«غولدمان ساكس» يعتذر عن أخطائه ويقدم 500 مليار دولار لمساعدة المشروعات الصغيرة

لمساعدة آلاف المشروعات الصغيرة على التعافي من الأزمة الاقتصادية

مقر بنك «غولدمان» في نيويورك
TT

ما هو حجم ما يمكن أن يشتريه اعتذار ونصف مليار دولار؟ الكثير، كما يأمل «غولدمان ساكس».

فبعدما دافع بقوة عن أرباحه وأجوره الهائلة، وهو ما كان يتعارض مع دعاوى وضع ضوابط في أحلك أوقات الأزمة الاقتصادية، يجرب بنك «غولدمان» حاليا توجها جديدا، حيث إنه أعلن اعتذاره عن الأخطاء السابقة التي أدت إلى الأزمة المالية وأعرب عن المشاركة بجزء من ثروته.

فبعد أقل من أسبوع من إطلاق رئيس «غولدمان» ومديره التنفيذي النيران عندما قال إن وول ستريت «كانت تنفذ أوامر الله»، قال البنك يوم الثلاثاء إنه سوف ينفق حوالي 500 مليون دولار ـ أو ما يعادل 3 في المائة من 16.7 مليار دولار كان البنك يحتفظ بها لدفعها لموظفيه خلال العام الجاري ـ لمساعدة الآلاف من المشروعات الصغيرة على التعافي من الأزمة الاقتصادية.

وفي الوقت نفسه، أظهر لويد بلانكفين بعض التواضع عندما أقر في مؤتمر بنيويورك بأن «غولدمان» قد اقترف بعض الأخطاء وأعرب عن أسفه لذلك. فيقول «لقد شاركنا في أشياء كانت خاطئة تماما، ونحن نادمون عليها، ونعتذر عنها».

ويعد ذلك التصريح أوضح اعتذار عام وتعبير عن الندم يصدره «غولدمان»، وبعد ذلك بعدة ساعات ـ كما لو كان لإبراز ذلك الاعتذار ـ صرح البنك بأنه يعمل مع أكبر حملة الأسهم لديه ـ المستثمر الملياردير وارن بافيت ـ على وضع برنامج لمساعدة 10 آلاف من المشروعات الصغيرة؛ حيث سيقدم البنك لأصحاب المشروعات الصغيرة دورات تدريبية مالية وإدارية، كما سيوفر لهم المدربين ويقدم المنح.

جدير بالذكر أن البنوك في وول ستريت قد تمكنت من استعادة قدرتها على تحقيق المكاسب ـ ولكنها لم تستعد منزلتها بين الجماهير؛ نظرا لأنها كانت تكدس المال في الوقت الذي يرزح فيه المواطن الأميركي العادي تحت وطأة الأزمة المالية، وهو ما جعل الصناعة المالية تصبح هدفا للسخرية في برنامج سهرة يوم السبت ولصفحات مجلة «رولينغ ستون» التي أطلقت على «غولدمان» اسم «الحبار مصاص الدماء الملتف حول وجه الإنسانية». وقد أصر «غولدمان» يوم الثلاثاء على أن مبادرته الخيرية ـ الأضخم في تاريخها ـ لم تأت لعلاج صداع العلاقات العامة الذي يطارده حاليا. وسوف يشرف على البرنامج ـ الذي تحدثت عنه «بلومبرغ للأخبار» قبل عدة ساعات من الإعلان الرسمي عنه ـ مجلس استشاري يترأسه بلانكفين؛ وبافيت، ومايكل بورتر الأستاذ بجامعة هارفارد، بالإضافة إلى بعض المناصرين الكبار مثل الجمهوري غلين هوبارد عميد أكاديمية كولومبيا للمال والأعمال.

يذكر أن غولدمان ساكس كان قد تعافى بشكل مذهل من الأزمة المالية، وأنه كان يخطط لدفع مليارات من الدولارات على شكل حوافز خلال العام الجاري، حيث كان البنك قد أعلن عن أنه سوف يدفع مرتبات مجزية لموظفيه حتى يتمكن من استعادة أهم الكفاءات، ولكن على الرغم من تزايد ثروة «غولدمان ساكس»، فقد تهاوت سمعته. وأغرقت المشكلات المتعلقة بسمعة البنوك خبراء العلاقات العامة بوول ستريت حتى قمة رؤوسهم، حتى إن مجموعة صناعة الأوراق المالية قد اتخذت عدة خطوات لتحسين صورتها من خلال التعاقد مع كبرى شركات العلاقات العامة «برونسيك» التي يشارك فيها رئيس الشؤون العامة وفريق العاملين المعاون لوزير المالية السابق هنري بولسون.

ولكن المشكلات المتعلقة بصورة «غولدمان» كانت الأكثر حدة داخل وول ستريت، حتى إنها أصبحت تتلقى وحدها اللوم عن صناعة يقول الكثيرون عنها إنها كانت تحقق ملايين الأرباح بطريقة غير عادلة من دولارات دافعي الضرائب، وقد لجأ «غولدمان» لعدد من الاستراتيجيات المختلفة لإصلاح صورته المهتزة. وقد أخذ بلانكفين على عاتقه تحقيق تلك المهمة، من خلال عدد من الخطابات التي بدأ يحدد فيها موقف «غولدمان» من الإصلاح المالي. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، أعلن «غولدمان» أنه سوف يضاعف حجم مساهمته الخيرية التي تركز على التعليم إلى نحو 200 مليون دولار وهي الخطوة التي أتت برد فعل عكسي حيث تم تفسيرها باعتبارها خطوة لإسكات الانتقادات العامة. كما أن جهود البنك لاحتواء الصحافة من خلال دعوة الصحافيين إلى مقره المركزي في مانهاتن لشرح كيفية تحقيق البنك للمليارات من الأرباح أخفقت كذلك عندما أصدر بلانكفين تصريحه المتعلق بـ «تنفيذ أوامر الله» ولم تخف منذ ذلك حدة الغضب، فقد خرج نحو 200 محتج يوم الاثنين للوقوف أمام مكاتب «غولدمان» احتجاجا على الحوافز، وفقا لأندرو سترن رئيس الاتحاد الدولي لموظفي الخدمات الذي كان يقود تلك الاحتجاجات والذي رحب بحذر يوم الثلاثاء بخطوة «غولدمان»، قائلا «إنه كالدفع مقدما، وخطوة للأمام ونتمنى أن تكون بداية لمناقشات مختلفة على المدى البعيد تتعلق بكيفية بناء اقتصاد يستطيع من خلاله الجميع المشاركة في النجاح؟ أما إذا كان ذلك مجرد جزء من أنشطة العلاقات العامة فلن يكون كافيا». ومن جهة أخرى، ذكرت غولدمان أنها كانت تعمل على برنامج المشروعات الصغيرة منذ ما يقارب العام، وأكدت أنها كانت تفكر في تخصيص مبلغ 500 مليون دولار قبل أربعة أشهر، أي قبل مدة طويلة من أزمات العلاقات العامة الأخيرة التي عانت منها. ولكن ـ سواء كان ذلك مصادفة أم لا ـ نجح البرنامج في الجمع بين «غولدمان» والسيد بوفيت ـ الرجل الذي يقال عنه إنه أكثر المستثمرين الأميركيين حكمة واستقامة والذي ذهب لإنقاذ «غولدمان» خلال العام الماضي في أحلك أيام الأزمة المالية حاملا مليارات الدولارات كاستثمار جديد. وفي لقاء أجري معه، قال بافيت إن «غولدمان» يواصل معه لكي يشارك في تلك الجهود «قبل ما يقارب الشهر». مضيفا أنه قال للبنك إنه لن يخصص أي جزء من ماله الخاص لذلك البرنامج إلا أنه يستطيع توفير نصائح وخبرات 35 ألفا من «ذوي الخبرة العملية». فيقول بافيت «لم أكن لأفعل ذلك إذا لم أكن مقتنعا بأن أصحاب المشروعات الصغيرة في بلادنا سوف يحققون مكاسب هائلة». وفي الوقت نفسه، أكد أنه لم ينزعج من المشكلات المتعلقة بصورة «غولدمان» ودافع عن الأرباح الكبرى التي حققها. فيقول «إنهم يحققون الكثير من المال الآن. وأنا أتفق مع ذلك تماما. وأعتقد أن ذلك البرنامج سيكون مفيدا».

وبمقتضى الخطة، فسوف يقدم «غولدمان» 200 مليون دولار لأصحاب المشروعات الصغيرة للحصول على تدريب مالي وإداري على مستوى الكليات المحلية وغيرها من الأماكن ـ سيكون البرنامج الأول في جامعة «لا غارديا» بكوينز بنيويورك، حيث سيوفر البنك المدربين وخدمات الشبكات. وأكد «غولدمان» أن لديه قائمة طويلة من الموظفين المستعدين للمشاركة في عمليات التدريب.

وفي المرحلة الثالثة من الخطة، سوف يقدم «غولدمان» 300 مليون دولار على هيئة منح وقروض للمشروعات الصغيرة وسوف يأتي جزء من مبلغ الـ 500 مليون دولار من مبلغ 400 مليون دولار المتوافر لدى البنك.

* خدمة «نيويورك تايمز»