وزير المالية المغربي لـ «الشرق الأوسط»: طموحنا العام المقبل تحقيق نفس مستوى الاستثمارات الأجنبية المحققة في 2008

مزوار: الفرضيات التي اعتمدناها في إنجاز موازنة 2010 جد واقعية وحذرة أيضا

صلاح الدين مزوار
TT

قال صلاح الدين مزوار وزير الاقتصاد والمالية المغربي، إن طموح بلاده وهدفها بالنسبة إلى سنة 2010، هو تحقيق نفس مستوى الاستثمارات الأجنبية التي تم تحقيقها عام 2008 (4 مليار دولار)، مشيرا إلى أنه «إذا استطعنا أن نصل إلى هذا، فمعنى ذلك أننا سنفتح أكثر مجالات الاستثمار الأجنبي بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني».

وأوضح مزوار، في حديث أدلى به لـ«الشرق الأوسط» خلال وجوده في لندن بداية الأسبوع الجاري، للمشاركة في مؤتمر الاستثمار بالمغرب، الذي نظم في حي المال والأعمال، أن موازنة 2010 اعتمدت نفس المنهجية المتبعة في سنة 2009، عبر التأكيد على عدة أشياء ضمنها دعم الطلب الداخلي، ودعم الاستراتيجيات القطاعية باعتبار أن ذلك سيعين الاقتصاد المغربي على تقوية مناعته مستقبلا، وكذلك مواكبة الإصلاحات الهيكلية، وعدم التراجع عن أي إصلاح، ووضع آليات لدعم ومواكبة القطاع الخاص.ووصف مزوار الفرضيات المعتمدة في إعداد الموازنة بأنها «فرضيات جد واقعية وحذرة أيضا»، وقال «اعتمدنا على سنة فلاحية عادية، واعتمدنا كذلك مقاربة مرتبطة بنمو القطاعات الموجهة نحو التصدير بمعدلات جد حذرة».

وزاد قائلا: «حتى بالنسبة إلى الفرضية المرتبطة بسعر البترول، ولو أننا اليوم اعتدنا أن تكون هذه المسألة شيئا خارجا عن أي تحكم على المستوى العالمي، بيد أن هناك اعتقادا راسخا بأنه من الصعب اعتبار أن سعر البترول يمكن أن يرتفع إلى مستويات تهدد بوادر انتعاش الاقتصاد العالمي، ذلك أن أكبر ضربة يمكن أن تقدم للانتعاش الأوّلي للاقتصاد العالمي هي الارتفاع الصاروخي لسعر البترول». وأضاف: «في اعتقادنا أننا لن نصل إلى الحالة التي عرفناها عام 2008، ولا أعتقد أننا سنذهب نحو سعر البترول بمستوى 147 دولارا للبرميل، بيد أننا سنعتمد على الهوامش التي يمكن أن يوفرها الاقتصاد الوطني للاستمرار في دعم أسعار البترول، علما أن ذلك له انعكاسات على نسبة التضخم. وهدفنا في موازنة 2010 هو المحافظة على مستوى تضخم لا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين».

وبخصوص ما إذا كانت الحكومة تنوي إطلاق الجزء الثاني من عملية المغادرة الطوعية للموظفين، قال مزوار: «لا أعتقد أنها مطروحة الآن، ولكن هذا يتم في حالة وجود إشكالات مرتبطة بالقدرة على التحكم في النفقات المرتبطة بالأجور».

وفي ما يلي نص الحوار:

* جرى إعداد مشروع موازنة 2010 على فرضية أن الاقتصاد المغربي سيعرف نموا بنسبة 3.5 في المائة واستقرارا متوسطا لسعر البترول في 75 دولار للبرميل. ألا تخشون أن تتضرر هذه الفرضية بتواصل حدة الأزمة الاقتصادية العالمية؟

ـ القانون المالي (الموازنة) لسنة 2010 اعتمد نفس المنهجية المتبعة في سنة 2009، عبر التأكيد على عدة أشياء ضمنها دعم الطلب الداخلي، ودعم الاستراتيجيات القطاعية لأن هذا الدعم سيعين الاقتصاد المغربي على تقوية مناعته مستقبلا، وكذلك مواكبة الإصلاحات الهيكلية، وعدم التراجع عن أي إصلاح، ووضع آليات لدعم ومواكبة القطاع الخاص.

فبنفس المنهجية التي اتبعناها عام 2009، سنركز على مقاربة التدبير التي اعتمدناها والمتعلقة بلجنة اليقظة الاستراتيجية في مفهومها التدبيري ما بين القطاع الخاص والقطاع العام والحكومة والنظام المصرفي كذلك.

إن الفرضيات التي اعتمدناها هي فرضيات جد واقعية وحذرة أيضا، لأننا اعتمدنا على سنة فلاحية عادية، واعتمدنا كذلك مقاربة مرتبطة بنمو القطاعات الموجهة نحو التصدير بمعدلات جد حذرة. ولهذا أقول إنه حتى بالنسبة إلى الفرضية المرتبطة بسعر البترول، ولو أننا اليوم اعتدنا أن تكون هذه المسألة شيئا خارجا عن أي تحكم على المستوى العالمي، بيد أن هناك اعتقادا راسخ أنه من الصعب اعتبار أن سعر البترول يمكن أن يرتفع إلى مستويات تهدد بوادر انتعاش الاقتصاد العالمي، ذلك أن أكبر ضربة يمكن أن تقدم للانتعاش الأولي للاقتصاد العالمي هي الارتفاع الصاروخي لسعر البترول.

وأعتقد أنه لا على مستوى الدول المنتجة للبترول، ولا على مستوى الدول المستهلكة، ليس هناك أحد يعتبر أن له مصلحة في أن يترك سعر البترول يرتفع إلى مستويات سيستفيد منها المضاربون في آخر المطاف.

* رغم ذلك يظل صعود وهبوط أسعار البترول مؤرقا لكم، خصوصا أنكم توقعتم استقرارا متوسطا لسعر البترول وحددتموه في 75 دولارا للبرميل، هذا مع العلم أن سعره بلغ 78 دولارا بموازاة مع إعلانكم عن مشروع موازنة 2010. فما السيناريوهات البديلة التي وضعتموها للخروج من هذا المأزق في حالة ذهاب الأمور عكس توقعاتكم وفرضياتكم؟

ـ في اعتقادي أن هذه احتمالات غير واردة، ذلك أن سعر البترول وصل إلى مستويات 60 و62 دولارا للبرميل، فارتفع إلى 70 دولارا ثم 78 دولارا، وسوف يهبط السعر إلى 70 دولارا. بمعنى أن سعر البترول اليوم يعيش تقلبات مستمرة. لهذا فإن الاحتمال الوارد هو أنه سيكون في مستويات الأسعار استقرار. كما أن الهوامش المرتقبة على مستوى نمو الاقتصاد الوطني وديناميكيته ستسمح لنا بمواجهة الوضعية الناتجة عن ارتفاع سعر البترول إلى مستويات تفوق 80 أو 85 دولارا.

* في سياق الحديث عن صعود وهبوط أسعار البترول هناك من يقول إن الحكومة يمكنها أن تساير السوق وتزيد في أسعار الوقود، بيد أنها ستتحمل مقابل ذلك تبعات كبيرة، فما التدابير الوقائية التي أعددتموها للحيلولة دون وقوع انتكاسة اجتماعية؟

ـ أولا، نحن في منطق دعم المواد الأولية وأساسا سعر المحروقات، لهذا يوجد صندوق للمقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية) بموازنة قدرها 14 مليار درهم (مليارا دولار). في 2008 عشنا حالات أخطر حيث وصل سعر البترول إلى 147 دولارا، ولم ينعكس ذلك على المستهلك. وفي اعتقادنا أننا لن نصل إلى الحالة التي عرفناها عام 2008، ولا أعتقد أننا سنذهب نحو سعر البترول بمستوى 147 دولارا للبرميل، بيد أننا سنعتمد على الهوامش التي يمكن أن يوفرها الاقتصاد الوطني للاستمرار في دعم أسعار البترول، علما أن ذلك له انعكاسات على نسبة التضخم. وهدفنا في موازنة 2010 هو المحافظة على مستوى للتضخم لا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.

وأعتقد كذلك أن هناك كثيرا من التضخيم السياسوي بشأن هذه المسألة المرتبطة بسعر المحروقات لأنه ترسخ في ذهن المواطنين أن سعر البترول والغاز يجب أن يظل في مستويات جد منخفضة، علما أن المنطق يحتّم الدخول في منطق تطبيق تباين الأسعار. فعندما ترتفع الأسعار يجب الاعتماد على الصعود، وعندما تهبط الأسعار يجب اعتماد منطق النزول. بالفعل، نرى صعوبة في تطبيق هذا المنطق بحكم أن هناك الكثير من السياسة السياسوية في هذا المجال، لكن رغم ذلك سنستمر، وهذا توجه حكومي في إصلاح منظومة المقاصة. فالطريقة الوحيدة لحسم هذه الإشكالية هي أن نصل إلى الدعم المباشر للأسر، والمحافظة على آليات التوازن بالنسبة إلى قطاع النقل، وهو في الواقع، الذي سيتأثر أكثر في حالة ارتفاع أسعار المحروقات.

نحن نعمل في هذا الاتجاه لإيجاد نظام متوازن للدعم المباشر للأسر، وكذلك وضع نظام متوازن بالنسبة إلى قطاع النقل حتى لا يكون له انعكاس على مستويات التضخم في بلادنا.

* بالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبية في المغرب، ما توقعاتكم في هذا المجال؟

ـ أعتقد أن الانتعاش الذي يعرفه الاقتصاد العالمي، وكذلك الاختيارات التي اعتمدها المغرب للحفاظ على اختياراته وتوجهاته الأساسية، دعمه لها بقوة في هذه المرحلة، أعطى وضوحا أكثر للمستثمرين في قطاعات جديدة ومتعددة. فكل هذا سيساعد الاقتصاد المغربي على جلب الاستثمارات الأجنبية، بيد أن ذلك لا يكفي، إذ يجب الذهاب نحو المستثمرين على غرار ما نقوم به اليوم بطريقة منظمة ومهنية لإقناعهم، والتعريف أكثر بمؤهلات الاقتصاد المغربي. فالاقتصاد المغربي يتميز بجاذبيته لأنه متنوع ويفتح المجال لكل المستثمرين. كما أن القطاع الذي فتحناه اليوم والمرتبط بالطاقات المتجددة، وكل ما هو مرتبط بالطاقة الشمسية، سيفتح مجالات كثيرة بالنسبة إلى الاستثمار الأجنبي. هناك كذلك الاستراتيجية المرتبطة بالصيد البحري، والاستراتيجيات التي تقدمت كثيرا المرتبطة بالقطاع الصناعي والسياحي، وهناك ما هو مرتبط بقطاع السكن، وهناك أيضا الاستراتيجية المرتبطة بقطاع الفلاحة، في إطار المخطط الأخضر. إذن، الاقتصاد المغربي اليوم بتنوعه وتنوع استراتيجياته يفتح مجالات متعددة للمستثمرين الذين يبحثون اليوم عن دول لها رؤية واضحة، ولها استقرار سياسي، واستقرار اقتصادي. والمغرب يوفر كل هذه المؤهلات.

طموحنا وهدفنا بالنسبة إلى سنة 2010 هو أن نحقق نفس مستوى الاستثمارات الأجنبية لـ2008 (4 مليارات دولار). إذا استطعنا أن نصل إلى هذا، فمعنى ذلك أننا سنفتح أكثر مجالات الاستثمار الأجنبي بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني.

* يشير مشروع موازنة 2010 إلى أن نفقات الأجور ستبلغ 80.5 مليار درهم (10 مليارات و592 مليون دولار)، مسجلة بذلك ارتفاعا نسبته 3.5 في المائة. ألا تفكر الحكومة الآن من أجل تخفيض كتلة الأجور في إطلاق عملية جديد للمغادرة الطوعية للموظفين؟

ـ أعتبر أن طريقة وضع هذه المسألة مغلوطة. لماذا نركز على النمو وعلى معدلات نمو مرتفعة؟ لأن هذه المعدلات المرتفعة هي التي ستسمح باستيعاب منظومة أجور في هذا المستوى، بمعنى أن نسبة الأجور داخل نفقات الدولة تبقى كلها مرتبطة بمعدلات النمو. فإذا استمررنا في معدلات نمو مرتفعة فسيبقى كل شيء نسبيا، لكن إذا كانت هناك إشكالية مرتبطة بمعدلات نمو أقل من المستويات التي اعتدناها في السنوات الأخيرة، بالطبع ستصبح عندنا مشكلة لأن الموارد عندنا ستتقلص. وإمكانيات التمويل بدل أن تتوجه إلى الاستثمار، تتوجه أكثر إلى نفقات التسيير. لهذا نركز من جانبنا على ضرورة دعم واستمرار النمو حتى يمكننا أن نتحكم في منظومة الأجور، وكذلك في كل نفقات الدولة مع العمل على استقرارها النسبي، وهذا هو التوجه الذي نعمل من أجله.

* نفهم من كلامك أن الشطر الثاني من عملية المغادرة الطوعية للموظفين غير وارد الآن؟

ـ لا أعتقد أنه مطروح الآن. صحيح التفكير دائما متواصل، ولكن هذا يتم في حالة وجود إشكالات مرتبطة بالقدرة على التحكم في النفقات المرتبطة بالأجور. لكن ما هو أساسي هو أن طريقة نمو الاقتصاد الوطني والحاجات الجديدة الملحّة للإدارة المغربية في إطار عصرنتها وأدائها تفرض كذلك التوفر على موارد بشرية من جيل جديد من نوع جديد.

إذن، الإدارة المغربية هي في حاجة كذلك إلى طاقات جديدة، وكفاءات جديدة. وكل هذا يجب أن يتم في إطار متوازن، فهناك المبادرة المرتبطة بالتقاعد (الإحالة إلى المعاش) إذ هناك 7 آلاف شخص يغادرون الإدارة المغربية سنويا، وسنستمر في مقاربة متوازنة علما بأن الإدارة المغربية في حاجة إلى تحسين أدائها، وتحسين تأطيرها، وهذا يفرض علينا أن نستمر في دعم الكفاءات مع التحكم في نفقات الأجور.