مسؤول خليجي: دول الخليج عبرت بنجاح الأسوأ في الأزمة المالية العالمية

نائب رئيس المصرف المركزي الإماراتي: 18.3 تريليون دولار قيمة احتياطيات النفط الخليجية

بن سليمان قال إن الدول الخليجية تمتلك مخزونا من النفط تصل قيمته إلى 18.3 تريليون دولار («الشرق الأوسط»)
TT

على ذمة مسؤول إماراتي كبير، فإن تأثيرات الأزمة المالية العالمية على دول الخليج قد انتهت، والمنطقة خلال فترة الأزمة لم تشهد أي مخاطر مباشرة، بحسب ما قاله أمس الدكتور عمر بن سليمان نائب رئيس مجلس إدارة المصرف المركزي الإماراتي، مدللا على حديثه عن قوة الاقتصاديات الخليجية في مواجهة الأزمة، بأن القيمة الحالية لاحتياطات النفط التي تملكها دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 18.3 تريليون دولار.

واعتبر المسؤول الإماراتي أن مواجهة دول مجلس التعاون للأزمة كانت بفعل سياسات مالية كان لها وقعها الكبير، بعد اتخاذها مجموعة من الإجراءات، منها ضخ سيولة كبيرة في الأنظمة المالية، وإصدار السندات السيادية، والزيادة في الإنفاق العام، وخفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى ضمان الودائع المصرفية والقروض وشراء حصص في القطاع المصرفي. وبحضور مجموعة كبيرة من الرؤساء التنفيذيين وكبار الاقتصاديين وخبراء الهيئات التنظيمية المشاركين في المؤتمر، قال الدكتور عمر بن سليمان «الآن (نحن) في موقع يؤهلنا لأن نعلن بثقة كبيرة أن المنطقة نجحت في اجتياز أسوأ مراحل الأزمة دون أن تعاني أنظمتها المالية والمصرفية أي مخاطر كبيرة. وهذا في حد ذاته يعد إنجازا مهما ومؤشرا إيجابيا يبشر بمستقبل مشرق للمنطقة وقطاعها المالي».

وكان لافتا ما قاله الدكتور بن سليمان بأن الدول الخليجية تمتلك احتياطات هائلة من الهيدروكربون، واصفا هذه الاحتياطات بـ«التحويلية»، خصوصا أن لهذه الاحتياطات القدرة على ضمان الاستقرار المالي طويل الأمد.

وللتدليل على قوة الاقتصاديات الخليجية، أوضح بن سليمان، في سياق تعليقه على ورقة قامت بها الوحدة الاقتصادية لمركز دبي المالي العالمي، أن القيمة الحالية لاحتياطات النفط التي تملكها دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 18.3 تريليون دولار، أي ما يفوق إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة الأميركية لسنة 2008. مضيفا: «إذا بلغ معدل سعر النفط 100 دولار للبرميل الواحد وسعر الغاز 9 دولارات، فمن شأن ذلك أن يصل بالعائدات إلى 37.7 تريليون دولار لتوازي بالتالي مجموع رسملة سوق الأسهم العالمي».

وأضاف أن دول الخليج تحتفظ بمستويات «إيجابية» من الثروة في مخزون النفط والغاز لديها، «مما سيوفر مستوى عاليا من الاستقرار المالي طويل الأمد، ويحمل مضامين إيجابية، ليس فقط لقطاع البنوك وحده، بل وللاقتصاد الحقيقي أيضا».

ودعا الدكتور عمر بن سليمان إلى إنشاء سوق أدوات دينٍ إقليمي، مضيفا أن مصارف الشرق الأوسط، ولا سيما نظرا إلى قربها من الأسواق الآسيوية، تمثل الموقع الأمثل للارتباط بشركاء في الصين والهند وآسيا الوسطى ومناطق أخرى بهدف تأمين التمويل الذي من شأنه أن يغذي النمو الجيّد المتوقَّع في الأسواق الناشئة للسنوات القادمة».

وقال نائب رئيس المصرف المركزي الإماراتي إن قطاع البنوك في الشرق الأوسط يتهيأ للنمو مجددا إثر نجاحه في اجتياز الأزمة العالمية بسلام «مستفيدا من الإصلاحات الواسعة التي شهدتها الأسواق الإقليمية والتغيرات الهيكلية العالمية التي منحت المنطقة أفضيلة على غيرها».

الدكتور بن سليمان أوضح أيضا أنه بينما كانت الأنظمة المالية العالمية حول العالم تواجه أزمة خانقة، «نجحت الأسواق والحكومات والجهات التنظيمية والمؤسسات في الشرق الأوسط في التعامل مع هذه الأزمة بمستوى عال من المهنية والكفاءة، حيث نسقت جهودها لتمكين المنطقة من اجتياز الاختبار الأصعب على الإطلاق لأنظمتها وهيكلياتها المالية والاقتصادية. وقد عززت هذه التجربة قدرة المنطقة على وضع سياسات أكثر تطورا وإيجاد أدوات أكثر فاعلية للسياسات النقدية».

وأشار بن سليمان إلى أن من أبرز العوامل الأخرى التي مكنت المنطقة من اجتياز الأزمة العالمية وضمنت استقرار نظامها، الأهمية المتنامية للخدمات المالية الإسلامية في القطاع المصرفي المحلي، «وسياسات الإقراض والاستثمار الرشيدة عموما لدى البنوك، والإصلاحات العديدة في أسواق المال، فضلا عن القرارات الحكيمة التي تم اتخاذها في أوج الأزمة».

وأضاف: «لقد شكلت الأزمة منعطفا حاسما في تاريخ المصارف المركزية وصانعي السياسات الحكومية في منطقة الخليج على صعيد تطوير محفظة أدواتهم النقدية والمالية، فقد اقتضت ظروف السوق العالمية والإقليمية تدخلا حكوميا قويا في الأسواق المحلية بهدف تعزيز الدعم الائتماني والمالي والسيولة».

ولفت الدكتور عمر بن سليمان إلى أن البنوك الإقليمية سوف تستفيد من انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي إلى الشرق، حيث بدأ هذا المنحى في الظهور منذ عقدين وشهد تسارعا كبيرا بفعل الأزمة العالمية. وقال: «في الواقع، أصبحت الأسواق الناشئة تتولى قيادة نمو الاقتصاد العالمي بشكل رئيسي منذ عام 2000، إذ بلغت نسبة مساهمتها في نمو الاقتصاد والتجارة العالميين 60% على مدى الأعوام الستة الماضية. ومن شأن الدور الذي تلعبه الصين والهند في إخراج الاقتصاد العالمي من هذه الأزمة أن يعزز هذا التوجه بصورة أوضح». وفي ما يتعلق بدبي وقدرتها على تعزيز موقعها الاقتصادي، قال إن هذا المنحى تجلى في دبي على شكل زيادة ملموسة في عدد الشركات الآسيوية الطامحة إلى الحصول على ترخيص للعمل انطلاقا من «مركز دبي المالي العالمي»، مضيفا: «تتمتع بنوك الشرق الأوسط بعلاقة متينة مع الأسواق الآسيوية، مما يضعها في موقع نموذجي للارتباط بشركاء من الصين، والهند، ووسط آسيا، وغيرها من المناطق، وتزويدهم بالتمويل اللازم لحفز النمو القوي المتوقع للأسواق الناشئة خلال الأعوام القادمة».

وفي شأن الدفعة الثانية من السندات السيادية التي يتوقع أن تصدرها دبي الشهر الجاري، توقع محافظ مركز دبي المالي العالمي إقبالا كبيرا من قبل القطاع الخاص على الاكتتاب بسندات بقيمة 10 مليارات دولار، متوقعا أن تصدرها حكومة إمارة دبي خلال الشهر الجاري، وتأتي ضمن الدفعة الثانية من برنامج سندات سيادي أصدرته دبي مطلع هذا العام، بقيمة عشرين مليار دولار.

وقال عمر بن سليمان إنه من المتوقع أن يهتم القطاع الخاص بالدفعة الثانية، مؤكدا في الوقت ذاته أن الأسوأ قد انقضى بالنسبة إلى دبي. مضيفا أن القطاع الخاص سيقبل على السندات وأنها تمثل فرصة جيدة لكل الأطراف. وبن سليمان عضو في اللجنة المالية العليا المؤلفة من خمسة أعضاء، وتتحمل مسؤولية الإشراف على السياسات المالية بالإمارة فضلا عن صندوق دعم شكل لإدارة حصيلة برنامج سندات سيادية حجمه 20 مليار دولار.

وطرحت دبي برنامجا لإصدار سندات بقيمة 20 مليار دولار في فبراير (شباط) من العام الجاري، في خطوة لمساعدة الشركات الحكومية. واكتتب المصرف المركزي الإماراتي بكامل قيمة الدفعة الأولى وقيمتها عشرة مليارات دولار.

وفي الأسبوع الماضي قال محمد العبار رئيس شركة «إعمار» العقارية وعضو المجلس التنفيذي لإمارة دبي، إن الدفعة الثانية من هذه السندات قد تُطرح هذا الشهر.