إنفلونزا الخنازير.. الفلوس خراب النفوس!

سعود الأحمد

TT

أحيانا كثيرة.. عندما تحصل حوادث بيئية أو كوارث طبيعية أو حروب، ينشغل الساسة والعامة (بدفع من وسائل الإعلام) بالأمر ويتناسون الأمور المالية. مع أن أي قرار له تكاليف وتضحيات مالية.. يستفيد منها أناس ينتهزون الفرصة للكسب والثراء على حساب المصلحة العامة! والإعلام (كما هو في أي مجتمع) مع من يحقق له أكبر عائد. ولذلك نجد الحملات والتغطيات الإعلامية في الاتجاه الذي يخدم الإعلان والمعلن، وكل ذلك سعيا للكسب المادي.. و«الفلوس خراب النفوس». هذا.. مع أن معظم الدراسات الطبية المتخصصة المستقلة تفيد بأن الهالة الإعلامية التي واكبت الإعلان عن وباء إنفلونزا الخنازير مبالغ فيها! والذي يقف خلف هذا التهويل عبر وسائل الإعلام المختلفة هم (بلا أدنى شك) تجار الأدوية والمستحضرات الطبية والمعقمات والمطهرات الصحية والشركات المسوقة والموزعة والمصدرة والمستوردة لهذه المواد الطبية... رافعة شعار «صحتك أغلى ما في الوجود»! وتذكرني حمى «إنفلونزا الخنازير» ما حصل في أثناء حرب تحرير الكويت، عندما صدر معيار محاسبي أميركي يسمح بتقييم بعض التكاليف كإيرادات. حيث كانت هناك مصانع قد رصدت في ميزانياتها ملايين الدولارات مخصصة لإتلاف بعض المعدات الحربية المتقادمة. وبعد أن حمي وطيس معركة «عاصفة الصحراء»، وجد قادة القادة العسكريون أن هذه المعدات يجب أن تشترى (والقرار طبعا بيد القادة العسكريين). وبناء عليه تم تقييم هذه المعدات بمبالغ ضخت في بنود صافي الأرباح في قوائم الدخل لهذه المصانع، وتغير معها مبدأ تقييم هذه المعدات من عناصر تكلفة إلى عناصر إيرادات. وحتى يمكن مقارنة القوائم المالية لهذه المصانع فيما بينها وفيما بين الفترات، صدر معيار أميركي (في صورة استفسار محاسبي) وترتب على ذلك تغيير أساس تقييم هذه المعدات.. وبالمناسبة كان لحرب تحرير الكويت دور كبير في إنقاذ الاقتصاد الأميركي الذي كان يترنح آنذاك! وقبل عامين لعلنا نتذكر وباء إنفلونزا الطيور، يوم أن مشطت فرق صحة البيئة البلاد لإعدام الحمام والطيور والدجاج والعصافير... ثم دفعت الحكومة تعويضات بمئات الملايين لأصحابها... وكما يقال: «مصائب قوم عند قوم فوائد». وفي أثناء حملات التهويل أتذكر أن رئيس وزراء أستراليا ظهر على شاشة التلفزيون ليؤكد أن الخوف (فقط) يأتي من لحوم الدواجن النيئة، أما المطبوخ أو المشوي فليس منه خطورة، حتى لو كانت مصابة بإنفلونزا الطيور. وقام الرجل أمام المشاهدين بأكل دجاجة مشوية مصابة بالإنفلونزا، ليثبت ذلك.

وفي الرياض (قبل عقدين من الزمن تقريبا) كانت مصافي مياه الصرف الصحي قد أثير حولها شكوك بأنها ملوثة وأنها غير صالحة للشرب! فقام وقتها أكبر موظف مسؤول عن التحلية وشرب الماء من حنفية التحلية ليؤكد أنها صالحة للشرب.

اليوم جاء من يخوفنا من حمى إنفلونزا الخنازير ويبتز العالم بأسره، عبر مختلف وسائل الإعلام. في ظل غياب المبادئ والأسس التي تحكم ما يجب أن ينشر عبر هذه البوابات الإعلامية. وبأسلوب ماكر، يتم التركيز على حالات الوفيات (فقط).. ومع أن معظم الحالات التي توفيت بسبب الإصابة بهذا الوباء، كان أصحابها يعانون من مضاعفات أخرى! ويتناسون أن العالم بشرقه وغربه مر عليه خريف وشتاء بعد ظهور هذا الوباء ولم يحصل ما يحذرون منه! إلا أنهم يدقون ناقوس الخطر على الوتر الحساس وهو صحة أطفالنا وتحذيرهم من الذهاب إلى المدارس، حفاظا على حياتهم! ويحذرون العالم من العمرة وتزاحم المشاعر المقدسة عند أداء العمرة وفريضة الحج. فلماذا لم تؤجل الدراسة بالدول المتقدمة مدارسها وتغلق مطاراتها؟ وهي التي صنعت الدواء منه! وأين كانت مخاطر العدوى التي يحذرون منها، يوم أن وقف أكثر من ثلاثة ملايين معتمر ومعتكف في العشر الأواخر بالمسجد الحرام، ويوم أن أدوا صلاة الجمعة في الثامن من رمضان الماضي؟!.. وبنقل مباشر من أكثر من 400 قناة فضائية (عربية وإسلامية وعالمية)! وأين مخاطر العدوى من تجمع مئات الآلاف من البشر في سوق البطحاء (بالرياض) في عطلة نهاية كل أسبوع؟! وأخيرا.. كفى متاجرة وابتزازا يا شركات الأدوية.. فقد فقدتم مصداقيتكم في مهنة شرفها أهم ما فيها!

*كاتب ومحلل مالي