الأجور المنخفضة في الولايات المتحدة شيدت قصورا في الصين

ذيوع روح المغامرة بين سكان إقليم فوجيان

أهالي إقليم فوجيان الصيني في أميركا وفروا المال لشراء منازل ضخمة لأسرهم في بلادهم (أ.ف.ب)
TT

ثمة نوع غريب يشبه مدن الأشباح في إقليم فوجيان على الساحل الجنوبي الشرقي للصين. فهناك الكثير من المنازل خاوية ومغلقة وقد غادرها البالغون ممن في سن العمل. فقط بقيت الأجيال الأكبر سنا تربي أحفادها.

التحول كما يروي المؤلف والصحافي الأميركي باتريك رادن كييف، هو أن الأجداد يعيشون في منازل فاخرة وبنايات واسعة خرجت من بين مزارع الأرز. المنازل بناها أبناؤهم البالغون الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجر غالبا في مطاعم أو مصانع الملابس في الولايات المتحدة ويرسلون بتحويلاتهم إلى الوطن (الصين).

وفي الواقع أن الأحفاد الذين نشأوا في الصين هم فعليا مواطنون أميركيون أرسلوا إلى الصين لأن آباءهم يعملون كثيرا إلى حد يجعلهم غير قادرين على رعاية أطفالهم. والأطفال الذين يتوزعون بين ثقافتين يبقون حتى يكبروا إلى حد يكفيهم للعودة إلى الولايات المتحدة للدراسة.

يعزو كييف، الذي يتناول كتابه «رأس الأفعى» الهجرة والتهريب أو الاتجار في البشر من الصين إلى الولايات المتحدة، الترتيبات الغريبة إلى أخلاقيات العمل الضارية وذيوع روح المشروعات بين مهاجري فوجيان والدوافع القوية بنفس القدر للتواصل مع الأقارب في الصين.

في محاضرة ألقاها في واشنطن تتبع كييف جذور هذه المنافسة الاجتماعية والهجرة التي أدت لحدوث نمو اقتصادي في فوجيان في الثمانينات.

يقول كييف «في البداية افترضت أن هؤلاء الناس لابد أن يكونوا معوزين. في الواقع كان الاقتصاد ينمو بنحو 10 في المائة في العام في هذه المنطقة». وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية أن هذا النمو جعل الناس يدركون جيدا وضعهم الاقتصادي. وقال «فجأة تجد جارك وقد صارت لديه ثلاجة أو سيارة وأنت لا شيء. هذا بالأساس ما دفع الناس للرحيل».

وقسم كبير من المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة منذ منتصف الثمانينات جاءوا من فوجيان، كثيرون منهم بطريقة غير قانونية يتزعمهم مهربون محترفون.

هؤلاء المهربون الذين يعرفون باسم رؤوس الأفاعي هم الذين قادوا زبائنهم الصينيين في رحلات خطرة غالبا ما تضمنت رحلة مدتها شهر بعربة تجرها الثيران عبر المناطق الجبلية في ميانمار حيث تعين عليهم تحاشي زراعات الأفيون الخطرة ومن ثم التسلل إلى تايلاند.

وفي بانكوك وببضع أوراق مزورة ومسؤولين مرتشين في وقت لاحق يرتب رؤوس الأفاعي لعملائهم الطريق إلى الولايات المتحدة، غالبا على متن سفن قديمة متهالكة كبيرة في الغالب لعبور المحيط. في بعض الأحيان كان مئات الأشخاص يتزاحمون على متن زورق طوله 12 مترا وعرضه 6 أمتار ومعهم قدر قليل من الطعام وثمة حمام واحد للجميع. وقرب الإقليم من البحر جعل قسما كبيرا من سكان فوجيان أفضل استعدادا للرحلة مقارنة بسكان المناطق الداخلية في الصين. إنهم خبروا البحر واعتادوا على مخاطره ولم تكن الرحلة إلى الولايات المتحدة إلا رحلة صيد أخرى.

برزت تجارة رؤوس الأفاعي إلى دائرة الضوء عام 1993 عندما جنحت سفينة «غولدن فينتشر» أمام ساحل مدينة نيويورك وعلى متنها نحو 300 مهاجر صيني غير شرعي.

وتم التعرف على رأس الأفعى في هذه الرحلة وهي سيدة من فيوجان تدعى الأخت بنج وتمت إدانتها وسجنها عام 2005. وبحدسهم التجاري انتشر قسم كبير من أهالي فوجيان عبر الضواحي الأميركية.

كتب كييف عام 2008 أثناء رحلة إلى فوجيان في إطار إعداد كتابه يقول «الأمر شبه المؤكد أن المطعم الصيني الكائن في المركز التجاري القريب من منزلك يديره أناس من فوجيان.. أليس كذلك؟». وأهالي فوجيان في أميركا وفروا المال لشراء منازل ضخمة لأسرهم في القرى. وقال كييف «هذه المنازل صارت رموزا للوضع فكلما كانت أطول وأكثر قبحا، كانت أفضل».