«أوبك» للدول المستهلكة: تأمين الطلب على النفط مقابل تأمين الإمدادات

رئيس المنظمة يحذر من التوقف عن الاستثمار في القطاع النفطي

رئيس ووزير النفط الأنغولي خلال إلقاء كلمته في المؤتمر («الشرق الأوسط»)
TT

«أمن الطاقة مقابل أمن الطلب»، هكذا لخص المسؤول الأول في منظمة الدول المنتجة للنفط «أوبك»، ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول المصدرة والدول المستهلكة للذهب الأسود، محذرا من أن دول أوبك ربما لا تواصل استثماراتها في القطاع النفطي، طالما أن هناك احتمالات بأن لا تتم الاستفادة من هذه القدرة الإنتاجية مستقبلا. وقال الأنغولي خوزيه بوتيلو دى فاسكو نسيلوس، رئيس أوبك أمس، إنه كما تطالب الدول المستهلكة أوبك بتأمين إمدادات النفط، فعليها أيضا أن تؤمن الطلب على النفط خلال السنوات المقبلة، حتى تتمكن دول أوبك من وضع استراتيجياتها المستقبلية وفقا للقدرة الإنتاجية.

وتقدر دراسة سابقة أجراها قسم الأبحاث في «أوبك» حجم الاستثمارات اللازمة في قطاع النفط في الدول الأعضاء حتى عام 2010 بنحو 50 مليار دولار. وترتفع لتصل إلى 270 مليارا بحلول عام 2020. ويقول مسؤولوا الدول المنتجة للنفط، إن هذه الدول تواجه مشكلة الارتفاع في نفقات الحفر وذلك بسبب ارتفاع أسعار الصلب بنسبة 50 في المائة في عام 2003 وبنسبة 40 في المائة منذ عام 2004. كما ازدادت الأجور في عام 2005 بنسبة 15 في المائة وذلك نتيجة للنقص في توفر العناصر المؤهلة.

وخلال مؤتمر أمن الطاقة الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي افتتح يوم أمس في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أعتبر رئيس أوبك أن أبرز تحد يواجه الدول المنتجة للنفط هو ضرورة إعطاء العالم صورة واضحة عن موقع الدول المنتجة للنفط فيما يتعلق بقضايا الطاقة المهمة، مثل أمن الطاقة. وأضاف «ينظر كثير من المستهلكين إلى أمن الطاقة ببساطة باعتباره أمن إمدادات النفط. وقد أكدت منظمة الأوبك مرارا على التزامها بأمن إمدادات الطاقة. لكن ما يهم الأوبك في الحقيقة هو أمن الطلب. فهناك حاليا كثير من الغموض في الأسواق بشأن النمو الاقتصادي المستقبلي وسياسات الدول. وهذا يجعل من الصعب وضع استراتيجيات فعالة للاستثمار في القدرة الإنتاجية المستقبلية».

المسؤول الأول في أوبك دلل على أهمية ضمان تأمين الطلب، بالإشارة إلى آخر توقعات أوبك التي توضح احتمال ارتفاع الطلب العالمي على النفط من 80 مليون برميل يوميا إلى 106 ملايين برميل يوميا في الفترة بين عامي 2008 و2030، مضيفا «غير أن هذه مجرد توقعات وهي غير مضمونة. فالدول المنتجة لا تستطيع الاستثمار بكثرة في القدرة الإنتاجية التي يمكن ألا تتم الاستفادة منها. وهذا هو السبب وراء طلب أوبك المتكرر لحكومات الدول المستهلكة لأن تضمن الشفافية وإمكانية التوقع والانسجام في صنعها للسياسات».

وقال خوزيه، إن أوبك تملك رؤية أوسع تجاه أمن الطاقة للأمم الغنية والفقيرة على حد سواء. مرحبا بالتقدم الذي تم إحرازه حيال أمن الطاقة في قمة الثماني الكبار في سانت بيترسبيرغ، ومؤكدا أن الاقتصاد العالمي يكون أفضل في مناخ من الاستقلالية بين الدول، «كما دلت على ذلك الأزمة المالية الأخيرة. وهذا صحيح، ولا سيما في مجال صناعة الطاقة».

ولفت رئيس أوبك إلى أن للمنظمة حضورا قويا في منطقة الخليج، «إذ إن نصف الدول التي هي أعضاء فيها وأربع دول أعضاء مؤسسة للأوبك تنتمي لهذه المنطقة. ويمثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية 65 في المائة من إنتاج النفط الخام لمنظمة أوبك، و60 في المائة من إنتاج الغاز الطبيعي. وتعتبر الاحتياطيات المؤكدة أعلى قليلا، حيث تبلغ نسبتها 72 في المائة بالنسبة إلى النفط الخام، و79 في المائة بالنسبة إلى الغاز الطبيعي. وعلى الصعيد العالمي تملك المنطقة 57 في المائة من احتياطيات النفط الخام في العالم، و40 في المائة من احتياطيات الغاز الطبيعي. ولذلك فإن الخليج مهم بالنسبة إلى الأوبك وإلى العالم سواء الآن أو في المستقبل».

وفي موضوع ذي صلة، قال رئيس أوبك في تصريحات صحافية أمس، إنه يرى أن 80 دولارا سعرا مناسبا للنفط، وأن هذا السعر «ليس مرتفعا بل جيدا، مضيفا أنه ما زال من السابق لأوانه اتخاذ قرار بشأن تغيير الإنتاج قبل اجتماع أوبك في ديسمبر (كانون الأول) لأنه ما زالت هناك وفرة من المعروض في السوق. وأضاف أنه مقتنع بأسعار النفط الحالية والالتزام الذي قدر نسبته بنحو 65 في المائة.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت أوبك تدرس استخدام عملات بديلة عن الدولار لتسعير النفط، قال خوزيه «لا نعرف» مضيفا «إنه موضوع ينبغي لنا التفكير فيه».

وناقش مؤتمر أمن الطاقة في الجلسة الأولى من أعماله «أمن الطاقة العالمي: انعكاساته على الخليج»، وتحدث الدكتور هشام الخطيب، نائب الرئيس الفخري لـ«مجلس الطاقة العالمي»، عن أمن الطاقة الذي يعرف بأنه توافر الطاقة المستمر بأشكال مختلفة وبكميات كافية وأسعار معقولة. وأشارت ورقة العمل المقدمة إلى أن العالم يعتمد في تأمين أكثر من 80 في المائة من طاقته على استهلاك أنواع الوقود الأحفوري وهي رخيصة السعر نسبيا، مستعرضا المخاطر التي تهدد أمن الطاقة كالبيئة ونقص الاستثمارات والانبعاث الكربوني وأحيانا العوامل السياسية. ومشيرا إلى أن منطقة الخليج تحوي 40 في المائة من احتياطيات العالم النفطية المؤكدة و23 في المائة من احتياطات الغاز في العالم. «وهو ما يتوقع أن يدر على هذه المنطقة عوائد كبيرة من الميزانيات لمصلحة التنمية المستدامة إن تمت إدارتها بالشكل الناجح.» من جهته، قدم الدكتور أنس فيصل الحجى، كبير الاقتصاديين بـ«مجموعة إن جي بى لإدارة ثروة الطاقة» في الولايات المتحدة الأميركية، ورقة بعنوان «أمن الطاقة العالمي في حقبة جديدة: المفاهيم والإجراءات»، عرض خلالها مجمل التطورات الأخيرة في مجال سياسات الطاقة المستهلكة للنفط خاصة في الولايات المتحدة، وخلص إلى عدم إمكانية ضمان أمن الطاقة لكل دولة إلا من خلال أمن الطاقة العالمي.

وخلال الجلسة الثانية للمؤتمر أيضا، قدم الدكتور محمد السهلاوي، أستاذ اقتصاديات الطاقة في «جامعة الملك فهد للبترول والمعادن» في المملكة العربية السعودية، بحثا أكد فيه أن أمن الطاقة في الخليج تمحور حول تأمين إمدادات مضمونة من النفط، مع بذل القليل من الاهتمام بقضايا الطلب على النفط أو تقلبات سعر الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسية الأخرى. وتناول المحاضر بالتحليل أمن الطاقة بالنسبة إلى تحركات الدولار الأميركي باعتباره عملة التسعير، إضافة إلى المضامين الجيوسياسية والاقتصادية المحتملة.

فيما قدم علي العيساوي، رئيس الاقتصادات والبحوث في الشركة العربية للاستثمارات البترولية «أبيكورب»، بحثا موسوما بـ«سعر النفط الملائم لدول مجلس التعاون وأمن الطاقة العالمي الانعكاسات المتوقعة على الاستثمار والميزانيات في دول المنطقة». وأكد البحث البعد المهم لسعر النفط في تحقيق أمن الطاقة والمدى الذي يمكن أن يتحسن فيه الأمن من خلال الأسعار المفضلة لدى دول مجلس التعاون الخليجي. وطرح البحث نموذجا جديدا قائما على ثلاث مسائل رئيسة هي: تحسين المناخ الاستثماري في الطاقة وتوفير التمويلات، ثم معالجة التحديات البيئية التي تنطوي عليها مزائج إمدادات الطاقة المختلفة، وأخيرا تحسين الحوار بين المنتجين والمستهلكين.