رئيس «أرامكو السعودية»: نعمل على تعزيز القيمة المضافة من صناعتنا في مجال الزيت والغاز

الفالح لـ«الشرق الأوسط»: الصين تمثل أحد أكبر 3 أسواق لدينا وجاهزون لتلبية طلباتها.. ونبحث فرصا استثمارية

خالد بن عبد العزيز الفالح رئيس «أرامكو السعودية»
TT

أكد خالد بن عبد العزيز الفالح، رئيس «أرامكو السعودية»، كبير إدارييها التنفيذيين، أن شركة «أرامكو السعودية» كبرى شركات النفط العالمية، ستمضي قدما في البحث عن الفرص الاستثمارية الناجحة في مجال صناعة التكرير والبتروكيماويات، لتعزيز القيمة المضافة من الصناعات النفطية الأساسية التي تقوم بها. وجاءت تصريحات الفالح في حوار خص به صحيفة «الشرق الأوسط»، بمناسبة بدء التشغيل التجاري لمشروع فوجيان المشترك والمتكامل للتكرير وإنتاج الإيثيلين، في مقاطعة فوجيان الصينية، وهو المشروع الذي يكرر المنتجات النفطية المشتراة من السعودية، وتمتلك فيه «أرامكو» نسبة 25 في المائة. وتطرق الفالح في حواره إلى عدد من القضايا الهامة في مجال الاقتصاد وصناعة البتروكيماويات والتبادل المعرفي مع الصين، وهنا نص الحوار:

* كيف تصفون اتجاه شركة «أرامكو» للاستثمار في السوق الصينية؟

ـــــ أولا وقبل كل شيء، من المهم أن ندرك أن علاقتنا بالصين علاقة استراتيجية وذات أوجه متعددة، وأنها لا تقتصر على مجرد كون الصين سوق نفط رئيسية بالنسبة لنا. فمع أن هذا الجانب يمثل أهمية كبرى بالنسبة لعلاقتنا مع الصين، ومع أن تزويد الصين بإمدادات موثوقة من النفط أمر نعتبره على درجة كبيرة من الأهمية، فهناك أيضا استثماراتنا في المشاريع المشتركة في الصين، على سبيل المثال في مقاطعة فوجيان. وعلاوة على ذلك، فقد دخلنا في شراكة مع «ساينوبك»، التي تعد واحدة من أبرز شركات البترول الصينية، في مشروع للتنقيب عن الغاز وإنتاجه في منطقة الربع الخالي في المملكة، بهدف توفير المزيد من إمدادات الغاز غير المرافق للمملكة. كما توجد إلى جانب ذلك السلع والمواد والخدمات التي نحصل عليها من الصين، التي تكمل ما نحصل عليه من السوق السعودية المحلية، خاصة في مجال المنتجات والخدمات عالية التخصص. وهناك أيضا علاقاتنا الأكاديمية والبحثية المتنامية عددا وتنوعا مع الجامعات الصينية، كما أننا نبحث في الوقت الحالي الفرص المتاحة لإقامة شراكات بين مركز الملك عبد العزيز للإثراء المعرفي التابع للشركة والمؤسسات الثقافية والمتاحف الصينية.

* معروف أن «أرامكو السعودية» من أكبر مصدري الزيت الخام إلى الصين، ما هي تصوراتكم المستقبلية لهذه العلاقة؟

ـــــ العلاقة التي تجمع بين السعودية والصين علاقة اقتصادية متينة ومتنامية تمتد لعشرات السنين، وقد تمتعت هذه العلاقة ولا تزال بالثقة المتبادلة، والنمو المضطرد. وإنني أرى بأن الطلب الصيني على الطاقة عموما، وعلى البترول على وجه الخصوص، سيواصل النمو مع توسع الاقتصاد الصيني وارتفاع مستوى المعيشة. فالتطورات هنا سريعة، فمنذ عقد واحد فقط لم تكن الصين تستورد منا إلا كميات قليلة من الزيت الخام، أما الآن فهي تمثل واحدة من أكبر ثلاث أسواق لدينا، كما أنها تعد أسرع الأسواق نموا على مستوى العالم. ونحن في الوقت الحالي نصدر ما يقرب من مليون برميل من الزيت الخام يوميا، أي ما يمثل ربع إجمالي واردات الصين وجزءا كبيرا من احتياجاتها الإجمالية من الطاقة. ولكي ندرك أن الطلب على الطاقة بجميع أنواعها سوف يزيد بصورة كبيرة خلال العقود القادمة في الصين، فكل ما علينا هو أن ننظر إلى مدن مثل بكين وشنغهاي وغوانغجو، أو أن نزور المناطق الصناعية المحيطة بهذه المدن، أو أن ننظر إلى حجم الحركة المرورية في شوارع الصين وطرقها السريعة، وإن كانت سرعة هذه الزيادة تتوقف على عوامل كثيرة، منها قوة الاقتصاد العالمي عموما. ونحن في «أرامكو السعودية» على أهبة الاستعداد لتلبية احتياجات الصين، بل واحتياجات سوق النفط العالمية، كما أننا نوفر في الوقت نفسه الطاقة الهيدروكربونية، التي تدفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقق التنويع الاقتصادي وتسهم في بلوغ مستويات أعلى من الرخاء في المملكة. وخلاصة القول إن لدينا الالتزام والقدرة على الوفاء بالتزاماتنا، سواء داخل السعودية أو خارجها.

* قامت «أرامكو السعودية» وشركاؤها في «ساينوبك» و«إكسون موبيل» وحكومة مقاطعة فوجيان، الأربعاء الماضي 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، بإعلان بدء التشغيل التجاري لمشروع فوجيان المشترك والمتكامل للتكرير وإنتاج الإيثيلين في جنوب شرقي الصين. هل يمكنك أن تزودنا ببعض المعلومات عن هذا المشروع؟

ـــــ كما ذكرت في السؤال، فقد أعلن فعلا، الأربعاء الماضي، في الحفل الذي أقامته شركة «فوجيان» للتكرير والبتروكيماويات المحدودة عن بدء التشغيل التجاري لمشروع «فوجيان» المشترك والمتكامل للتكرير وإنتاج الإيثيلين.

وأود أن أذكر هنا أن «أرامكو السعودية» تمتلك 25 في المائة من شركة «فوجيان» للتكرير والبتروكيماويات المحدودة، بينما 50 في المائة مملوكة لـ«فوجيان بتروكيميكل كومباني ليمتد»، و25 في المائة مملوكة لـ«إكسون موبيل تشاينا بتروليوم آند بتروكيميكل كومباني ليمتد». وإننا في «أرامكو السعودية» نعمل بشكل مستمر لتعزيز القيمة المضافة من صناعتنا في مجال الزيت والغاز، ومن أجل هذا دخلنا قطاع الصناعات البتروكيماوية حين وجدنا فرصا من شأنها تعزيز ربحية أعمالنا الأساسية.

* ماذا ينتج هذا المشروع؟

ـــــ ينتج عن هذا المشروع، الذي يعد الأول الذي ينفذه مشروع فوجيان المشترك والمتكامل للتكرير وإنتاج الإيثيلين، تحديث وتوسعة المصفاة لزيادة طاقتها من المنتجات ذات القيمة العالية من 80 ألف برميل في اليوم (4 ملايين طن متري سنويا) إلى 240 ألف برميل في اليوم (12 مليون طن متري سنويا). وتقوم المصفاة المطورة بتكرير ومعالجة أنواع الزيت الخام الذي تنتجه «أرامكو السعودية» بصفة رئيسة. كما يضم المشروع مرافق بتروكيميائية جديدة تشمل وحدة تجزئة بخارية للإيثيلين بطاقة 800 ألف طن متري سنويا ووحدة للبولي إيثيلين بطاقة 800 ألف طن متري سنويا وأخرى للبولي بروبيبلين بطاقة 400 ألف طن سنويا ومجمعا للبارازيلين بطاقة 700 ألف طن سنويا، إلى جانب المرافق المساندة وفرضة للزيت الخام تتسع لناقلات حمولتها 300 ألف طن. ونحن نشعر بالفخر في «أرامكو السعودية» لعملنا مع شركتين بهذا المستوى الرفيع في مجال التكرير والبتروكيماويات، كما نتطلع إلى آفاق مستقبلية واسعة من الشراكة المثمرة والتعاون الذي يجمعنا.

* هل تنوي «أرامكو السعودية» القيام بالمزيد من المشاريع المشتركة في الصين؟

ـــــ نحن دائما ما نبحث عن المزيد من الفرص التي تتيح لنا أن نجمع بين نقاط القوة التي نتمتع بها كشركة نفط وما يتمتع به شركاؤنا العالميون من نقاط قوة مكملة ومعززة لما لدينا. و«أرامكو السعودية»، كما تعرفون، تعمل على أساس تجاري، ولذا فمن الضروري أن تكون هذه الشراكات في المقام الأول مجدية من الناحية المالية وتوفر للشركة معدل عائد مجز على ما استثمرته فيها. كما يتعين علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مدى توافق هذه الاستثمارات مع استثماراتنا الأخرى في مجال التكرير والمعالجة والتسويق، وأن ندرس الفوائد التي تعود بها على السعودية من حيث تأمين أسواق موثوقة للزيت الخام وتبادل المعرفة والخبرات، وغير ذلك من الاعتبارات المشابهة. وهذه الاستثمارات هي في الواقع طريق ذو اتجاهين، ففي الوقت الذي آمل فيه أن نتمكن من اغتنام فرص أخرى في الصين، فإنني أدعو المستثمرين الاستراتيجيين الصينيين وغيرهم حول العالم إلى اقتناص الفرص الهائلة المعروضة في المملكة في مجموعة كبيرة ومتنوعة من القطاعات الاقتصادية والصناعية والمعرفية.

* هل تسعون لبناء علاقة علمية أو معرفية مع الصينيين، لاحظنا أنك ألقيت أثناء وجودك في الصين كلمة أمام أساتذة وطلبة جامعة تشينهوا، إحدى أبرز المؤسسات التعليمية الصينية.

ــــ لا تقف علاقة «أرامكو السعودية» مع الصين عند إمدادات الزيت الخام أو مشاريعنا المشتركة، رغم أن هذه تعد علاقات هامة مقدر لها أن تنمو وتتطور بمرور الوقت. وقد رأيت أن من المهم أن أتخاطب مع المفكرين والعلماء والباحثين والأساتذة في الصين، وأن أتحدث معهم حول النقلة المعلوماتية الجارية الآن في المملكة. كما رغبت أيضا أن أتحدث مع هؤلاء القادة الفكريين حول جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وما يجرى فيها من أبحاث قيمة، وما توفره وتطرحه من فرص للتعاون العلمي والفكري. ونحن جميعا نعلم الحكمة العربية القديمة «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وهذا ما نفعله نحن وأصدقاؤنا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية من خلال إقامة شراكات علمية وبحثية قائمة على الفائدة المتبادلة مع الجامعات والمؤسسات العلمية الصينية. كما رغبت أيضا في أن أتحدث مع الطلاب، وهذا أمر لا يقل أهمية، حتى أعرف الجيل الصيني الأصغر سنا بأن شركتنا ملتزمة بتلبية الاحتياجات الصينية من الطاقة في المستقبل، ولأؤكد على حقيقة أننا أكثر موردي النفط موثوقية في العالم، ولأخبرهم بأننا شريك استراتيجي يمكن للصين وشعبها الاعتماد عليه خلال العقود القادمة.

* معلوم لدينا أن «أرامكو السعودية» قد ابتعثت عددا من الطلاب للدراسة في الجامعات الصينية، وأن هذا البرنامج قد بدأ قبل نحو عشر سنوات. فلماذا ترسلون الطلبة للدراسة في الصين؟

ـــــ نحن نرسل بعض أفضل وألمع طلابنا إلى الصين للدراسة فيها لعدد من الأسباب، أولها أنهم يحصلون على تعليم ممتاز في مجالات مثل الهندسة والمحاسبة وإدارة الأعمال، فهم يدرسون في جامعات ومعاهد متميزة ويمتلكون القدرة الفكرية على تحقيق النجاح في هذه المجالات، على الرغم من أنهم يحضرون المحاضرات ويقرأون الكتب ويجتازون الامتحانات باللغة الصينية. ثانيا، عندما ينهي هؤلاء الطلاب الدراسة فإنهم يكونون قد حصلوا على أسس جيدة في اللغة والثقافة والتقاليد الصينية، مما يتيح لهم أن يعيشوا ويعملوا في الصين بسهولة، ليساعدوا شركتنا في أن تفهم بصورة أفضل الاحتياجات المتنامية في السوق الصينية. ثالثا، إننا نعتقد أن هؤلاء الشباب هم سفراء للمملكة، وهذا ما يتيح لأساتذتهم وزملائهم الذين يتعاملون معهم أن يروا ما يتمتع به طلابنا من شخصية متميزة ومستوى رفيع في العلم والمعرفة، وأن يتعرفوا عن طريقهم بصورة أفضل على المملكة و«أرامكو السعودية» والتزامنا بالعلاقات المتبادلة مع الصين. علما بأن بعض الخريجين الأوائل من مبتعثي الشركة يعملون الآن في المكاتب التابعة لنا في بكين وشنغهاي وزيامين، فيما انخرط الآخرون ضمن الأيدي العاملة لدى الشركة في المملكة، وبغض النظر عن المكان الذي يعملون فيه أو العمل الذي يقومون به، فإنهم يسهمون في نجاحنا في هذه السوق ذات الأهمية البالغة، ونحن نفتخر بهم وبما حققوه من إنجازات.

* احتفلت أرامكو السعودية الأسبوع الماضي بإنجاز كبير وتاريخي يتمثل في الافتتاح الرسمي لمشروع بترورابغ، وهو مشروع تكرير وبتروكيماويات مشترك مع شركة سوميتومو اليابانية. فما الذي يميز هذا المشروع عن غيره من المشاريع العملاقة التابعة للشركة التي دخلت مرحلة الإنتاج خلال السنوات الأخيرة؟

ـ يحتل مشروع «بترورابغ» مكانة مميزة للشركة في نفوسنا، إذ إنه يأتي إيذانا بمرحلة جديدة في مجال أعمال المعالجة والتسويق بالنسبة لـ«أرامكو السعودية». فقد أخذنا مصفاتنا القائمة في «بترورابغ» ودمجناها مع معامل جديدة لإنتاج وقود ذي مواصفات عالية ولتحويل بعض منتجات تلك المصفاة إلى بتروكيماويات. وسيتم تصدير بعض هذه المنتجات، فيما تستغل المنتجات المتبقية منها في أنشطة التصنيع والصناعات التحويلية في المملكة، بما يشمل المشاريع التي سيتم تأسيسها في منطقة صناعات تحويلية جديدة مرتبطة بمشروع «بترورابغ» إذ أطلقنا عليها اسم «بترورابغ بلستك». وفي كلتا الحالتين، فإننا نحقق قدرا كبيرا من القيمة المضافة من الثروات الهيدروكربونية التي حبا الله تعالى بها المملكة، وتوجد المزيد من الفرص الاستثمارية وفرص العمل من خلال الصناعات التحويلية المرتبطة بهذا المشروع. كما يستمد مشروع «بترورابغ» قدرا كبيرا من أهميته من الشراكة مع «سوميتومو كيميكال»، وهي شركة رائدة في مجالها أدركت ما ينطوي عليه الاستثمار في المملكة من فوائد استراتيجية، إذ جاء هذا المشروع كخطوة قائمة على رؤية مستقبلية من قبل شركة لم يسبق لها أن قامت باستثمار بهذا الحجم وبالذات خارج منطقة آسيا ـ حوض الباسيفيك. كما أن «سوميتومو كيميكال» تسهم في المشروع بالكثير من التقنيات وإجراءات تعود حقوق ملكيتها إليها، مما يعطي «بترورابغ» ميزة تنافسية في السوق. وفي الواقع، فإن مشروع «بترورابغ» الجديد يوجد فرصا مباشرة وإذا نحن ندرس بجدية تنفيذ توسعة طموحة كمرحلة ثانية من هذا المشروع.