البروفسور محمد يونس لـ «الشرق الأوسط»: الفقراء وحدهم ضحايا الأزمة المالية

حذر من تكرار الأزمة وانتقد الرأسمالية الحالية ووصفها بـ«نادٍ للقمار»

البروفسور محمد يونس (ا.ف.ب)
TT

شدد البروفسور محمد يونس رائد تجربة بنوك الفقراء في العالم والفائز بجائزة نوبل للسلام عام 2006 على أن الفقراء وحدهم المتضرر الأكبر بل والوحيد من الأزمة المالية التي عصفت بالعالم، مطالبا بوضع حلول للأزمة تنبع من السوق وليس من الحكومات وموجها انتقادا لاذعا للرأسمالية الحالية معتبرا أنها مسؤولة عن هذا الانهيار المالي العالمي، بعد أن وصلت عمليات المضاربة في سوق ينقصه التنظيم إلى مستويات كارثية وكأن ما حدث تم في نادٍ للقمار.

وفي حديث سريع لـ «الشرق الأوسط» أدلى به خلال حضوره الأسبوع الماضي في إسطنبول حفل توزيع جائزة «اجفند» العالمية بصفته عضوا في لجنة الجائزة وأحد رواد التنمية العالميين أوضح البروفسور يونس أن الفقراء وحدهم هم المتضرر الأكبر بل والوحيد من الأزمة التي عصفت في العالم عكس الأغنياء الذين تأثر بعضهم سلبا من الأزمة من خلال انخفاض أرصدتهم كرقم في حساباتهم لكنهم لم يتضرروا أبدا ولم يؤد ذلك إلى تأثيرات مباشرة على حياتهم ومعيشتهم باستثناء الضرر الذي طال أسهم يملكونها ربما تتحسن في سنوات قليلة لتعود أرقام أرصدتهم إلى وضعها السابق، أما الفقراء فإنهم وحدهم المتضررون من هذه الأزمة، فرب الأسرة قد يكون فقد كل شيء وربما وظيفته فتأثير ذلك ليس عليه كفرد بل على الأسرة التي يعولها، وقد يكون أحد من أفراد أسرته طاله الضرر بفقده هو الآخر وظيفته ويحتاج إلى عائل وهم ما يضاعف مسؤوليات الفرد الفقير عكس الغني.

وأكد المصرفي البنغالي ذائع الصيت على ضرورة أن يتحرك الأغنياء لإنقاذ الفقراء من تبعات هذه الأزمة التي جعلت العالم كله في وضع غير مستقر مطالبا بضرورة الأخذ في الاعتبار بعدم تكرارها لأن الأزمة لو حدثت ثانية ستكون نتائجها وخيمة للغاية ويصعب علاجها.

وأشار إلى أن هناك فجوات كبيرة في النظام المالي الحالي يحتاج العالم إلى سدها وفق فلسفة ومنطق السوق الحر، حيث إن السوق الحالي لم يعد قادرا على حل تلك المشكلات بنفسه، مما اضطر الناس والمتضررون إلى طلب المساعدة من الحكومات وهي الطريقة الوحيدة والمتاحة للتغلب على الأزمة رغم ما أضاعته من مئات المليارات من الأموال وما اتضح من خطط الإنقاذ التي تمت في الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا.

ووجه البروفسور يونس انتقادا مباشرا وشديدا إلى الرأسمالية الحالية واعتبرها أنها مسؤولة عن الانهيار المالي بعد أن وصلت عمليات المضاربة في سوق ينقصه التنظيم إلى مستويات كارثية وكأنما ما حدث تم في ناد للقمار مطالبا بإيقاف الرغبات الجشعة التي تحصد وتأكل كل شيء، وإنهاء كل دوافع الطمع في الأسواق المالية.

وعاد أبو الفقراء إلى التأكيد على أن الفقراء في مثل هذه الأزمات دائما يدفعون الثمن، وقال في هذا الصدد: «الفقراء وحدهم الأكثر تضررا من مثل هذه الأزمات ودائما يدفعون الثمن في طفرات النمو وما يعقبها من سقوط مدو ومروع» مشددا على أن العالم بحاجة إلى النموذج الاقتصادي الحر الذي يراعي الجوانب الاجتماعية ولا يبالغ في مطاردة الأرباح القياسية.

ورأى يونس الذي اقترن اسمه ببنك «غرامين للفقراء» أنه يتوجب على الدول العودة سريعا إلى آليات السوق التي يمكنها أن تحسن من وضع الأزمة وتحل المشكلات، لافتا في هذا الصدد إلى أن جميع الحلول يجب أن تنبع من السوق وليس من الحكومات.

وحذر يونس من أن تكون الأولويات الرئيسية هي زيادة الأرباح إلى أقصى درجة وتحقيق النمو السريع، معتبرا أن هذا الهدف هو ما أدى إلى الوضع الحالي وخلق هذه الأزمة وهو لب المشكلة، حيث يجب في ظل وجود نمو بشكل غير طبيعي وسرعة إيقافه لأن مثل هذه الفقاعات من النمو تحمل في طياتها مسببات الانفجار الذي يأتي كارثيا كما حصل في الأزمة الحالية، وإذا تكرر ذلك فإن الكارثة ستكون أشد إيلاما ويصعب بل ويستحيل حلها.

واسترجع المصرفي الشهير البدايات والعوامل التي دفعته إلى الانحياز إلى جانب الفقراء وتوج ذلك بطرحه تجربة فريدة هي بنوك الفقراء التي اعترف بها البنك الدولي ومنحه جواز سفر لأكثر من 60 بلدا حول العالم، موضحا أنه نشأ في وسط أسرة كبيرة العدد وميسورة الحال. كان أبوه يعمل صائغا في بنغلاديش، وعلى الرغم من أن حظه من التعليم ـ هو وزوجه ـ لم يكن كبيرا، إلا أنه كان حريصا، على أن ينال أبناؤه التسعة (سبعة أولاد وبنتان) أعلى درجات التعليم. مشيرا إلى أن إحساسه بالفقر والفقراء، يعود الفضل فيه إلى والدته صفية خاتون ـ معلمته الأولى ـ التي كانت شديدة العطف على الفقراء والمساكين ولم تصد يوما سائلا خالي الوفاض قط حيث تعلم منها أن الإنسان مخلوق كامل الأهلية له قيمة ورسالة مهمة يؤديها في هذه الحياة.

وقال «في أثناء دراستي في أميركا نشبت حرب تحرير بنغلاديش من باكستان، وكنت مساندا لها.. وحينما عدت عام 1972، كان الوضع الاقتصادي سيئا للغاية. وفي عام 1974 حدثت المجاعة التي مات جراءها أكثر من المليون ونصف المليون.. في الوقت الذي كنت أقوم فيه بتدريس النظريات الاقتصادية، كان الجوع يمد لسانه ساخرا مني وكان الناس يموتون أمام عيني. لم أعرف كيف أهزم الفقر الذي كان يحيط بي من كل جانب. كان الجوع هو سيد الموقف وكان التحدي في إيجاد الحل. ومن هنا بدأت فكرة نشأة البنك وتطوره، حيث قمت بجولات ميدانية، كنت أجوب خلالها، مع طلابي نواحي قرية غوبرا القريبة من الجامعة خلال الفترة من 1974 إلى 1976، عكفنا على دراسة أحوال الناس البسطاء.. فاستطلعنا أحوالهم في أكثر من 40 قرية، ووجدنا أن ما يحتاجون إليه هو رأس المال. كان الناس يقترضون المال من المرابين بفوائد كبيرة تحرمهم من توفير أي شيء مهما بذلوا من جهد.. أعددت قائمة مبدئية بـ 42 شخصا يحتاجون إلى المساعدة العاجلة وكان المبلغ الذي يحتاجون إليه ليبنوا حياتهم لا يتجاوز 27 ألف دولار، فوفرته لهم من مالي الخاص، وكنت سعيدا.. وفكرت في ربطهم بالبنك للاستفادة أكثر.. رفض البنك بحجة أن الفقراء لا يملكون حق الاقتراض.. من هنا بدأت معركتي مع الفقر.. لم أيأس أو أستسلم وبعد شهور عديدة نجحت محاولاتي في إقناع البنك إعطاءهم قروضا مقابل تقديم نفسي ضامنا لهم».