المعلومة.. السلعة الأغلى في وول ستريت ونعمتها قد تتحول إلى نقمة

أكبر صناديق التحوط تحبس أنفاسها بعد توجيه الاتهام للملياردير راجارتنام بتجاوز المسموح للحصول عليها

راجارتنام عقب القبض عليه (رويترز)
TT

تستعين بعض الصناديق الاستثمارية بالأطباء لمعرفة الأدوية الفعالة، بينما يدفع البعض الآخر للفلكيين كي يقدموا لهم تنبؤات بالحالة الجوية التي يمكن أن تؤثر على سعر البترول والقمح. وما زال البعض الآخر يعين المدراء التنفيذيين كي يحصلوا على تقييم داخلي للشركات والصناعات. ولكن حاليا يحبس عدد من أكبر صناديق التحوط بوول ستريت أنفاسه، بعدما وجه المدعي العام للملياردير راج راجارتنام ومدير أحد صناديق التحوط قد تجاوز الحد في ذلك السعي المحموم للحصول على المعلومات.

وذلك حيث وجه المدعي العام الفيدرالي يوم الجمعة الماضي اتهاما للسيد راجارتنام وخمسة آخرون اتهامات بإجراء عمليات تداول على أساس معلومات غير متاحة للغير، وذلك من خلال استخدام معلومات استطاعوا التوصل إليها بشكل غير قانوني من أجل تحقيق أرباح في عمليات التداول على الأسهم. ويقول المدعي العام إن التحقيق ما زال جاريا. ومن جهة أخرى، رفض بعض محامي الدفاع الذين لا يمثلون المتهمين يوم الاثنين التعليق على ذلك التحقيق نظرا لاحتمالية الاستعانة بهم في الدفاع لاحقا.

تقول ليسلي أر كالدويل الرئيس المشارك لقسم جرائم الموظفين بشركة القانون «مورغان، ولويس، وبوكياس» إنه من الصعب إثبات عمليات الإتجار الداخلي التي يتم من خلالها الحصول على معلومات داخلية واستغلالها بشكل غير قانوني. حيث إن الخط الذي يفصل بين عمليات التقصي الشرعية المتعلقة بالشراء والإشاعات والأقاويل المتعلقة بالمعاملات التجارية وبين عمليات الدفع غير الشرعية للحصول على معلومات تتعلق بحركة السوق يمكن أن يكون شديد التعقيد.

وتضيف السيدة كالدويل الرئيس السابق للجنة التقصي التي كانت تحقق في قضايا إنرون: «هناك بعض الحالات الواضحة للإتجار الداخلي حيث من الواضح أن هؤلاء الأشخاص مكلفون بمهمة، وأنهم يستغلون المعلومات بطريقة غير شرعية. وفي إطار سعيهم وراء المال، حيث يكون الواجب ليس بهذه الدرجة من الوضوح، والعلاقات ليست بهذه الدرجة من الوضوح، والدوافع ليست بهذه الدرجة من الوضوح، يمكن أن يصبح الأمر أكثر صعوبة».

وبالفعل، تبدو القضية ضد السيد راجارتنام والمدعي عليهم أكثر تعقيدا من مجرد عملية لتبادل المال في مقابل المعلومات. وتشير القراءة الدقيقة للدعوتين الجنائيتين اللتين تم رفعهما حتى الآن، والدعوى المدنية التي رفعتها لجنة الأسهم والأوراق المالية إلى وجود شبكة كان يقوم من خلالها المدراء التنفيذيون لصناديق التحوط، والمحللون وتنفيذيو الشركات والمستشارين وغيرهم من خارج وول ستريت بتبادل المعلومات، أحيانا في مقابل المال، وأحيانا في مقابل معلومات، وأحيانا في مقابل وعود بالحصول على امتيازات مستقبلية غير محددة.

وجدير بالذكر أن عمليات الإتجار الداخلي التي أشارت إليها الدعوى القضائية لم تحقق جميعها أرباحا، بل إن مجموعة غاليون، صندوق تحوط راجارتنام فقد الملايين من الدولارات خلال عمليات شراء لأسهم شركة تصنيع الشرائح «أدفانسيد مايكرو ديفايسيس» بعد أن نمت إلى علمه معلومات تفيد بأن أبوظبي تخطط للاستثمار في «إيه إم دي»؛ وذلك وفقا للعريضة.

وقد تم الاستثمار بالفعل ولكن أسهم «ايه إم دي» ارتفعت في الفترة بين أغسطس (آب) 2008 ـ عندما بدأت غالوين الشراء ـ وأكتوبر (تشرين الأول) 2008 عندما تم الإعلان عن الصفقة.

وفي حالة أخرى، تلقى السيد راجارتنام معلومات من شاهد لم يتم الإفصاح عن هويته كان يتعاون مع التحقيقات الذي بدأتها الحكومة. ولكن عريضة الدعوى لا تذكر إذا ما كان السيد راجارتنام كان يعرف مصادر المعلومات غير المحدودة التي يقدمها له الشاهد أو إذا ما كان الشاهد يزعم أنه تلقى مالا من السيد راجارتنام في مقابل تلك المعلومات.

وعلى أي حال فإن وجود ذلك الشاهد المتعاون ـ بالإضافة إلى أن المحققين قد أجروا تسجيلات للمكالمات الهاتفية التي أجراها السيد راجارتنام ـ يمنح المحققين ميزة كبيرة في هذه القضية، وفقا للسيد «دايفيد إس رودر» أستاذ القانون بجامعة نورثويسترن والرئيس السابق لإس إي سي. ومن جهة أخرى فإنه ووفقا للسيد رودر ربما تساعد تلك المكالمات في إثبات أن السيد راجارتنام كان يعرف أن تلك المعلومات ذات قيمة وأنه لا يجب أن يستخدمها في عمليات التداول التي يجريها.

فيقول السيد رودر: «ربما تفيد تلك المكالمات في الكشف عن الطريقة التي كان يفكر بها. وتفيد في الكشف عما إذا كان يعرف أن تلك المعلومات تأتي من الداخل؛ حيث إنه إذا ثبت أنه كان يعرف أنها تأتي من الداخل فإنه سيواجه مشكلات كبرى».

وقد حاولت لجنة الأسهم والأوراق المالية أن تكافح عمليات الاتجار الداخلي لعدة عقود اعتمادا على المعلومات والتقارير التي تشير إلى المعاملات التجارية المشبوهة التي تتم في البورصة. وقبل عامين، وضعت اللجنة برنامجا دقيقا لفحص البيانات لكي تتمكن من فحص سجلات المعاملات التجارية والبحث عن أنماط ثابتة لعمليات التداول التي تبدو مربحة بشكل مثير للشكوك داخل البورصة.

وبخلاف التحقيقات التي أجرتها أسواق الأوراق المالية مثل بورصة نيويورك التي كانت تركز على أسهم الأفراد، فإن برنامج لجنة الأسهم والأوراق المالية يستهدف رصد التجار الذين يظهرون بشكل مفاجئ ومتكرر داخل البورصة ويحققون أرباحا على عمليات تداول العديد من الشركات.

وقد استطاعت لجنة الأسهم والأوراق المالية من خلال ذلك البرنامج ضبط بعض القضايا المتعلقة بعمليات الإتجار الداخلي ولكن التحقيق المتعلق بالملياردير راجارتنام لم يكن واحدا من تلك القضايا.

وتضع قوانين الأوراق المالية الفيدرالية قيودا على الحصول على المعلومات؛ فمن غير المسموح للمدراء التنفيذيين إعطاء المستثمرين معلومات لها علاقة بنشاط شركاتهم في السوق. كما أنه على الشركات أن تعلن عن المعلومات الحيوية مثل الأرباح ربع السنوية للجميع في وقت واحد.

كما أن المستثمرين الذين يحاولون إنهاء المعاملات التجارية بأرباح مضمونة من خلال دفع أموال في مقابل الحصول على البيانات الصحافية قبل ساعة من قيام الشركة بنشرها يشاركون في عمليات تجارية غير قانونية.

وهذه هي القوانين التي قال المدعون يوم الجمعة إن السيد راجارتنام وخمسة من المستثمرين والمدراء التنفيذيين قد قاموا بخرقها.