تعاملات مقصورة بورصة نيويورك تتقلص لحساب الصناديق المخفية

36% فقط من تعاملات الأسهم تجري داخلها والصناديق تتيح للمحترفين صفقات ضخمة سريعة وبسرية

جانب من تداولات بورصة نيويورك (أ.ب)
TT

منذ أن تم تأسيسها قبل 217 عاما أسفل شجرة الدلب في وول ستريت، أصبحت بورصة نيويورك للأوراق المالية أكبر رموز الرأسمالية الأميركية.

وكان مديرو حسابات العملاء يصدرون ضوضاء صاخبة خلف الواجهة ذات الطراز الإغريقي الروماني خلال ملاحقتهم للدولار. وسواء كانت أوقاتا طيبة أو عصيبة، فإن الضجيج اليومي في مقصورة المعاملات اليومية للبورصة هو ما جعل من بورصة نيويورك أفضل سوق للأسهم في العالم.

ولكن الآن، وعلى الرغم من حدوث نشاط حقيقي ـ بعد أن تجاوز مؤشر داو جونز الصناعي 10 آلاف لأول مرة منذ الأزمة العالمية، فإن بورصة نيويورك وكذلك المدينة تواجهان حقيقة مزعجة: فبورصة نيويورك، الرمز الأساسي لصناعة المال والأعمال في نيويورك، تتقلص. وذلك حيث قام خصومها الذين يعملون بدون كلل بتفتيت سوقها وخلق أسواق خاصة تمنح البنوك وصناديق الاستثمار الكبرى الفرصة على حساب المستثمرين الصغار.

ومن جهة أخرى، فإن الكثير من المعاملات التجارية الجديدة أو كما يطلق عليها رجال المال الصناديق السوداء أو الصناديق المخفية ليست خفية حتى على منظمي سوق المال. يذكر أن تلك الصناديق الخفية تمكن التجار المحترفين من بيع وشراء كميات ضخمة من الأسهم في سرية وبسرعة، وهي الممارسات التي دفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى التدخل للفحص والتدقيق.

ولا يوجد أوجه شبه بين هؤلاء التجار المحدثين والتجار المحنكين ذوي التقاليد ببورصة نيويورك، التي تحاول حاليا أن تتحول إلى مؤسسة هادفة للربح بعد قرون من خضوعها لملكية الأعضاء المميزين، حيث تعرضت الشركة الأم «بورصة نيويورك يورونيكست» إلى خسارة 740 مليون دولار أميركي خلال العام الماضي.

وطوال الوقت كانت أحكام وول ستريت سريعة وقاسية، فمنذ يناير (كانون الثاني) 2007، فقد متوسط سعر السهم في بورصة نيويورك يورونيكست نحو ثلاثة أرباع قيمته، وذلك على الرغم من ارتفاع معاملات البورصة بشكل عام. وعلى الرغم من معاناة البورصة منذ بداية العقد، فإن معدل تهاويها في السنوات الأخيرة قد تسارع في ظل ظهور منافسين شرسين؛ حيث يتم اليوم تنفيذ نحو 36 في المائة من المعاملات اليومية للأسهم المدرجة ببورصة نيويورك فقط داخل البورصة، وهو معدل منخفض عن نسبة الـ75 في المائة، التي كانت تحققها البورصة قبل أربع سنوات فقط. أما بقية تلك المعاملات، فيتم تنفيذها خارج البورصة من خلال بورصات إلكترونية حديثة أو من خلال الصناديق المخفية.

لم تكن بورصة نيويورك بورصة مثالية، فقد كان السماسرة المعتمدون في البورصة، الذين يحتلون موقعا متميزا بين البائعين والمشترين، يثرون أنفسهم على حساب العملاء، كما أن التغيرات التي طرأت على القاعة الرئيسية للبورصة أصبحت مروعة. فلعقود طويلة، كانت بورصة نيويورك هي المكان الذي يصطحب فيه الآباء أطفالهم إلى داخل المقصورة. ولكن نصف الوظائف هناك قد اختفى خلال السنوات الخمس الماضية، وأصبح العاملون بالبورصة الذين يصل عددهم إلى ما يقارب 1200 يتراجعون بهدوء إلى كومبيوتراتهم مباشرة بعد أن يدق جرس بدء المعاملات في 9:30 صباحا. وقد اضطرت بورصة نيويورك إلى إغلاق أحد مقصوراتها الخمس، وعملت على تنشيط مقصورتين أخريين من خلال البورصة الأميركية للأوراق المالية، التي اشترتها بورصة نيويورك يورونيكست العام الماضي. ويمكن أن تصبح المقصورة الرئيسية المقصورة المزخرفة التي افتتحت في 1903 ليس أكثر من مجرد خلفية ملونة لمحطة الـ«سي إن بي سي».

وفي السياق نفسه، يقول بن ستيل من مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك: «لم تكن البورصة جميلة. ولكن كل البورصات العريقة في العالم بأكمله تعاني الظاهرة نفسها ولكن بورصة نيويورك هي التي تلقت النصيب الأكبر من الانتقادات».

ويعد ذلك خسارة كبيرة لبورصة نيويورك، وللمدينة كذلك، فالحي الذي كان كانت في وقت من الأوقات عاصمة العاصمة المالية، يجاهد حاليا كي يستعيد هيمنته في الوقت الذي تتجه فيه تلك الصناعة نحو العولمة، فلم تعد «وول ستريت» مجرد مكان بل أصبحت شبكة من المال والمعلومات.

ومن جهتها، تقول بورصة نيويورك، إنها صامدة وإن حواسبها وتجار البورصة لديها قادرون على التغلب على المنافسين الجدد. كما قامت البورصة بإلغاء العمولات واتخذت إجراءات لإنشاء بورصة إلكترونية تابعة لها تماما باسم «أركا» في شيكاغو. بالإضافة إلى أن «أركا» قد استحوذت على نحو 11 في المائة من السوق للأسهم المدرجة على بورصة نيويورك، وأصبحت تستحوذ على نصيب كبير من معاملات المتاجرة المشتقة.

يقول لورانس ليبويتز رئيس أسواق الولايات المتحدة والتكنولوجيا العالمية ببورصة نيويورك يورونيكست: «إن ما يحدث هنا هو تجديد شامل. فكيف تساعد تلك المؤسسة على التطور الذي يمكنها من دخول القرن الحادي والعشرين».

ومن جهة أخرى، يؤكد أنصار البورصة الجديدة وأنظمة المعاملات التجارية الخاصة أن الأشخاص العاديين يستفيدون من التكنولوجيا الجديدة سواء كانوا يعرفون ذلك أم لا.

ويقول ويليام أو براين الرئيس التنفيذي لأحد البورصات الجديدة دايركت إيدج: «لقد أفادت المنافسة المستثمر العادي. فقد أصبح أمام السماسرة الكثير من الاختيارات، سواء داخل البورصة أو خارجها أو في أي مكان في العالم، كما أنهم أصبحوا قادرين على تنفيذ الطلبات في أقل من ثانية».

ومن جهة أخرى، يؤكد المعارضون أن المساهمين الكبار هم فقط المستفيدون، لأنهم قادرون على تنفيذ معاملاتهم التجارية قبل ثواني من صغار المستثمرين، وفي الوقت نفسه يستطيعون تنفيذ تلك المعاملات في سرية.

ومن جهته، يقول جوزيف سالوزي سمسار الأسهم العادية نيابة عن المؤسسات وصناديق التحوط وصاحب مكتب السمسرة «ثيميس تريدينغ»: «هناك أدوات الآن يستطيع بعض المستثمرين الاستفادة منها أكثر من غيرهم».

وقد بدأت لجنة الأوراق المالية والبورصات في فحص مثل تلك الشكاوى وفتحت تحقيقات حول نوعية المعاملات التجارية السرية الجديدة، والإجراءات التي يمكنها اتخاذها. فعلى سبيل المثال، تخشى اللجنة من أن تهز الصناديق المخفية أو السوداء ـ أخذا في الاعتبار أن نطاق عملها غير معروف ـ استقرار السوق.

وعلى عكس بورصة نيويورك، فإن البورصات الإلكترونية الجديدة غير معروفة خارج الدوائر المالية. يذكر أن كبرى تلك البورصات «دايركت إيدج» الجديدة تقع في مدينة جيرسي، بينما تقع بورصة «باتس» في لينيكسا بكانساس. وكلاهما تم تأسيسه من خمسة أعوام فقط، ولكن رغم ذلك احتلت كلا منهما المركز العاشر ضمن المعاملات اليومية للبورصة بالولايات المتحدة.

وفي معركتها من أجل البقاء، تعمل بورصة نيويورك حاليا على تأسيس مركز جديد للبيانات في نيوجيرسي وآخر خارج لندن. كما يتم حاليا تجديد المقصورة الرئيسية، في محاولة لاجتذاب المعاملات التجارية مرة أخرى إلى داخل البورصة. بل وأنهم يقيمون كافتيريا جديدة «أوتيكس».

وعلى الرغم من ذلك فما زال العالم يراقب ما الذي يمكن أن يحدث في بورصة نيويورك للأوراق المالية، حيث تقوم حاليا نحو عشرين شبكة تلفزيونية بالبث الحي من داخل البورصة بتسع لغات.

ولكن بغض النظر عن الاتجاه الذي سيتخذه السوق بعد ذلك، يرى الكثير أن الطريق سيكون صعبا بالنسبة لبورصة نيويورك، نظرا لأنه ليس من المرجح أن تنخفض حدة المنافسة. فيقول سانغ لي من شركة الاستشارات للخدمات المالية «أيت»: «لقد كان هناك تحول هائل. وأنا لا أحسد البورصات على كل ما يجب عليها عمله».

* خدمة «نيويورك تايمز»