المنتدى الاقتصادي العالمي: العالم لا يزال يسير في العاصفة.. والأزمة المالية ليست وراءنا

العبار: الإعلام الغربي تجاوز كل الخطوط في أزمة دبي.. و5% نسبة النمو في 2009 > صندوق النقد يتوقع نموا ضعيفا للاقتصاد العالمي

جانب من الجلسة الافتتاحية لقمة مجالس الأجندة العالمية التي افتُتحت في دبي أمس («الشرق الأوسط»)
TT

بقليل من التفاؤل وشيء ليس بالقليل من التشاؤم، انطلقت أمس في دبي قمة مجالس الأجندة العالمية، وكانت اللغة السائدة في افتتاح القمة هي أن العالم لم ينتهِ من أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها منذ الكساد العالمي الكبير، فالعالم لا يزال يمر بأزمة مالية قاسية، و«الأزمة ليست وراءنا حتى الآن».. و«التعاون العالمي كان في أدنى مستوياته».. و«لا نزال نمر في العاصفة» بعد أن كان العالم العام الماضي «في عين العاصفة».

هذه العناوين الرئيسية عن الاقتصاد العالمي، وأزمته المالية القاسية التي لا تزال تتصدر قائمة الاهتمامات حول العالم، كانت من خلال قمة مجالس الأجندة العالمية التي ينظمها المنتدى الاقتصادي العالمي، للسنة الثانية على التوالي، بالتعاون مع حكومة دبي ويشارك فيها أكثر من 700 مفكر من الأكثر تأثيرا في العالم، من الأكاديميين وقطاع الأعمال والمسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني من 90 دولة، بهدف تبادل الأفكار والتعاون من أجل معالجة بعض أبرز القضايا والتحديات الكبرى التي تواجه العالم.  وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة، وفيما قال اللورد مالوك بروان، المستشار الأول في المنتدى الاقتصادي العالمي، أن تبعات الأزمة لا تزال حاضرة في العالم أجمع، وأن «الأزمة ليست وراءنا حتى الآن»، فإن ريتشارد سامنز مدير المنتدى الاقتصادي العالمي، انتقد التعاون العالمي الذي اعتبره كان من أبرز مسببات الأزمة المالية العالمية، مؤكدا أن الأزمة المالية كانت «كلفتها باهظة على الجميع»، وأن نظام الرقابة المالية لم يكن سليما خلال العشرين عاما الأخيرة.

وكان روبرت زوليك رئيس البنك الدولي الأسبوع الماضي قد ذكر أنه يشعر بارتياح بالنسبة إلى أداء الاقتصاد العالمي خلال 2009، لكنه أوصى الحكومات بعدم وقف برامج التحفيز الاقتصادي العام المقبل، مطالبا باستمرار إجراءات التحفيز عام 2010 دون طرح حزم تحفيز جديدة.

غير أن الحديث الأكثر صراحة في قمة دبي العالمية، كان من محمد العبار رئيس شركة «إعمار» العقارية والرئيس المشارك لقمة مجالس الأجندة العالمية وعضو المجلس التنفيذي (الحكومة المحلية) في دبي، الذي قال إنه في الوقت الذي كان العالم قبل عام من الآن «في عين العاصفة»، فإن «العالم لا يزال يمر في العاصفة ذاتها»، مضيفا: «دون شك هذا العام أفضل من العام الماضي».

وفي منتصف الشهر الماضي قال الدكتور نائب رئيس مجلس إدارة المصرف المركزي الإماراتي، إن تأثيرات الأزمة المالية العالمية على دول الخليج قد انتهت، وإن المنطقة خلال فترة الأزمة لم تشهد أي مخاطر مباشرة، مدللا على حديثه عن قوة الاقتصاديات الخليجية في مواجهة الأزمة، بأن القيمة الحالية لاحتياطات النفط التي تملكها دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 18.3 تريليون دولار.

العبار اعتبر أن منطقة الشرق الأوسط بحال أفضل بكثير من العالم، وأنه متأثر فقط لأنه مرتبط بالعالم باعتباره «جزءا من الاقتصاد العالمي». وأشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط تعودت الحروب والأزمات «لكنها لم تمر بأي أزمة اقتصادية كهذه الأزمة المالية العالمية. الكساد العالمي الكبير لم يمر من هنا سابقا. لم نواجه شيئا من هذه الخطورة مسبقا»، مشيرا إلى أن وضع الشرق الأوسط يختلف عن العالم، وأن ميزانيات حكومات المنطقة تساعد على تخطي الأزمة، مشيرا إلى وجود ديون حكومية على مستوى العالم تصل إلى تريليونات الدولارات، وأن المصارف العالمية ليست في أفضل حال.

واستغرب العبار من عدم ملاحظة العالم للأزمة قبل حدوثها، وتساءل: «كيف لم نلاحظ أي من مقدمات الأزمة عندما كانت الطفرة حاضرة؟».

ولعل اللافت في حديث العبار هو قوله إن دبي بعد أن كانت تنمو 14 في المائة سنويا، فإن التوقع أن يصل النمو هذا العام إلى 5 في المائة، وهو ما اعتبره المسؤول الإماراتي نسبة جيدة في ظل الوضع الحالي، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي.

وتعد نسبة الخمسة في المائة التي يتوقعها العبار هي أكثر نسبة يتوقعها مسؤول حكومي إماراتي على الإطلاق. والشهر الماضي قال سلطان المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي إنه يتوقع أن يصل النمو في بلاده إلى 1.3 في المائة عام 2009.

وبحسب العبار فإن الدفعة الثانية من السندات التي ستبيعها حكومة دبي، والمقدرة قيمتها بعشرة مليارات دولار، ستطرح قريبا، وهي «في مراحلها النهائية».

وطرحت دبي برنامجا لإصدار سندات بقيمة 20 مليار دولار في فبراير (شباط) من العام الجاري، في خطوة لمساعدة الشركات الحكومية. واكتتب المصرف المركزي الإماراتي بكامل قيمة الدفعة الأولى البالغة عشرة مليارات دولار.

وانتقد العبار بشدة الإعلام الغربي الذي قال إنه «تجاوز كل الخطوط» في تعاطيه مع أزمة دبي، مشيرا إلى أن دبي خلال هذه الأزمة تعرضت للكثير من الأخبار غير الصحيحة، لافتا إلى أن الإعلام الغربي ركز على أزمة دبي «لأن القصص السيئة عن دبي تبيع».

ودلل على أن الأزمة المالية العالمية لم تكسر دبي بالقول إن عدد سكان الأمارة قد زاد خلال الاثني عشر شهرا الماضية بمقدار 400 ألف نسمة «وهذا العدد أكثر 5 مرات من نمو سكان مدينة فلوريدا الأميركية في وقت الطفرة»، مشيرا إلى أن الحكومة المحلية في دبي سددت 10 مليارات دولار ديونا خلال العام الماضي. وأضاف: «أنا متفائل باستقرار هذه المدينة (دبي) فهي مركز مالي لأكثر من 300 مليون نسمة، صحيح أن الولايات المتحدة وأوروبا يقطنها 300 مليون نسمة، لكن هناك 9 مراكز مالية مختلفة، لكن هنا لا يوجد إلا مركز واحد فقط وهو دبي».

وتضم قمة الأجندة العالمية 76 مجلسا يلتقي فيها أبرز خبراء العالم في شتى المجالات، بحيث يعملون معا على إيجاد حلول للقضايا الرئيسية والمساعدة في رسم ملامح العالم ما بعد الأزمة. كما يعمل المجتمعون في القمة على تحري أفضل السبل لمعالجة ثغرات الحوكمة العالمية، ودراسة أوجه الترابط بين مختلف المجالس، حيث ستكون هذه المداولات، إلى جانب توصيات المجالس لتعزيز التعاون العالمي، بمثابة إطار عمل لتنظيم الجلسات خلال الاجتماع السنوي الـ40 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي سينعقد في يناير (كانون الثاني) 2010.

ويقول المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور كلاوس شواب، في تصريحات سابقة، إن «العالم لم يسبق أن واجه أجندة قضايا معقدة كالتي نواجهها اليوم، حيث هناك الكثير من التحديات التي تتعين معالجتها في وقت واحد». وتشكل قمة مجالس الأجندة العالمية في دبي استمرارا للجهود التي تبذلها مجموعة العشرين والمؤسسات الدولية الأخرى في سبيل معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية. ويعكف 50 من مجالس الأجندة العالمية على تطوير مقترحات في المجالات التالية: إيجاد أطر للقيم، وتناول القيم المشتركة اللازمة للتعايش البنّاء في عالم مترابط يتميز بالتنوع الثقافي، وتخفيف المخاطر العالمية ومعالجة أوجه القصور، وتقوية الاقتصادات، وتعزيز الأمن، وضمان الاستدامة، وبناء مؤسسات فعالة، ومناقشة السياق المؤسسي اللازم من أجل حوكمة عالمية فعالة.

ومن ناحية أخرى أعلن جون ليبسكي نائب مدير صندوق النقد الدولي أمس الجمعة، أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو انتعاش مستمر لكن نظرا لمخاطر التعرض لتراجع آخر، فإنه من السابق لأوانه إنهاء إجراءات التحفيز.

وقال في مقابلة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دبي «نعتقد أننا في الطريق إلى نمو مستمر لكن الانتعاش سيكون محدودا نسبيا.. ضعيفا نسبيا».

وأضاف «وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل المخاطر المتعلقة بإمكانية حدوث تراجع آخر».

وكانت المخاوف المتعلقة بانتعاش نمو الاقتصاد العالم قد أضرت بالأسواق العالمية في الأيام القليلة الماضية وسط ارتفاع البطالة الأميركية ومخاوف من انحدار بعض الاقتصادات الأوروبية في كساد أعمق العام المقبل.

وحث الصندوق الدول على الإحجام عن إلغاء سياسات التحفيز.

وقال ليبسكي إنه رغم أن الوقت قد حان للتفكير في الخروج من سياسات التحفيز فإنه لا يتعين اتخاذ أي إجراء الآن ويتعين على الحكومات تطبيق تحفيزات جديدة تعهدت بها بالفعل لعام 2010.

وقال كذلك إن الدولار ما زال أعلى قليلا نسبيا في التوازن بين العملات على المدى المتوسط في حين ما زالت العملات الآسيوية مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.

وقال ليبسكي إنه يتعين على دول الخليج التمسك بربط عملاتها بالدولار الأميركي.

واكتسبت فكرة التخلي عن ربط العملات بالدولار زخما كبيرا بعد انخفاض العملة الأميركية إلى أدنى مستوياتها في 15 شهرا وانتعاش أسعار النفط الذي يساعد دول أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم على الانتعاش.

وقال «فيما يتعلق بالخليج في الوقت الراهن فإن الدول التي تربط عملاتها بالدولار لا تواجه مشكلات تضخم». وأضاف «ربط العملات خدم مصالح هذه الاقتصادات في السنوات القليلة الماضية ومستمر في ذلك في الوقت الراهن. وفي المستقبل ومع تغير الظروف ربما تكون خيارات أخرى هي الأفضل».