الصكوك.. استثمارات إسلامية آمنة أم تجارة تحمل مخاطر؟

اجتذبت الأضواء بفضل نموها القوي الذي بلغ 107 مليارات دولار

TT

منذ سنوات تجري هيكلة الصكوك وبيعها باعتبارها سندات إسلامية، إلا أن حالة تخلف عن السداد اجتذبت الأضواء بشدة وأثارت مجددا الجدل حول ما إذا كانت هذه الصكوك هي في حقيقة الأمر مجرد أدوات مثلها مثل الأوراق المالية تعرض المستثمرين لأخطار أفدح.

وبينما تخرج سوق الصكوك من ظلال أزمة الائتمان العالمية، نجد صناعة التمويل الإسلامي التي يبلغ حجمها مليار دولار تكافح لإثبات إلى أي مدى يمكن للصكوك أن تشبه السندات التقليدية، وهي مسألة ستحدد عائدات حاملي السندات، وما إذا كانت هذه الصكوك هي الأولى بسداد قيمتها إذا ما آلت الاستثمارات إلى مصير غير مرغوب.

السؤال إذن هو كيف يرى المستثمرون قدرة الصكوك على التأثير على الطلب لأكثر أدوات التمويل شهرة في الشريعة الإسلامية، والوتيرة التي ستنمو بها صناعة التمويل الإسلامي وسوق الصكوك البالغ حجمها 107 مليارات دولار.

الصكوك بمعناها الحرفي هي شهادات ملكية، ولكنها في الواقع العملي أصبحت تعرف باسم السندات الإسلامية، حيث ينظر إلى حامليها أن لهم دينا يستحقونه من مصدريها.

وبحسب تحليل لـ«روتيرز» جذبت مسألة حقوق حاملي الصكوك الأضواء بعد أن تقدمت شركة الطاقة الأميركية «ايست كاميرون» بطلب لإشهار إفلاسها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2008.

والقضية التي لا تزال تجري أحداثها في أروقة أحد محاكم الإفلاس الأميركية يمكن أن تلقي الضوء على مدى ما يمتلكه حملة الصكوك من إيرادات النفط التي ضمنت إصدار الصكوك، وتبرز الكيفية التي ينبغي أن تتم بها هيكلة الصكوك، بحيث يمكن لحامليها الحصول على أموالهم في حالة إفلاس الجهة المصدرة.

يقول مايكل ماكميلن، الشريك في مؤسسة المحاماة فولبرايت اند جاورسكي التي تدافع عن حقوق حملة صكوك «ايست كاميرون» إن موكليه يدرسون خطة لإعادة التنظيم لم تقدم حتى الآن إلى محكمة الإفلاس.

وقال ماكميلن، «البدائل المطروحة لهذه الخطة تتضمن هدم الهيكل الحالي بحيث يصبح حملة الصكوك حملة أسهم في الشركة صاحبة الدين. وأضاف «نحن نأمل أن تعود الشركة من جديد للعمل في مطلع عام 2010 بعد انتهاء أزمتها الحالية، التي دعتها لإعلان إفلاسها». والجدل القانوني الدائر حول حماية المستثمرين في الصكوك الإسلامية أمر جديد كليا على الساحة، نظرا لأن التمويل الإسلامي لم يجتذب الضوء إلا في السنوات الأخيرة.

ومن المتوقع أن تسهم قضية «ايست كاميرون» وحالات التخلف عن السداد التي وقعت مؤخرا ـ مثل شركة دار الاستثمار الكويتية هذا العام ـ في توفير خطوط استرشادية للسوق التي تشهد بالفعل تفاوتا في المعايير التنظيمية والفقهية في شتى أنحاء العالم.

ويتوقع المحامون حدوث حالات تخلف أخرى عن دفع حقوق حملة الصكوك مع سعي مراكز التمويل الإسلامي التقليدية للخروج من أزمة الكساد العالمي وتباطؤ سوق العقارات. وتعمل دبي ـ إحدى أكثر المناطق تضررا ـ على سداد وإعادة هيكلة جزء من ديونها البالغة 80 مليار دولار.

وقال الشيخ يوسف طلال ديلورينزو، وهو عالم شريعة بارز يقيم بالولايات المتحدة، مشيرا إلى الصكوك على وجه العموم «سيرغب المستثمر الأميركي في أن تصنف الصكوك في المحكمة باعتبارها ديونا وليست أسهما على الرغم من أن ذلك يخالف توصيف الشريعة لها. فإذا صنفت هذه الصكوك على أنها دين فإن الدائنين سيسبقون حملة الأسهم في أولوية الحصول على حقوقهم وتزداد فرصهم في استرداد أموالهم. «وبينما تمضي معاملات الصكوك عبر عملية كاملة تبدأ من إصدار وثائق الملكية إلى حل النزاعات، فإن مستشاري الشريعة والمحامين والقضاة سيكون لهم يد في تحديد ما إذا كانت هذه الأدوات ديونا أم أسهما أم أصولا لها طبيعتها الخاصة.

وقال الشيخ ميجات حسن، رئيس قسم المعاملات المصرفية الإسلامية في مؤسسة زايد إبراهيم اند كو القانونية الماليزية، «من يقول إن الصكوك هي سندات يقدم وصفا غير دقيق. لقد بذل جهد كبير للتأكد من أنها تعمل.. لمثل هذه الأغراض التجارية. على أن هذا شيء لا ينبغي أن يستمر للأبد، لأن المرء يحاول أن يغير سماتها الأساسية لضمان عملها مثل أدوات الدين. «وتقوم هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومقرها البحرين، وهي هيئة بارزة في هذه الصناعة بتعريف الصكوك بأنها وثائق متساوية القيمة، تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات. وهذا التعريف يشير للمستثمرين باعتبارهم مالكين أكثر من كونهم دائنين.

وقد اشتعل فتيل الجدل الأخير حول موقع الصكوك بين أنواع الأصول بعد قرار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في عام 2008، الذي أثار الشكوك حول استخدام تعهدات إعادة الشراء في صكوك تستخدم هياكل المضاربة أو المشاركة. وتنص هذه التعهدات الموجودة في كثير من الصكوك على إعادة شراء الدين بقيمته الاسمية عند الاستحقاق.

وقالت هيئة المحاسبة والمراجعة إن مثل هذا التعهد ينتهك واجب تحمل جزء من المخاطر في عقود المضاربة والمشاركة، وهو رأي قال عنه بعض المحامين إنه يرسم خطا فاصلا بين الصكوك والسندات التقليدية.

وقال بعض المصرفيين إن هذا الرأي الذي اقترن مع بداية أزمة الائتمان العالمية تسبب في تراجع إصدار الصكوك بأكثر من 50 في المائة لتصل إلى 14.9 مليار دولار خلال عام 2008.

وقال مدثر صديقي، وهو محام يقيم بإمارة دبي، إن هذا الرأي استهدف منع التعهد بالشراء بالسعر الاسمي لهذه الصكوك. وكانت هذه التعهدات تضمن فعليا رأسمال المستثمرين وهو ما يرقى بجانب الحصول على العائد إلى ما يتم الحصول عليه من المعاملات البنكية القائمة على الفائدة. وقال صديقي الذي يرأس قسم المعاملات الإسلامية بالشرق الأوسط في شركة «دينتون وايلد سابت»، «يجوز إبرام عقد الشراء المبنى على اتفاق بين أطرافه في زمن الشراء بسعر السوق أو أي أسلوب آخر. « كما أن تطبيق تعريف صارم على الصكوك من شأنه أن يتسبب في التأثير على عائدات المستثمرين. وتمنح الصكوك في الوقت الراهن عوائد تحسب على أساس أسعار الفائدة التقليدية غير أن بعض علماء الدين يعارضون ذلك قائلين إن هذه العوائد يجب أن يتم ربطها بالدخل المتوقع من الأصل الأساسي الذي تتعلق به الصكوك. ويرى بعض المحامين أيضا أن هذه الصيغة ستتسبب في إبعاد مستثمري السندات الذين يبحثون عن دخل ثابت.

وقال محمد إلياس، وهو محام متخصص في المعاملات المصرفية الإسلامية في كوالالمبور، «ستعتبر الصكوك في الوقت الحالي أداة دين لأننا ننظر إلى نوع المستثمر. وأضاف أن «معظم المستثمرين المحتملين في الصكوك هم من النوع الذي يتطلع إلى عائد سنوي وحبذا لو كان عائدا ثابتا».