صندوق النقد يؤكد استقرار القطاع المالي العالمي

دراسة: تغير المناخ سيكلف الدول الفقيرة 100 مليار دولار سنويا

يتوقع انخفاض أسعار العقارات في اميركا بنسبة 4% أخرى قبل أن يتوقف الانخفاض العام المقبل. وفقدت العقارات 33% من قيمتها تقريبا منذ منتصف 2006 (أ.ف.ب)
TT

أعلن صندوق النقد الدولي أمس الأربعاء أن القطاعات المالية في مختلف أنحاء العالم تشهد حالة من الاستقرار في الوقت الذي خفض فيه توقعاته بشأن خسائر البنوك لأول مرة منذ انهيار أسواق المال في خريف العام الماضي.

لكن الصندوق حذر من الشعور بـ«الرضا» وحث الحكومات على استمرار تدخلاتها غير المسبوقة في الشركات المالية حتى يتم التأكد من تعافي الاقتصاد العالمي تماما. كما تحتاج البنوك في فترة استقرارها إلى المزيد من رأس المال لإنعاش عمليات الإقراض للاقتصاد الأوسع.

وفي تقريره نصف السنوي تحت عنوان «تقرير الاستقرار المالي العالمي» خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن الأصول المشطوبة في القطاع المصرفي في العالم من 4 تريليونات دولار في أبريل (نيسان) الماضي إلى 3.4 تريليون دولار فقط الآن. رجع الصندوق خفض توقعاته بشأن الأصول المشطوبة إلى ارتفاع أسعار الأوراق المالية المدعومة بقروض عقارية والتي كانت السبب الرئيسي للأزمة المالية العالمية الراهنة.

وقال جوزيه فينالز مدير إدارة الشؤون النقدية وأسواق المال بالصندوق إن «هذا التحسن أمر مرحَّب به لكننا لا نزال نرى تحديات كبيرة قادمة».

وأشارت وكالة الأنباء الألمانية إلى أن فينالز أوضح للصحافيين: «في حال فشلنا في مواجهة التحديات التي لا تزال تعترض النظام المالي، فإننا قد نواجه مخاطر تهدد صلب النظام من جديد، بل وحتى انحراف عملية التعافي الاقتصادي الراهنة عن طريقها».

ووفقا لتقرير الصندوق فإن الشركات الأميركية كانت أكبر الخاسرين بسبب الأزمة المالية خلال العام الماضي لكنها أيضا كانت الأكثر إدراكا للأزمة من نظيراتها في أوروبا.

جاء صدور التقرير نصف السنوي لصندوق النقد الدولي قبل انطلاق الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي في مدينة إسطنبول التركية في وقت لاحق من الأسبوع الحالي.

وحتى صدور تقرير أمس الأربعاء، كان الصندوق يزيد بشكل مطرد توقعاته للخسائر منذ انهيار بنك «ليمان براذرز هولدنغز» الاستثماري الأميركي في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي وتسبب في حدوث صدمات في القطاع المالي بأكمله.

ودفعت أزمة وول ستريت البنوك إلى تجميد عمليات الإقراض للمستهلكين وأسهمت في انزلاق العالم إلى أسوأ فترة من الركود منذ سبعة عقود. وبذلت حكومات العديد من دول العالم جهودا لتنشيط عمليات الإقراض بضخ تريليونات الدولارات للمؤسسات المالية والبنوك المتعثرة.

وفي الوقت الذي تستمر فيه حاليا عملية التعافي الاقتصادي وفقا لمعظم الآراء، فإن البنوك لم تسجل حتى الآن سوى نصف خسائرها المتوقعة المتعلقة بالأزمة. كما حذر الصندوق من أن أصول الرهن العقاري المتعثرة لم يتم شطبها من ميزانيات البنوك بالسرعة الكافية.

ولم تقم البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا بدور قوي في عملية التعافي الاقتصادي. وقال صندوق النقد إن هناك حاجة إلى المساعدة الحكومية إذ لا يزال في مصادر التمويل نقص، لكن يجب على السياسيين أن «يدرسوا ويضعوا» خططا لإنقاذ القطاع.

وعلى الرغم من أن معظم البنوك جمعت رأسمال كافيا من أجل استمرار نشاطها، قال فينالز إنها لا تزال تفتقر إلى «القوة» المضافة التي تسمح بعودة عملية إقراض المستهلكين إلى وضعها الطبيعي.

وقال فينالز إنه «إذا كان السؤال يتعلق بتوافر رأسمال كافٍ لدى البنوك لتقديم قروض تكفي لدعم عملية التعافي فإننا نعتقد أن الإجابة هي لا. ولا تزال هناك حاجة كبيرة إلى رأس المال من أجل تلك الأغراض».

وذكر صندوق النقد الدولي أن مسيرة تدهور السوق العقارية الأميركية الذي كان أحد أسباب الانهيار المالي، قاربت على نهايتها.

يتوقع الصندوق انخفاض أسعار العقارات في الولايات المتحدة بنسبة 4% أخرى قبل أن يتوقف الانخفاض العام المقبل. وفقدت أسعار العقارات في الولايات المتحدة 33% من قيمتها تقريبا منذ وصولها إلى أعلى مستوى لها في منتصف 2006.

وفي ما يتلق بموضوع إنهاء التدخل في السوق في أثناء الأزمة المالية، أشار التقرير إلى أنه من السابق لأوانه إجراء تقييم شامل لفعالية التدخلات المضادة للأزمة على المدى الطويل، فإن التدخل أثبت فعالية في تهدئة الأسواق المالية المتراجعة.

وذكر التقرير أنه يجب «الاسترشاد بمعيار عودة الثقة الدائمة في صحة المؤسسات والأسواق المالية عند تحديد إمكانية إنهاء التدخلات المضادة للأزمة. وللحفاظ على استقرار الأسواق وإدارة التوقعات، تعلق أهمية على التواصل الواضح لشأن إلغائها، ليس فقط في ما يتصل بتوقيت البدء فيها وإنما أيضا من حيث كيفية تصميم العملية بكاملها».

وأكد التقرير أن «عودة الثقة الدائمة في صحة المؤسسات والأسواق المالية هي المعيار المرشد لإنهاء دور البنوك المركزية والحكومات في التدخلات المضادة للأزمة. ولاختلاف الظروف الاقتصادية والمالية باختلاف البلدان، فلا يوجد نمط موحد لتوقيت إلغاء التسهيلات التي وضعها القطاع العام في أثناء الأزمة ولا لتسلسل الخطوات المؤدية إلى إلغائها».

ومن ناحية أخرى، أوضحت دراسة الصندوق أن الدول النامية ستحتاج لإنفاق ما يصل إلى 100 مليار دولار أميركي سنويا على مدى السنوات الأربعين القادمة للتكيف مع تغيرات مناخية أشد.

وقال التقرير إن الدول الأفقر ستحتاج للاستثمار في مشروعات بنية تحتية واسعة النطاق لمواجهة فيضانات ونوبات جفاف وموجات حرارة وأمطار غزيرة أكثر تواترا، إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين بحلول عام 2050.

وقالت كاترين سيرا، نائبة رئيس البنك الدولي للتنمية المستدامة «في مواجهة احتمال تكاليف بنية تحتية إضافية ضخمة بالإضافة إلى الجفاف والمرض وانخفاضات هائلة في الإنتاجية الزراعية، تحتاج الدول النامية أن تستعد لعواقب محتملة لتغير المناخ الجامح».

وتراوحت التقديرات السابقة من قبل مجموعات أخرى لتكاليف التكيف بين تسعة مليارات دولار و104 مليارات دولار، لكن البنك الدولي يقول إن أحدث تقديرات للتكاليف هي التحليل الأكثر عمقا حتى تاريخه للأثر الناجم عن تغير المناخ.

وأعطى التقرير تكاليف تتراوح بين 75 مليار دولار و100 مليار دولار، بناء على سيناريوهين مختلفين. السيناريو الأول أن عالما أكثر جفافا سيتطلب استثمارا أقل مما تتطلبه الأحوال المطيرة التي ستحتاج إلى إجراءات مثل بناء حواجز أمواج أو قنوات صرف أعمق.

وقال وارين إيفانز، مدير إدارة البيئة في البنك الدولي، إن شرق آسيا والباسيفيك حيث توجد بعض أسرع اقتصادات العالم نموا، ستكون أكثر المناطق تضررا ماليا لتمثل على الأقل ربع إجمالي التكاليف، بسبب التمدن المتزايد خصوصا في المناطق الساحلية.

ووفقا لما ذكرته الدراسة فإن تكلفة التكيف مع عالم أكثر دفئا ستكون على نفس نطاق حجم المساعدة التي تتلقاها الدول النامية حاليا. وتشير وكالات المعونة إلى أنه من الضروري عدم تخفيض أموال المساعدة لتمويل مبادرات تغير المناخ.