤولين التنفيذيين بالبنوك. وقال لولا عبر مترجم «أنا أغادر هذا الاجتماع مع الاقتناع بأن مجموعة العشرين تحقق الآن دورا استثنائيا في هذا النظام الاقتصادي الجديد وفي تنظيم النظام المالي، ووضع قواعد لخلق فرص العمل». وأضاف «كل رؤساء الدول وافقوا على أن النظام المالي يجب أن يخضع للتنظيم، حتى نتجنب الأخطاء نفسها التي ارتكبناها في العام الماضي» عندما أسفرت ممارسات الإقراض عالية المخاطر عن ارتفاع معدلات التخلف عن سداد الرهون العقارية، وإصابة أسواق الائتمان بالشلل وإثارة الأزمة الاقتصادية العالمية.