شفيق الأشقر: مصانع الأسمدة ستتضاعف بحلول 2016.. والسودان واليمن وموريتانيا على خريطة التصنيع قريبا

الأمين العام للاتحاد العربي للأسمدة لـ«الشرق الأوسط»: المنطقة ليست مؤمّنة غذائيا.. والاستثمارات الخاصة عصب التنمية الزراعة

TT

قال الدكتور شفيق الأشقر، الأمين العام للاتحاد العربي للأسمدة إن الحكومات العربية غير مؤمّنة غذائيا، مشيرا إلى أن رأس المال وحده لا يكفي لتنمية القطاع الزراعي، وشدد على أهمية دور الاستثمارات الخاصة في هذا المجال، بما توفره من خبرة وبقدرتها على تجاوز العراقيل البيروقراطية، مشددا على ضرورة وضع استراتيجية عربية موحدة للنهوض بالتنمية الزراعية في الوطن العربي.

ودفع تفاقم مشكلة الأمن الغذائي في الوطن العربي الحكومات العربية لتغيير أولوياتها لتضع التنمية الزراعة على رأس هذه الأولويات، وبدأت بعض الحكومات العربية في أخذ التدابير اللازمة لتحقيق هذه التنمية، كان آخرها ما أعلنه الحزب الوطني الحاكم في مصر، عن وضعه التنمية الزراعية في مصر على قائمة اهتماماته خلال المرحلة المقبلة، بل اعتبرها أول هذه الأولويات.

وكشف الأشقر، في حواره مع «الشرق الأوسط» في القاهرة عن طبيعة الإشكاليات التي تواجه التنمية الزراعية في الوطن العربي، وقال الأشقر إنه على الرغم من اهتمام الدول العربية بالتنمية الصناعية بشكل كبير، فإنها ستبقى منطقة زراعية بشكل أساسي، وستظل الزراعة هي العمود الفقري لاقتصاديتها، وطالب الدول العربية بتغيير استراتيجياتها بحيث تضع على رأس أولوياتها الزراعة، وهو ما يستدعي المحافظة على الرقعة الزراعية، وتنشيطها، ودعم اتجاه استخدام الأسمدة بشكل رشيد وآمن، بحيث يزيد إنتاج الوحدة الواحدة من المزروعات، وأن توحد المؤسسات العربية العاملة في هذا المجال جهودها من أجل الارتقاء بمستوى الزراعة. وفي ما يلي نص الحوار...

* هل الدول العربية مؤمنة غذائيا؟

ـ الأمن الغذائي في الدول العربية مهدد وضعيف جدا، قد لا تتجاوز نسبته 60%، ولا يستطيع رأس المال وحدة أن يؤمن الاحتياجات الغذائية. لذا فإن تطوير الزراعة والتوسع في الاستثمار الزراعي هو السبيل الوحيد للوصول إلى الأمن الغذائي في المنطقة العربية.

* ما هي التحديات التي تواجه الزراعة في الوطن العربي حاليا؟

ـ أكبر التحديات يتمثل في الفصل بين السياسات الزراعية بين كل قطر من أقطار الوطن العربي وبين السياسة العربية الشاملة، وهنا لا بد من الدعوة إلى وضع سياسة عربية شاملة في مجال الزراعة لمواجهة نقص المحاصيل الزراعية، وهناك 60% من المحاصيل الزراعية الأساسية في الوطن العربي يتم استيرادها، ولا توجد استراتيجية عربية لمواجهة هذا النقص، وهناك زحف كبير على المناطق الزراعية في الوطن العربي كله، بالإضافة إلى تراجع استخدام الأراضي بسبب التصحر وزحفه، إلى جانب عدم وجود منظومة لتحديد أسعار المحاصيل الزراعية لتشجيع المزارعين على الزراعة، كما أن موضوع الصراعات في المنطقة العربية، وبخاصة السودان، تمنع من تنمية أراضيها الزراعية.

* هل هناك جهود عربية للارتقاء بمستوى الزراعة؟

ـ نعم، ولكنها جهود متفرقة، تفتقر إلى التنظيم ولا تحكمها رؤية استراتيجية، مما يحول دون إيجاد منظومة واحدة لهذا الارتقاء.

* من وجهة نظرك، ما أهم العوامل التي تساعد على تنشيط الزراعة في الوطن العربي؟

ـ أهم تلك العوامل هي الاستخدام الأمثل للأسمدة، والارتقاء بمنظومة الري، لتوفير المياه، ففي مصر نجد أن 80% من حصتها في مياه النيل يتم استخدامها في الري، وبذلك فإن إدخال أساليب حديثة في الزراعة سيساعد كثيرا في توفير المياه.

* من الملاحظ أن الاستثمارات الزراعية في الوطن العربي حاليا هي استثمارات خاصة وليست حكومية، فهل الاستثمار الخاص يمكن أن يؤمّن الوطن العربي غذائيا؟

ـ أنا مع الاستثمار بكل أشكاله، فالاستثمار يعني توفر ثلاثة عناصر رئيسية؛ رأس المال، والإدارة، والخبرة، ثم الأرض والمياه.. ففي السودان توجد الأرض والمياه، ولكن لا تستطيع الدولة أن تقوم باستثمارات زراعية، لذلك فإن القطاع الخاص مؤثر بشكل كبير في هذا المجال بما يوفره من رأس مال وخبرة، لا توفرها الحكومات، كما أن الخبرة في القطاع الخاص هي خبرات دولية متقدمة، تعمل دون عوائق بيروقراطية، ولكنني أدعو كل الدول العربية دفع القطاع الخاص للاستثمار في مجال التنمية الزراعية بشكل منهجي.

* تحديد أسعار توريد السلع الاستراتيجية هل يشكل حلا أم تهديدا للتنمية الزراعية؟

ـ بالدرجة الأولى، عندما يقوم المزارع بالتفكير في أي المحاصيل سيزرعها، فهو يبحث عن العائد في البداية، وبالتالي فإن لم يجد العائد مجزيا سينصرف عن زراعته، لذلك فإن تحديد سعر التوريد، طريق جيد لتشجيع صناعة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، فإذا كان هناك اتجاه عربي موحد لتحديد أسعار توريد المحاصيل الزراعية قبل زراعتها سواء للأفراد أو الشركات، فإن هذا سيعمل على توفير مخزون جيد من المحاصيل الزراعية الأساسية والاستراتيجية. كما أنها ستقلل من اتجاه المزارعين نحو المحاصيل الزراعية سريعة النمو.

* هل يوجد استخدام أمثل للأسمدة في الدول العربية؟

ـ بالطبع لا، فمستوى استخدام الأسمدة في أفريقيا مثلا، لا يتجاوز 12 كيلوغراما في الهكتار، مقارنة بالمستوى العالمي المحدد عند 48 كيلوغراما في الهكتار الواحد، وهو ما يؤدي إلى تدني إنتاج الأراضي المزروعة.

* هل هذا يعني أن هناك عدم وعي باستخدام الأسمدة؟

ـ هناك تدنٍ معرفي للمزارع العربي بأهمية استخدام الأسمدة بجميع أشكالها، واستخدامها بطريقة رشيدة.

* وما التدابير التي اتخذها الاتحاد لمواجهة ذلك؟

ـ هناك تعاون بين الاتحاد العربي للأسمدة ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية أثمر عن إصدار دليل استخدام للأسمدة في المنطقة العربية مستندا إلى دراسات واقعية لطبيعة الأراضي الزراعية والمياه والطقس، وذلك بهدف وضع سياسات وإجراءات واضحة وزيادة الجانب التثقيفي للمزارع.

* البعض يقول إن الأسمدة تزيد من الإنتاج، ولكنها تقلل من جودة المحاصيل؟

ـ الأسمدة وظيفتها توفير العناصر الأساسية للنبات لكي يعطي إنتاجا أفضل، ولا أبالغ إذا قلت إن ما يقارب من 70% من إجمالي إنتاج المحاصيل الغذائية الاستراتيجية مثل القمح أو الأرز أو الذرة، بالإضافة إلى الخضراوات والفواكه، لم يكن من الممكن توافرها لولا استخدام الأسمدة الكيماوية التي توفر العناصر الغذائية الأساسية للتربة لتعويضها عن النقص نتيجة الدورات الزراعية المتعاقبة وتدني المساحات المزروعة بسبب الزحف السكاني وتراجع معدلات الأمطار السنوية والكوارث الطبيعية.

* ما هي الميزة التنافسية للدول العربية في صناعة الأسمدة؟

ـ المخزون الكبير من المواد الخام في المنطقة العربية يشكل عصب صناعة الأسمدة، حيث يوجد في المنطقة 70% من الاحتياطي العالمي من صخر الفوسفات، كذلك يوجد 30% من المخزون العالمي من الغاز الطبيعي، هذا بالإضافة إلى وجود «البوتاس» في منطقة وحيدة في الوطن العربي هو البحر الميت.

بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز وسهولة وصول المنتجات إلى الأسواق العالمية، شرق وغرب قناة السويس. بالإضافة إلى الحوافز الجاذبة للاستثمار في المنطقة، إلى جانب الظروف الملائمة والاستقرار الاقتصادي والأمني.

هذا إلى جانب وجود سوق متنامية لصناعة واستخدام الأسمدة من خلال الأراضي المتاحة للزراعة في بعض البلدان العربية.

* هل توجد سياسة تكاملية بين الدول العربية لتوفير مختلف الأسمدة؟

ـ هناك إمكانية كبيرة جدا بين الدول العربية لتحقيق التكامل والتنسيق الصناعي لصناعة الأسمدة في ما بينها، تدل الإحصائيات على أن التجارة البينية بين الدول العربية الأعضاء في المنظمة لا تتجاوز 5%، ونعمل على دفع زيادة نسبة التبادلية في مجال الأسمدة وخاماتها، وتشجيع الشركات الأعضاء للسير في هذا الاتجاه لتوفر المواد الأولية والوسيطة ضمن منظومة الأعضاء.

* من الملاحظ أن هناك تباطؤا في الطلب على الأسمدة في العالم كله، هل سيستمر هذا التباطؤ؟

بالفعل كان هناك تباطؤ في الطلب على الأسمدة في التسعة أشهر الأولى من عام 2009 لعدد من الأسباب تقف في مقدمتها إحجام المؤسسات البنكية عن تمويل الشحنات وتقديم التسهيلات المالية اللازمة، وبالتالي عدم تيقن المزارعين بالمستوى الذي ستصل إليه أسعار المنتجات الزراعية، ولكن جميع الشواهد تدل على أنه ابتداء من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي كان هناك طلب تنامٍ ملحوظ وتحرك في أسعار الأسمدة بشكل عام، وإن كانت المؤشرات تدل على أن التعافي الحقيقي سيكون خلال عام 2010 وما يليه، حيث لا مفر من ارتفاع الطلب على الأسمدة في ظل وصول الفقر والمجاعة بالعالم إلى أرقام قياسية متجاوزة مليار جائع، كما تؤكده تقارير منظمة الأغذية والزراعية الدولية (FAO)، وتراجع المساحات الزراعية والتصحر والزحف السكاني، وكذلك هجر الزراعة في كثير من بلدان العالم الثالث كنتيجة مباشرة للحروب والصراعات وتراجع معدلات الأمطار والجفاف الذي يهدد أقطارا كثيرة بالعالم.

* وهل يعني ذلك أننا سنشهد طلبا متزايدا على الأسمدة خلال السنوات المقبلة؟

ـ نعم هناك طلب متنامٍ على الأسمدة سيستمر خلال السنوات القادمة بمعدل نمو سنوي يصل ما بين 2.5% إلى 3.5% إذا ما ظلت التوجهات قائمة لإنتاج الوقود الحيوي (الإيثانول والبيوديزل) باستخدام المحاصيل الزراعية، وزيادة الرقعة الزراعية المتاحة في أميركا الشمالية والجهود المتمثلة في رفع نسب استخدام الأسمدة في أفريقيا من معدلاتها الحالية لتصل إلى المستوى العالمي المحدد عند 48 كيلوغراما في الهكتار الواحد.

* وهل هناك تحرك من قبل شركات الأسمدة العربية لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب؟

ـ هناك محاولة من قبل شركات الأسمدة القائمة لتطوير خطوط إنتاجها، بالإضافة إلى زيادة خطوط الإنتاج في بعض الشركات المصرية، إلى جانب اتجاه بعض منها لإنتاج نوع جديد من السماد لا يوجد في مصر، وهو سماد البوتاس، من خلال استخدام مواد أولية مستوردة من أوروبا، وهناك بعض الدول التي لا يوجد بها صناعة أسمدة، تعمل على تدارك تلك المشكلة مثل موريتانيا والسودان واليمن، وبحلول عام 2016، سيتضاعف معدل إنتاج مصانع الوطن العربي من الأسمدة، حيث سيرتفع معدل إنتاج سماد الأمونيا بنسبة 950%، كذلك سماد اليوريا إلى 860%، ونترات الألمنيوم بنسبة 163%، وصخر الفوسفات بنسبة 74%، وحامض الفوسفريك بنسبة 430%، والسوبر فوسفات الثلاثي بنسبة 256%، وفوسفات الألمنيوم الثنائي بنسبة 611%.

* ما هي حصة الأسمدة العربية من الإنتاج والتصدير العالمي؟

ـ تتفاوت نسبة الإنتاج من الأسمدة المصنعة في الوطن العربي بأنواعها لتبلغ 38% من الإنتاج العلمي لسماد السوبر فوسفات الثلاثي، يليها صخر الفوسفات بنسبة 27%، بينما تراوحت نسبة الصادرات العربية إلى الصادرات العالمية لتصل إلى 72% من صخر الفوسفات، و46% من حامض الفوسفريك، و42% من فوسفات الألمنيوم الثنائي.

* في النهاية ما هي أهم التحديات التي تواجه صناعة الأسمدة في الدول العربية؟

ـ أسعار الطاقة هي أبرز التحديات، فالتقلبات الكثيرة لأسعار الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة يؤثر عليه، ولا أدعو إلى التحيز إلى تلك المصانع، ولكنني أدعو إلى تحديد أسعار الغاز لفترات طويلة، لأن التذبذب في أسعار الطاقة، يجعل هناك تذبذبا في ربحية مصانع الأسمدة، وهو ما يشكل خطورة عليها.