مستثمرون سعوديون يطالبون بتفعيل دعوة قمة العشرين بدعم الاستثمار الزراعي

أكدوا نموذجية مبادرة خادم الحرمين.. والمطالبات تتضمن التعاون في تطوير البنى التحتية ومنع الاحتكار

أكد المستثمرون السعوديون على ضرورة توحيد الجهود لدعم الزراعة حول العالم (رويترز)
TT

طالب مستثمرون سعوديون في القطاع الزراعي بضرورة تفعيل دعوات قمة العشرين في دعم الاستثمار الزراعي الدولي، وذلك من خلال تطوير البنى التحتية في الدول الفقيرة، ومنع الاحتكار لكامل الدورة الغذائية لبعض الشركات مما يؤثر في الأسعار.

وجاءت مطالبات المستثمرين السعوديين بعد دعوة قمة العشرين الأخيرة للبنك الدولي في دعم الزراعة في الدول الفقيرة، من خلال العمل مع الوكالات المانحة لإنشاء صندوق متعدد الأطراف لزيادة الاستثمار الزراعي في البلدان الفقيرة في خطوة لاحقة لتعهدها في يوليو (تموز) الماضي بتقديم 20 مليار دولار للاستثمار الزراعي في البلدان الفقيرة، بهدف تعزيز الأمن الغذائي بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية العام الماضي.

وقال المستثمرون إن المملكة بادرت إلى تحقيق ذلك التوجه من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للاستثمار الزراعي الخارجي التي تهدف إلى حث وتشجيع الشركات الزراعية السعودية على الاستثمار في زراعة المحاصيل الأساسية للمجتمع والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي التي تولد عنها تأسيس «الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني» المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، برأسمال 3 مليار ريال (800 مليون دولار).

ويشهد توجه الدول الغنية للاستثمار الزراعي في الدول الفقيرة سجالا فكريا رغم تحقيقه لأهداف الطرفين من حيث توفير الغذاء الصحي الآمن بشكل مستدام لصالح شعوبها وشعوب الدول المضيفة للاستثمارات، إضافة لما ستعمل عليه تلك الدول من إقامة بنية أساسية في الدول الفقيرة كمطارات، وطرق، وموانئ، وسدود، ومخازن، ومصانع للغذاء وغيرها.

في الوقت الذي خرجت فيه بعض الآراء بأن تلك الاستثمارات تمكن الدول الغنية من التحكم في مقدرات ومصير شعوب الدول الفقيرة، على الرغم مما يقوم به مسؤولو الحكومات في الدول الفقيرة ذات المقومات الزراعية من جولات تسويقية للفرص الاستثمارية المتاحة في دولهم في القطاع الزراعي، والتي تتطلب استثمارات ضخمة، يصنفها المستثمرون بـ«عالية المخاطر»، لكثرة ما تتعرض له من مخاطر صحية وبيئية ومناخية خارجة عن السيطرة.

وبين الدكتور محمد بن سليمان الراجحي، الرئيس التنفيذي لشركة الراجحي الدولية للاستثمار، أن قطاع الزراعة يتعاظم وتزداد أهميته نتيجة الزيادة السكانية بمرور الزمن، وما تفضي إليه من زيادة الطلب على الغذاء، مشيرا إلى أنه لا يمكن الاستغناء عن الغذاء، وبالتالي فإن جميع الدول تحرص على تنمية الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي.

وأكد أن تلك القضية اتفق الجميع على أنها لا تتحقق إلا بالتكامل بين الدول، التي تمتلك رؤوس الأموال، وتمتلك التقنيات المتقدمة، والمقومات الزراعية على مبدأ تحقيق المصالح المشتركة من دون تغليب مصلحة طرف على آخر.

وأوضح الدكتور الراجحي، الذي تبلغ استثمارات شركته نحو 1.5 مليار ريال (400 مليون دولار)، أن الدول التي تمتلك المقومات الزراعية سواء كانت فقيرة أو غنية تعمل على جذب المستثمرين المحليين والأجانب للاستثمار في القطاع الزراعي.

وتعمل أيضا على استقطاب رؤوس الأموال والتقنية لتنمية هذا القطاع بما يجعلها قادرة على استثمار مواردها وتعزيز قدراتها الاقتصادية، وتوفير الغذاء الصحي المستدام المتناول سعريا لأسواقها والأسواق العالمية، وهو ما يدركه المستثمرون أيضا، الذين يرغبون في علاقة شراكة استراتيجية تضمن لهم حقوقهم، كما تضمن حقوق الدول المضيفة لتلك الاستثمارات.

وأكد الراجحي أن شركته التي لا تستثمر في أي مكان كان إلا بعد دراسات مستفيضة لجميع عناصر الاستثمار في تلك الدول من تربة صالحة وماء وفير ومناخ ملائم وبنية تحتية سليمة واستقرار سياسي، رغم الدعوات المتكررة لها من دول متعددة غنية وفقيرة على حد سواء.

ولفت إلى أن دعوة قمة العشرين البنك الدولي إلى العمل مع الوكالات المانحة لإنشاء صندوق متعدد الأطراف لزيادة الاستثمار الزراعي في البلدان الفقيرة بهدف تعزيز الأمن الغذائي في تلك الدول. إنما هي خطوة في الاتجاه السليم لأنها ستساهم في المحصلة بزيادة رقعة الأراضي المزروعة عالميا بما يرفع العرض من المنتجات الزراعية لتلبية الطلب المتنامي عليها، مؤكدا أن مبادرة خادم الحرمين تأتي في هذا السياق الإنساني الذي يسعى إلى توفير الغذاء الصحي الآمن المستدام لجميع شعوب العالم بأسعار في متناول جميع الطبقات الاقتصادية، وهي مبادرة سبقت دعوة مجموعة العشرين لاقتسام الغذاء مع الدول الفقيرة.

وشدد الرئيس التنفيذي لشركة الراجحي الدولية للاستثمار على ضرورة توجيه جزء كبير من هذه الاستثمارات، التي لن تسد سوى جزء يسير من الفجوة الاستثمارية في القطاع الزراعي إلى تطوير البنى التحتية في الدول الفقيرة ذات المقومات الزراعية من طرق وموانئ ومطارات ووسائل نقل وسدود ومخازن ومراكز دعم لوجستي، وتعزيز مستوى الإدارة في تلك الدول.

وأكد أن تلك الخطوة من شأنها تجنيب المستثمرين الروتين والبيروقراطية والتقلبات السياسية، وذلك من أجل تعزيز فرص نجاح الاستثمارات الزراعية ومعالجة عوائقها بما يؤدي في المحصلة إلى المزيد من الاستثمارات والإنتاج الغذائي العالمي، وهذه الاستثمارات لا غنى عنها لتوفير الغذاء لأكثر من مليار جائع في الدول الفقير منهم 350 مليون طفل يعانون المجاعة.

وطالب الخبير الزراعي بضرورة أن تقوم منظمة العشرين والأمم المتحدة بتنمية الشركات المتخصصة في البلدان المختلفة لكي تأخذ دورها، حتى لا تكون كامل الدورة الإنتاجية والتمويلية حكرا على جهات معدودة ومحددة، حيث إن الاحتكار يعود بآثار سلبية على مستوى جودة المنتجات الغذائية وعلى أسعارها وتوفرها بشكل مستدام في الأسواق، مؤكدا أن على حكومات الدول الغنية والدول الفقيرة مسؤولية في تنمية مثل تلك الشركات المحلية والدولية، موضحا أن الكثير من المستثمرين يدركون أن المسؤولية الأخلاقية ضمان أكيد لاستمرارية استثماراتهم ونجاحها.

من جهته قال سمير قباني، عضو اللجنة الزراعية في مجلس الغرف السعودية، إن مبادرة خادم الحرمين الشريفين ساهمت بشكل كبير في تكوين عمل مؤسسي للمساهمة في توفير الأمن الغذائي في المملكة بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام، بالإضافة إلى تنمية البلدان التي تستهدف المبادرة الاستثمار فيها.

وأضاف إلى أن المملكة استبقت الرؤية العالمية في وضع آلية لتوفير الأمن الغذائي العالمي من خلال تلك المبادرة التي دخلت حيز التنفيذ من الإعلان عن إنشاء شركة زراعية تابعة لصندوق الاستثمارات العامة برأسمال 3 مليار ريال (800 مليون دولار)، مشيرا إلى أن المبادرة أخذت عدة اعتبارات في تنامي السكن الذي يزداد بشكل سنوي 70 مليون نسمة.

وأكد أن اللجنة الفنية التابعة للمبادرة عملت على دراسة جميع الدول المناسبة للاستثمار الزراعي، وعملت على تأسيس بنية تحتية لآلية الاستثمار الزراعي الدولي للمملكة، موضحا أن مطالبة قمة العشرين جاءت مواكبة لرؤية المبادرة التي تعزز حضور المملكة في المساهمة بتوفير الأمن الغذائي من جهة، وتنمية الدول الفقيرة ومحاربة الفقر في أرجاء العالم من جهة أخرى.

ولفت إلى أن المملكة قدمت نموذجا لتأسيس عمل مؤسسي من الممكن تقديمه كمقترح لتنظيم عملية الاستثمار الزراعي في العالم، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي، خاصة في ظل النمو السكاني الكبير الذي يتوقع أن يصل إلى 9 مليار نسمة في عام 2050.

وذكر أحمد السماري، الخبير الزراعي وعضو اللجنة الزراعية في غرفة الرياض، أن العالم يتخوف من نقص في المحصول الزراعي العالمي، وهو العنصر الرئيسي المكون للأمن الغذائي، مشيرا إلى وجود مخاوف كثيرة تحيط مستقبل الزراعة، الذي يعتبر في مفهوم الدول أسلوب حياة وليس مجرد تجارة.

وقال إنه يجب أن تصاغ التشريعات والتنظيمات وتفعليها في الدول التي يراد الاستثمار بها، وأن تكون هناك آليات عمل تكفل حقوق الدول المستثمرة والمستقبلة للاستثمارات، حتى لا يكون هناك تضارب في المصالح، وبالتالي يتسبب في ضياع الفائدة المرجوة من تلك الاستثمارات.

وأكد على أن الاستثمار الزراعي يعتبر من أصعب الاستثمارات في إيجاد المرود، وهو الذي يأخذ وقتا حتى يبدأ في الإنتاج، ومن ثم طرحه للأسواق، في الوقت الذي تعمل الكثير من الدول الزراعية أو المنتجة للزراعة على استهلاك أغلب محاصيلها، وهو الأمر الذي يصعب وجه النظر التجارية في قضية الزراعة.

وأكد إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين جاءت للمساهمة في الأمن الغذائي بشكل عام، وليس فقط في الاستثمار الزراعي، مما يؤكد عمق المبادرة التي ستساهم في تأسيس فكر جديد لدعم الزراعة العالمية.

وطالب السماري بتفعيل الدول اتفاقياتها مع المستثمرين الزراعيين، وذلك من خلال تنفيذ تلك الاتفاقيات عبر الجهات التنفيذية، مشيرا إلى وجود فرص جيدة في عدد من الدول، إلا أن معاناة الأنظمة والتشريعات تقف حاجزا أمام استثمار تلك الفرص الزراعية.