أميركا تعلن عجزا ماليا قياسيا في 2009.. ولا تحسن متوقعا في 2010

مخاوف أوروبية من تأثير ضعف الدولار على الانتعاش الاقتصادي

الدولار بين حسابات الربح والخسارة أميركيا وأوروبيا («الشرق الأوسط»)
TT

سجلت الولايات المتحدة كما هو متوقع عجزا ماليا قياسيا في 2008ـ2009، لكن الوقت لم يحن بعد لخفض النفقات على الرغم من الإرادة المعلنة في واشنطن لإعادة التوازن إلى المالية العامة.

وبلغ العجز المالي في الدولة الفيدرالية 1417 مليار دولار، أي نحو 10% من إجمالي الناتج الداخلي لمجمل العام المالي المنتهي في سبتمبر (أيلول)، بحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الخزانة أول من أمس الجمعة.

ولم يلق العجز المالي على الإطلاق بهذا الثقل على إجمالي الناتج الداخلي في الولايات المتحدة من نصف قرن (24.8% من إجمالي الناتج الداخلي).

إلا أن العجز المالي للفترة 2008-2009 انتهى أخيرا «أدنى من توقعاتنا، وذلك في جزء منه لأننا في صدد إنجاح إصلاح النظام المالي بأدنى كلفة على المكلفين»، كما كتب وزير الخزانة تيموثي غايتنر في بيان.

وبحسب أرقام وزارة الخزانة، فإن السحوبات الصافية التي تمت من خطة إنقاذ النظام المالي التي نشرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، كانت أدنى من التوقعات.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية تبين أن خطة إنقاذ هيئتي التمويل العقاري «فاني ماي» و«فريدي ماك» المعلنة في سبتمبر (أيلول) 2008، اقل كلفة مما كان متوقعا.

ومولت الولايات المتحدة عجزها عبر الاستدانة بشكل كبير، لكن ذلك حصل في ظروف مشجعة بفعل ضعف الفوائد: فالفوائد التي سددتها الدولة على الدين العام بلغت 383 مليار دولار، أي نحو 15% أقل مما كانت أثناء السنة المالية السابقة.

وفي نهاية السنة المالية، تجاوز الدين العام للولايات المتحدة 11900 مليار دولار.

وكرر غايتنر إعلان رغبة الحكومة بجعل العجز عند «مستويات قابلة للاحتمال كلما تحسن الاقتصاد».

لكن ذلك لن يحصل على الفور. وبالفعل، فبينما بدا التحسن يظهر منذ الصيف، كرر غايتنر القول انه سيكون من الجنون وقف دعم الاقتصاد قبل أن يستقر النمو فعلا.

ومن أصل 787 مليار دولار الواردة في خطة النهوض الاقتصادي التي صدرت في فبراير (شباط) على مدى ثلاثة أعوام، فإن 113 مليارا فقط أنفقت خلال السنة المالية المنصرمة.

ويتوقع مكتب الموازنة في البيت الأبيض من جهة أخرى عجزا ماليا قياسيا جديدا يبلغ 1502 مليار دولار للعام المالي الذي بدأ للتو.

وفي معرض اعتباره أن الوضع الحالي هو «نتيجة» سياسة جورج بوش، رأى تشارلز فانت كبير الاقتصاديين في لجنة الموازنة في مجلس النواب، انه ينبغي أن لا نسعى وراء خفض العجز «قبل أن يتحسن الاقتصاد بشكل كامل».

وكان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي ترك البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، ورث موازنة مع فائض مالي لدى وصوله إلى السلطة في يناير (كانون الثاني) 2001. لكن الدولة الفيدرالية عادت إلى العجز اعتبارا من 2002.

واعتبر الكونغرس في أغسطس (آب) أن الكلفة المالية للعمليات العسكرية المرتبطة بحربي (أفغانستان والعراق) اللتين شنهما، تصل إلى قرابة 850 مليار دولار منذ 2001.

من جهة أخرى تجد بلدان منطقة اليورو نفسها من جديد في فخ الدولار الضعيف الذي يخدم مصالح إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما غير أنه يحد من فرص الانتعاش الاقتصادي الضعيف أصلا في أوروبا، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. واقترب سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة هذا الأسبوع من 1.50 دولار، وبلغ الخميس 1.4968 دولار، وهو أعلى مستوى له خلال 14 شهرا أمام الدولار.

وبعد أن ارتفع سعر صرفه نهاية 2008 مع الأزمة بفضل وضعه كعملة ملاذ، عاد الدولار طوال هذا العام إلى التراجع ما سمح لسعر صرف اليورو بالارتفاع بنسبة 18 في المائة في مقابل الدولار منذ بداية مارس (آذار).

وقالت فيرونيك ريش ـ فلورس الخبيرة الاقتصادية لدى مصرف «سوسيتيه جنرال» إن هذا التوجه «يحظى بفرص كبيرة للاستمرار».

وأوضحت أن ضعف سعر صرف الدولار يعود إلى تفاؤل المستثمرين إزاء الوضع الاقتصادي الذي يدفعهم إلى اللجوء إلى عملات أكثر مردودية، لكن أيضا لأسباب عميقة، مثل إعادة النظر في فوائد الاقتصاد الأميركي.

وأعرب المسؤولون في منطقة اليورو عن قلقهم لهذه التطورات.

وندد رئيس البنك المركزي الأوروبي جان ـ كلود تريشيه مجددا الخميس بآثار تقلبات قوية في أسعار الصرف، ووصف ذلك بأنه «عدو» النشاط الاقتصادي.

وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ جان ـ كلود يونكر من جهته انه «سعيد جدا» لسماعه بأن الإدارة الأميركية تكرر القول «إن الدولار القوي يخدم مصلحة اقتصاد» الولايات المتحدة.

وما انفك الأوروبيون يحثون الأميركيين على عدم السماح بتراجع الدولار، لكن من دون جدوى.

وتفادى وزير الخزانة الأميركي ثيموتي غايتنر بعناية الخميس الرد على صحافية سألته عما ستقوم به حكومته لمنع تراجع سعر صرف الدولار.

وهذا من شانه أن يغذي مجددا شكوك الجانب الأوروبي في أن ضعف الدولار يناسب الولايات المتحدة. وبالفعل، فإن ذلك يخدم مصالح الاقتصاد الأميركي عبر دعم الصادرات الوطنية التي أصبحت أقل ثمنا مما يشكل بالتالي عامل انتعاش اقتصادي بعد الانكماش.

وفي المقابل، ينطوي ارتفاع سعر صرف العملة الأوروبية في منطقة اليورو على مخاطر تنذر بمعاقبة الصادرات وخنق البداية المتواضعة للانتعاش الاقتصادي.

وتتوقع المفوضية الأوروبية حتى الآن الخروج من الانكماش في الفصل الثالث من العام في منطقة اليورو، غير أن الشكوك تزايدت حيال ذلك. وقال يونكر إنه في حال تواصل ارتفاع سعر صرف اليورو «فإن ذلك قد ينذر بإبطاء وتيرة الانتعاش الاقتصادي في أوروبا».

ويؤيد خبراء اقتصاديون هذا الرأي.

وقال ماهر دراج الخبير الاقتصادي لدى شركة كاليون، إن ارتفاع اليورو «ستكون له آثار سيئة على الاقتصاد الذي لا يزال في المراحل الأولى من الانتعاش».

ويضغط هذا الوضع على أداء البلدان الأكثر تصديرا تقليديا مثل ألمانيا.

بيد أن وزير الاقتصاد الألماني كارل ـ تيودور زو غيتنبرغ يرى أن ضعف الدولار مقابل اليورو ليس «مدعاة قلق» حيال تنافسية الصادرات الألمانية.

وبحسب فيرونيك ريش ـ فلورس، فإن التأثير قد يكون «معتدلا» على المدى القصير على الاقتصاد الأوروبي لأن نمو الصادرات لا يزال ضعيفا. لكن «على المدى الطويل، سيطرح هذا الأمر مشكلة كبيرة» خصوصا في ألمانيا، كما قالت.

والعزاء الوحيد هو أن ضعف الدولار يقلص على الأمد القصير من ثمن المواد الأولية التي تستوردها أوروبا ويعوض بالتالي ارتفاع سعر برميل النفط.