بحث نظريات المؤامرة المتعلقة بالأزمة المالية في أميركا

تكهنات ونظريات تتناول الأزمة من ارتفاع أسعار البنزين إلى انهيار المؤسسات المالية

في ظل المخاوف الكبرى نشهد انتشار عدد متزايد من نظريات المؤامرة (إ.ب.أ)
TT

قبل ذلك كانت الأمور أكثر بساطة، حيث كان كل شيء يحدث في العالم المالي له تفسير مباشر. فعلى سبيل المثال، في انهيار 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1987 الذي خسرت خلاله بورصة الأوراق المالية في الولايات المتحدة في يوم واحد أكثر من خمس قيمتها، كانت هناك تكهنات معقولة حول الأسباب التي أدت إلى انهيار السوق إلى هذا الحد وبتلك السرعة؛ حيث ألقي باللائمة على شيء لم يسمع عنه معظم الناس من قبل (لا قبل الأزمة المالية ولا بعدها) يطلق عليه «عمليات التداول المبرمجة»، وبالتالي تم فرض الكثير من الضوابط عليه. ولكن سرعان ما عاد كل شيء إلى سابق عهده، ونهضت الأسواق المالية من عثرتها وتلاشت القضية، وأصبحت مناقشة الأسباب المالية للانهيار مقتصرة على اللجان الرئاسية والأكاديميين.

وبالطبع تبدو أزمة الأسواق في 1987 بالنسبة لنا حاليا مجرد فترة قصيرة من التوقف السار مقارنة بالكابوس الذي نعيش فيه حاليا. وفي ظل المخاوف الكبرى ـ التي تذكرنا بما كان يعرف بالذعر الأحمر في الخمسينات ـ نشهد انتشار عدد متزايد من نظريات المؤامرة.

وفي الحقيقة فذلك ليس مفاجئا. ففي مقال له بعنوان «نمط جنون الارتياب في السياسة الأميركية» نشر في عام 1963 تعجب ريتشارد هوفستيدير من الحد الذي أصبح فيه جنون الارتياب مقبولا كجزء من الحوار السياسي. وبالتالي، يبدو طبيعيا أن يمتد جنون الارتياب إلى الحوار حول الأنظمة المالية كذلك.

وعلى غرار جميع مجالات نظرية المؤامرة، يوجد نوعان من النظريات التآمرية في وول ستريت: التاريخ البديل والعوامل الخفية.

ويستطيع الوقت ـ في بعض الأحيان يقتضي الأمر وقتا طويلا للغاية ـ وحده أن ينفي النظرية التآمرية أو يثبت صحتها.

وبالتالي فهذا دليل إرشادي للاتجاهات المهيمنة على النظريات التآمرية بوول ستريت، تم وضعه مع ترتيب تلك النظريات وفقا لقوتها وشعبيتها ومعقوليتها ووضعها على مقياس مدرج من 1 إلى 5؛ تمثل فيه 1 «بعيدة عن الحقيقة»، بينما تمثل 5 «لقد كنت محقا».

وول ستريت تغش المستهلكين في مضخات البنزين

* نادرا ما تزعج تكهنات وول ستريت التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار الجماهير العادية ـ إلا إذا كانت الأسعار لها علاقة بالأسهم التي اشتروها. ولكن التكهنات الخاصة بأسعار البنزين، ووقود التدفئة، والدجاج، وغيرها من تلك السلع يمكن أن تدفع بالمستهلكين الذين يحملون المذراة إلى الخروج في مسيرات من كنيسة الثالوث. وبالتالي فإن للأمر علاقة بارتفاع أسعار البترول في 2008. هل هناك يد خفية في ذلك؟ لا.. على أي حال، كيف ارتفعت أسعار البترول فجأة؟ هل يمكن أن يكون هناك أشخاص بغيضون يقومون بذلك في وول ستريت؟ حسنا.. هل تعرف؟ إن ذلك هو ما حدث بالفعل. فقد اكتشفت اللجنة التجارية لمستقبل السلع أن المضاربين في البورصة هم من تسببوا في رفع أسعار البترول. وإليك مثال واضح على عبث المتداولين الذين يجلسون خلف الحواسيب المالية بالأشخاص العاديين في الأسواق التجارية. ربما لم يكن هؤلاء المتداولون متعمدين حدوث ذلك ولكن هذا هو ما حدث.

الفئة: العوامل الخفية المدى: 5 القوة: 3 الشعبية: 5 المعقولية: 5.

«غولدمان ساكس» هو الحبار الأسود العملاق مصاص الدماء

* يبدو أن مات تايبي الكاتب بـ«رولينغ ستون» قد لمس الوتر الحساس للطبقات المتذمرة بمقاله الذي نشر في يوليو (تموز) 2009 حول حجم نفوذ «غولدمان ساكس» في واشنطن، وفي وول ستريت، وفي كل مكان.

فـ«غولدمان ساكس» كما وصفه تايبي هو «حبار أسود عملاق يلتف حول وجه الإنسانية». ليست استعارة دقيقة حيث إن (الحبار الأسود هو مخلوق بحري صغير الحجم لا يهاجم الوجوه الإنسانية)، ولكن الانتقادات الأساسية التي طرحها مقاله كانت صحيحة؛ حيث كان بنك «غولدمان ساكس» يظهر على نحو غريب كلما حدثت أزمة. وبالرغم من أن تايبي لم يذكر ذلك، فإن غولدمان كان ضالعا في استقالة الرئيس التنفيذي لبورصة نيويورك ريتشارد غراسو بعدما أصبح يمثل حرجا بالنسبة له.

وتعد نقطة الضعف في القضية ضد «غولدمان» هي اعتمادها على المبالغة، مثل الزعم بأن «غولدمان» هو المسؤول عن كل تلاعب رئيسي في السوق منذ الكساد الكبير.

ولكن النقطة الرئيسية في مقاله كانت صحيحة: فقد كان لـ«غولدمان» دور محوري في إخفاق مشتقات الرهن العقاري، حيث كانت مجساته منتشرة في الحكومة قبل ذلك بفترة طويلة. وهي قضية تقليدية تتعلق بالتمركز المبالغ فيه للسلطة. فإن لم تصدقني، يمكنك أن تسأل القسم التنفيذي بلجنة الأوراق المالية والبورصة. كنت قد أعطيت نظرية المؤامرة تلك «3» على مقياس المعقولية، ولكن بعد أن أصبح آدم هو المدير التنفيذي للجنة الأوراق المالية والبورصة، حصلت تلك النظرية على تصنيف مختلف.

الفئة: التاريخ البديل المدى: 5 القوة: 3 الشعبية: 5 المعقولية: 4.

تيم غثنر.. لعبة في أيدي كبار المصرفيين

* كنت معترضا على وضع هذه النظرية ضمن نظريات المؤامرة، لأن الأدلة على صحتها واضحة للغاية؛ فلا يوجد شك في أن تيم غثنر يعشق الحديث إلى مديري المؤسسات المالية الكبرى، وكان ذلك قبل ظهور رسائل البريد الإلكتروني التي تكشف اتصاله عندما كان وزيرا للمالية بكل تنفيذيي البنوك الكبرى، وكان ذلك هو الحال أيضا عندما كان غثنر رئيسا للبنك الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك، والجميع يعرف ذلك. وقد اعترف المصرفيون بأنهم كانوا يثرثرون مع غثنر.

ربما يقول البعض وما الغضاضة في ذلك، وأنه ليس مفاجئا بالنسبة لأحد المبتدئين في الأسواق المالية أن يعتمد على آخرين ـ على سبيل المثال غولدمان ساكس المذكور مسبقا ـ خاصة وغيرالد كوريغان، سلف غثنر وصديقه يعمل به. ويكون ثمن الحصول على كل تلك الخبرات الكبيرة هو أن تبدو تابعا لهؤلاء الآخرين الذين استمددت منهم كل تلك الخبرات الهائلة، وهذا تماما هو ما حدث مع غثنر. وبالرغم من أن القول بأن غثنر كان لعبة في يد وول ستريت قاسيا بعض الشيء، فإنه من الصعب تجاهل تلك الحقيقة.

الفئة: العوامل الخفية المدى: 2 القوة: 5 الشعبية: 3 المعقولية: 5.

البيع على المكشوف هو ما قضى على «بيرسترنز» و«ليمان براذرز»

* إن التاريخ المعترف به لانهيار «بيرسترنز» و«ليمان براذرز» هو أن الاثنين كانا ضحية لأفعالهما الخاصة؛ المبالغة في المستهدفات، ضعف الأهلية، الخروج عن المسار، الجشع، مما دفع شركاتهما وبورصاتهما إلى الانهيار. يمكنك أن تصدق أن التنفيذيين بهذين المصرفين كانوا مسؤولين عن الأزمة، ويمكنك أن تصدق أعذارهم، وهما نقيضان متشابهان على نحو مثير للدهشة.

وقد ألقى كل من آلان شوارتز من «بيرسترنز» وديك فولد من «ليمان براذرز» اللوم على عاتق المضاربين، ومروجي الإشاعات والبيع على المكشوف باعتبارهم العوامل الأساسية وراء انهيار شركاتهم، وذلك خلال مثولهم أمام لجان الكونغرس. ومن جهة أخرى، أكدا أن الإجراءات التي كانا يتخذانها لا تشوبها شائبة. كما يقال إن البائعين على المكشوف ـ هم أشخاص يبيعون الأسهم المالية على المكشوف ولكنهم لا يقترضون الأسهم ـ قد اصطفوا معا خلال فترة ترنح «بيرسترنز» و«ليمان»، مما دفع إلى هبوط أسعار الأسهم. ويؤكد أصحاب النظرية التآمرية أن الشركتين انهارتا على أيدي البائعين على المكشوف.

ويؤكد مات تايبي الكاتب بـ«رولينغ ستون» والمذكور مسبقا وأحد المدافعين عن ذلك الاتجاه ذلك من خلال مقال له بعنوان «الخداع المكشوف» يقول فيه إن «بيرسترنز»: «قضي عليه من الداخل»، و«تكرر السيناريو نفسه في قضية (ليمان براذرز)، فقد كان كلاهما يتفاخر بتورطه بوضوح في قضية تتعلق بالتلاعب بالسوق ـ وهي البيع المكشوف».

ومن جهته، لم يساعد كريستوفر كوكس رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة فيما يتعلق بالتاريخ البديل للأزمة المالية عندما قال في يوليو (تموز) 2008 إنه لم تكن هناك عمليات بيع على المكشوف للأوراق المالية غير مقيدة. ولكن دراسة أكاديمية لم تحظ بشهرة واسعة صدرت في مايو (أيار) 2009 بجامعة أوكلاهوما قد نفت ذلك من خلال الدراسة التي أجرتها على بيانات التداول نفسها التي حللها الباحثون المؤمنون بنظرية المؤامرة. فقد اكتشفت تلك الدراسة أنه «لا يوجد دليل على أن انخفاض أسعار الأسهم المالية يعود إلى عمليات البيع على المكشوف»، وأكدت أن كل عمليات البيع على المكشوف تمت بعد انهيار أسهم الشركتين.

وعلى الرغم من مرور عام كامل على انهيار الشركتين، فإنه لا توجد حتى الآن دعاوى قضائية تلاحق أحد المسؤولين عن انهيار «بيرسترنز» أو «ليمان». وبالتالي فيمكنك أن تصدق سواء أن شوارتز أو فولد لم يكونا مسؤولين عن انهيار الأسهم أو أن لجنة الأوراق المالية والأسهم ترفض الحصول على المجد من خلال إلقاء القبض على الأوغاد، أو يمكنك الاعتقاد بأنه لم يتم النيل من أحد بتهمة بيع الأسهم على المكشوف لأنه لا يوجد من يمكن أن ننال منه.

الفئة: التاريخ البديل المدى: 4 القوة: 5 الشعبية: 4 المعقولية: 1.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»