رغم المخاوف.. الربع الثالث كان مفروشا بالزهور في وول ستريت

ارتفاع أسعار بورصة نيويورك أيد المستثمرين الذين كانوا يؤمنون بأن الأزمة المالية على وشك الانتهاء

تزايد المخاوف المتعلقة باعتماد حالة الانتعاش التي حدثت خلال الفترة الماضية على الدعم الحكومي («الشرق الأوسط»)
TT

لقد انتصر المتفائلون في وول ستريت في الربع الثالث من السنة المالية؛ حيث أيد ارتفاع أسعار البورصة المستثمرين الذين كانوا يؤمنون بأن الأزمة المالية كانت على وشك الانتهاء، وذلك على الرغم من تزايد المخاوف المتعلقة باعتماد حالة الانتعاش التي حدثت خلال الفترة الماضية على الدعم الحكومي.. حيث ارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي ـ الذي كان قد انخفض 29.92 نقطة أي ما يوازي 0.3% إلى 9712.28 أول من أمس الأربعاء ـ إلى 1265 نقطة أو ما يوازي 15% في ذلك الربع من السنة بشكل عام. وذلك في أعقاب زيادة بنسبة 11% في الربع الثاني، حيث كانت السوق قد بدأت تتعافى من أسوأ انخفاض تعرضت له منذ ثلاثينات القرن الماضي.

كما تدفق النقد كذلك إلى الاستثمارات الأخرى بما فيها سندات الشركات، وسندات البلديات، والذهب، حيث تجنب الكثير من الناس الحسابات المصرفية قصيرة الأجل التي تدر عائدات محددة حاليا نظرا لسياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالحفاظ على معدل سعر الفائدة القياسي بما يقارب الصفر.

يقول هوارد سيمونز، الخبير الاستراتيجي في معهد أبحاث بيانكو بشيكاغو: «إذا كنت من المدخرين الذين يخشون المغامرة، فلن تربح شيئا». حيث أجبر ذلك الوضع المستثمرين الصغار والكبار على حد سواء أن يدعوا مخاوفهم جانبا ويؤيدوا التعافي الاقتصادي من خلال إعادة ضخ النقد إلى وول ستريت.

وبالتالي، فقد ساعد نشاط سوق الأسهم والسندات على دعم آمال التعافي من خلال إعادة ضخ قدر كبير من الأوراق المالية التي لم تكن موجودة في الأسواق المالية خلال الانهيار الاقتصادي في الفترة من سبتمبر (أيلول) 2008 وحتى مارس (آذار).

ووصلت قيمة بورصة الأوراق المالية الأميركية يوم الأربعاء إلى 12.6 تريليون دولار، وفقا لمؤشر «ولشاير 5000»؛ حيث ارتفعت بمقدار 4.9 تريليون دولار بعد أن كانت أسعار الأسهم قد وصلت إلى أدنى معدلاتها منذ 12 عاما في بداية مارس (آذار).

ويقول المتفائلون بأداء السوق إن المستثمرين قد تجاوبوا بطريقة عقلانية مع العدد الكبير من التقارير الاقتصادية في مايو (أيار)، وأغسطس (آب)، وسبتمبر (أيلول)، التي كانت تشير إلى أن النشاط الاقتصادي كان قد بدأ في الاتجاه نحو الصعود أو على الأقل فإنه تباطأ معدل هبوطه.

وقد ساعدت كذلك تقارير عائدات الربع الثاني التي جاءت أفضل من المتوقع على ارتفاع البورصة حتى وإن كانت النتائج الإيجابية للكثير من الشركات قد جاءت نتيجة خفض التكلفة، لا زيادة نشاط المبيعات.

وعندما بدأ المشترون في الاندفاع إلى السوق، ساهموا في زيادة جديدة ماثلت النشاط الذي حظي به الربع الثاني من السنة المالية:

* وذلك حيث ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الذي أغلق يوم الأربعاء عند 1057.08، بنسبة 15% في الربع الثالث بعدما كان قد ارتفع بنسبة 15.2% في الربع الثاني.

* كما ارتفع مؤشر «ناسداك» المركب الذي يتألف من عدد كبير من شركات التكنولوجيا بنسبة 15.7% في الربع الأخير إلى 2122.42 بعد زيادة بنسبة 20% في الربع السابق.

* وقد استمرت بورصة الشركات الصغيرة في تجاوز أسهم الدرجة الأولى (الممتازة)؛ كما يحدث عادة في المراحل الأولى من اتجاه السوق نحو الصعود، وقد ارتفع مؤشر «راسل 2000» للشركات الصغيرة بنسبة 18.9% في الربع الثالث بعد زيادة قدرها 20.2% في الربع الثاني.

* وكان أداء البورصات المالية هو الأفضل بين المجموعات الصناعية العشر الكبرى في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» في الربع الأخير، بعدما تصدرت القمة كذلك في الربع الثاني؛ حيث قفز القطاع المالي بنسبة 25.1% في الفترة الأخيرة بعدما حقق زيادة 35.1% في الربع الثاني.

وقد عززت نسبة العائدات المرتفعة لأسهم الشركات التي كانت ضمن خطة الإنقاذ الفيدرالية في الربع الثالث ـ بما فيها «فاني ماي»، و«فريدي ماك»، ومجموعة «أميركان إنترناشيونال» ـ تقدم القطاع المالي. وفي الوقت نفسه، أثار ذلك سخرية المتشككين الذين قالوا إن النشاط غير المتزن للبورصات ـ والذي سوف يكون ذا قيمة قليلة أو من دون قيمة على الإطلاق على المدى البعيد؛ وفقا لقرارات الحكومة فيما يتعلق بالشركات ـ كان دليلا على أن ذلك النشاط قد تحول إلى مضاربات عشوائية، بينما يؤكد المتفائلون بأداء السوق أن المشككين يرفضون رؤية الصورة الأكبر للتعافي الاقتصاد؛ فيقول جيم بولسن، خبير الاستثمار في ويلز لإدارة رأس المال في «مينا بوليس»: «لقد خرج الاقتصاد للتو من الركود، وليس من المحتمل أن ينتهي نشاط سوق البورصة بهذه السرعة في مرحلة التعافي».

وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض البيانات الاقتصادية التي ظهرت خلال الأيام الماضية قد أثارت المخاوف والكثير من التساؤلات حول إمكانية حدوث تعاف اقتصادي. فعلى سبيل المثال، تهاوى الطلب على شراء السلع المعمرة بنسبة 2.4% في أغسطس (آب)، وقد كان ذلك الانخفاض أكبر من المتوقع. كما أظهر تقرير يوم الأربعاء انخفاض نشاط منطقة شيكاغو الصناعية في سبتمبر (أيلول) في أعقاب زيادة النشاط في الأشهر الثلاثة السابقة.

وكانت التقارير التي ترصد ثقة المستهلكين في شهر سبتمبر (أيلول) متضاربة، فقد أشار استقصاء قومي إلى وجودة زيادة، بينما أشار آخر إلى حدوث انخفاض.

ويقول بوب دول، كبير مديري الاستثمار بالأسهم في شركة «بلاك روك» لإدارة الاستثمار بنيويورك، إنه يجب على المستثمرين أن يتوقعوا ورود تقارير اقتصادية متضاربة.. مضيفا: «فالتعافي يكون في العادة غير منضبط»، وذلك على الرغم من أنه يحذر من أن البورصة قد تكون معرضة لتراجع على المدى القصير.. مؤكدا: «نعتقد أننا في طريقنا للوصول إلى أقل قدر من المقاومة».

ولم تفقد البورصات الكثير من مصداقيتها على الرغم من المخاوف الأخيرة حول الاقتصاد؛ فلم يكن لتصاعد التوتر بين إيران والغرب تأثير كبير على الاتجاه العام للمستثمرين؛ ولم ينخفض مؤشر «داو جونز» سوى بنسبة 1.2% عن ارتفاع 2009 الذي وصل إلى 9829.87 في 22 سبتمبر (أيلول).

ويعتمد الكثير من المتفائلين بشأن أداء السوق على التقارير التي تشير إلى ارتفاع عائدات الربع الثالث في إعادة تنشيط السوق. وقد عزز النشاط الأخير في دمج الشركات التفاؤل بشأن زيادة عائدات أسعار الأسهم.

ومع ذلك، تستحوذ المخاوف على وول ستريت بشأن مدى التدخل الحكومي في الاقتصاد؛ بما في ذلك الإجراءات المتعلقة بالحفز المالي، وعملية ضخ الأموال الموسعة التي قام بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في النظام المالي. يقول سيمونز مدير شركة «بيانكو»: «إن الكثير من مؤشرات السوق متأثرة إلى حد كبير بالتدخل الحكومي. فعلى سبيل المثال، حدث ارتفاع كبير خلال الصيف، نتيجة برنامج النقد للخاسرين» ولكن لم يتضح بعد مدى تأثير ذلك الارتفاع على المبيعات المستقبلية.

وأخيرا، تم تفسير انخفاض عائدات سندات الخزانة طويلة المدى، والانخفاض المستمر لقيمة الدولار، وارتفاع أسعار الذهب كإشارات تحذيرية من أن المستثمرين الدوليين يخشون اعتماد الاقتصاد الأميركي على أجهزة الإنعاش الحكومية.

وقد أغلقت سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات عند 3.30% يوم الأربعاء، مسجلة انخفاضا عن 3.53% في نهاية يونيو (حزيران). كما أنهى الذهب ربع السنة عند 1.008 دولار للأوقية مرتفعا عن 927 دولارا في نهاية يونيو (حزيران).

يقول جوزيف كوينلان، رئيس التحليل الاستراتيجي في مجموعة استراتيجيات الاستثمار بنيويورك «بنك أوف أميركا»، إنه يتوقع أن تدعم العائدات التي تحققها الاقتصادات الأخرى تعافي الاقتصاد الأميركي. وأضاف: «إن التعافي الاقتصادي حاليا يشبه حرب الـ(في)؛ فالجميع قد سبقنا». ويضيف كوينلان أن ذلك يعزز كذلك البورصات الأجنبية، فقد تزايدت عائدات معظم البورصات المالية الأجنبية الكبرى والصغرى في نطاق يتراوح بين 15% و25% في الربع الأخير. وبالنسبة للمستثمرين الأميركيين فإن تلك العائدات قد عززها ارتفاع العملات الأجنبية في مقابل الدولار.

وعلى الرغم من ارتفاع الأسواق، فإن كوينلان يقول إنه يعتقد أن الكثير من العملاء ذوي الملاءة المالية العالية الذين كانوا قد نأوا بأنفسهم عن البورصة خلال فترة الانخفاض في مارس (آذار) ما زالوا لم يعاودوا العمل مرة أخرى.

وقطعا، تشير بيانات الصناديق المشتركة إلى أن الجمهور كان إلى حد كبير يفضل صناديق السندات أكثر من صناديق الأسهم خلال العام الجاري.

ولكن المحللين يقولون إنه إذا استمر الاقتصاد في التعافي فإن البورصات سوف تكون المسار الطبيعي للأموال الموضوعة جانبا. وبالرغم من أن كوينلان يرى أن الكثير من العملاء كانوا قد أحجموا عن البورصة فإنه يقول: «لقد عادوا للاهتمام مرة أخرى».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»