مؤتمر «أمن الطاقة في الخليج» في أبوظبي: تأكيدات على حاجة القطاع العالمي لاستثمارات ضخمة تصل إلى تريليون دولار

جدل حول انضمام روسيا لـ«أوبك» ودورها في تقليل حدة التنافس الدولي على الطاقة

جانب من مؤتمر أمن الطاقة في الخليج الذى اختتم أعماله في أبوظبي أمس («الشرق الأوسط»)
TT

«الحل في روسيا» هكذا كان الرأي الغالب لخبراء ومسؤولين نفطيين، رأوا أن روسيا مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتنسيق سياستها في الطاقة مع منظمة «أوبك» «حتى يمكن ترشيد الإنتاج بما يتناسب ومتطلبات الدول المستهلكة والتقليل من حدة التنافس الدولي على مصادر الطاقة».

غير أن خبيرا نفطيا روسيا، وهو مدير «مركز الطاقة» في «معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية» في روسيا الاتحادية، رأى بدوره أن هذا «ليس حلا»، مطالبا بأن يجلس المستهلكون والمنتجون على طاولة مستديرة لإصلاح سوق تسويق النفط، معتبرا أن عدم انضمام روسيا للمنظمة الدولية يأتي بسبب أن بنية صناعة النفط مختلفة تماما، عن باقي دول «أوبك».

هذه كانت أبرز النتائج التي تمخض عنها مؤتمر «أمن الطاقة في الخليج.. التحديات والآفاق»، الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية واختتم أعماله أمس في العاصمة الإماراتية أبوظبي، لكن الخبراء أكدوا في الوقت ذاته على أن التحدي الرئيسي لأمن الطاقة لا يتمثل في محدودية الكميات المعروضة فحسب، وأن هناك احتياطات ضخمة من النفط والغاز، وهي تزداد بشكل مستمر، وإنما الحاجة إلى استثمارات كبيرة لتطوير قطاعات الطاقة ربما تتجاوز حاجز التريليون دولار.

البروفسور نودري سيمونا، مدير «مركز الطاقة» في «معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية» في روسيا الاتحادية، الذي تحدث عن العلاقة بين «أوبك» والاتحاد الروسي خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، طالب بضرورة تغيير بنية سوق النفط ونظام الأسعار فيها بحيث تلبي احتياجات «أوبك» وروسيا على حد سواء. «لقد صدرت دعوات موجهة إلى روسيا للانضمام إلى (أوبك)، ولكن هذا لا يعتبر حلا، والحاجة تدعو إلى طاولة مستديرة يجلس إليها المنتجون والمستهلكون على حد سواء لإصلاح نظام تسويق النفط. وسوف يتطلب تغيير موقف البعض وقتا وجهدا، خاصة الولايات المتحدة الأميركية».

ويلفت البروفسور نودري سيمونا إلى أن روسيا لم تستطع الانضمام إلى «أوبك» «ببساطة لأن بنية صناعة النفط مختلفة تماما. فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي تمت خصخصة قطاع النفط وأصبح مجزأ، ذلك أن كثيرا من شركات النفط انخرط في العديد من شركات التضامن، وبالتالي لم تستطع الحكومة فرض إرادتها على هذه الشركات المختلفة، علاوة على أن هذه الشركات تمارس الضغط على الحكومة، والفساد منتشر». ودافع البروفسور الروسي في وجه الاتهامات الموجهة لبلاده بشأن خسارة «أوبك» لعائداتها، متهما الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر مستهلك ومستورد للنفط، بأنها «في قلب المشكلة في سوق النفط». ويضيف: «تاريخيا، ضمنت الولايات المتحدة مواردها من الطاقة بتنويع مصادر وارداتها النفطية بعيدا عن (أوبك). ويبدو أن هذا هو السبب الأكبر وراء خسارة (أوبك) عائداتها، وليس الإنتاج الروسي».

ويضيف مدير «مركز الطاقة» في «معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية» في روسيا الاتحادية، أنه كان للأزمة المالية العالمية تأثير في العلاقات بين «أوبك» وروسيا، ويشرح: «لم تكن روسيا مسؤولة عن الأزمة، والواقع أنها كانت آخر دولة تأثرت بها. وقد شعر الزعماء الروس الذين تنقصهم الخبرة أن بلادهم (جزيرة استقرار). وهذه هي مشكلة روسيا: قيادة تعوزها الكفاءة أودت بالاقتصاد الروسي إلى الانهيار. وقد تبع المسؤولون التنفيذيون عن النفط في روسيا القيادة، وبالتالي لم يخفضوا صادرات الطاقة في خريف عام 2008، الأمر الذي سبب كثيرا من النقد من جانب (أوبك)».

ووجه الخبير الروسي انتقادات كبيرة للسياسة النفطية التي يتبعها الاتحاد الروسي وافتقاره إلى الحكمة، كما يصفها، وقال مدللا أن روسيا عمدت إلى زيادة الصادرات النفطية على الرغم من الأزمة المالية بهدف تحقيق عائدات فورية ما أثار استياء بعض بلدان «أوبك». ويقول البروفسور نودري إن الصناعة النفطية التي كانت مركزية في السابق أضحت مبعثرة بعد التفكك، وموجودة ضمن خليط من الشركات التجارية التابعة للدولة والشركات الخاصة المندمجة والشركات الأجنبية، الأمر الذي يعني أن الصناعة النفطية في الاتحاد الروسي باتت مختلفة كليا عن نظيراتها في بلدان «أوبك». وخلص الباحث إلى التوصية بضرورة توحيد الجهود لجميع الشركاء بهدف بناء نظام خاص لتسعير النفط، فضلا عن ضرورة تحقيق اجتماعات بين المصدّرين والمستهلكين معا والاتفاق على معايير موحدة لتسعيرة النفط تكون منصفة ويلتزمها الجميع.

ولعل أبرز النتائج التي تمخض عنها المؤتمر على مدار ثلاثة أيام، عرض خلالها أربع عشرة ورقة بحثية، ضرورة تضافر جهود الجميع لتوفير أقصى درجات الأمن ومواجهة أي ظرف أو تحديات قد تؤثر في أمن الإنتاج أو مسارات الإمداد، باعتبار أن ضمان أمن الطاقة للدول المنتجة لها ومواجهة التحديات التي تواجهه، يجب ألا تحجب التزام حقوق الدول المستهلكة لها، وحاجتها إلى ضمان التدفق الآمن للطاقة وفق احتياجاتها وبالمعدلات المناسبة.

ويشير المشاركون إلى أن قطاعات الطاقة تواجه تحديات رئيسية في تأمين الإمدادات اللازمة للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي والحاجة إلى احترام البيئة، فالتغير المناخي العالمي يمثل تحديا رئيسيا، لذا يرون أنه لا بد من العمل معا لخفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون، لا سيما أن منطقة الخليج تواجه مستويات سريعة الارتفاع من التلوث وما يصاحبها من الآثار الصحية والمادية.

ويقول الخبراء إن أمن الطلب يمثل أهمية كبيرة للدول المنتجة للطاقة، خاصة في ظل الغموض الذي يحيط بالسياسات المتناقضة للطاقة في الدول المستهلكة ومسألة النمو الاقتصادي المستقبلي، «لأن هذا يجعل من الصعب وضع استراتيجيات فعالة للاستثمار في القدرة الإنتاجية المستقبلية، ما يفرض على الدول المستهلكة ضمان الشفافية وطرح التوقعات الواقعية لاحتياجاتها المستقبلية».

ولفت المشاركون إلى أن من مصلحة «دول مجلس التعاون الخليجي» أن تحتفظ بقدرة إنتاجية احتياطية، ولو بقدر ما تملكه الآن على الأقل، ولا يتم استخدام هذه القدرة الاحتياطية إلا أثناء فترات ارتفاع الأسعار.

وفي شأن دول التعاون الخليجي، اعتبر أن الخيارات المطروحة بالنسبة إلى مزيج الطاقة المستقبلي في الخليج هي: الغاز الطبيعي والنفط والفحم والطاقة النووية والموارد المتجددة، ولكن يلزم أن تكون حصة الغاز الطبيعي هي الكبرى، لأن توقعات الطلب على الطاقة تشير إلى ضرورة زيادة موارد الغاز الطبيعي بمقدار الثلث.