أزمة «ديون دبي»: أبوظبي تدعم لكن بشروط.. وبنك «إتش أس بي سي» يؤكد مساندته لحكومة دبي

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: دبي طلبت إعادة جدولة الديون ولم تعلن عجزها عن السداد * تقرير: «المركزي الإماراتي» قد يتدخل لضمان 59 مليار دولار من ديون «دبي العالمية»

TT

فيما لا تزال عاصفة «ديون دبي» تسيطر على الأسواق العالمية، بدت بعض من الأخبار الإيجابية تظهر لطمأنة العالم بقدرة الإمارة على الخروج من نفق هذه الأزمة، لكنها ربما لن تكن كافية لتفعل فعلتها، فقد قال مسؤول كبير في حكومة أبوظبي، إن الجارة الغنية ستتدخل لمساعدة دبي في أزمتها الحالية، غير أن هذا الدعم من أبوظبي لن يكون مفتوحا بل سيكون مشروطا، كما أن أبوظبي أكدت أنها لن تغطي كل ديون دبي.

ولا يعرف حتى الآن كيف ستستقبل الأسواق العالمية، المغلقة اليوم، أنباء تأكيد أبوظبي على أنها ستسدد جزئا من ديون دبي، التي أعلنت الأربعاء أنها ستطلب من دائنيها تأجيل سداد ديونها المستحقة على شركة «دبي العالمية»، لمدة ستة أشهر.

لكن مصادر مطلعة في دبي أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الإمارة طلبت إعادة جدولة الديون ولم تعلن عجزها عن السداد. مشيرة إلى أن التوجه العام هو إعادة هيكلة مجموعة دبي العالمية، التي تأتي إعادة هيكلة هذه الديون جزءا من تنظيم إعادة الهيكلة، وأضافت المصادر «لم يقل أحد إن هناك توجها لعدم تسديد الديون المستحقة على دبي. في الوقت الذي يبدو فيه الهلع في العالم وكأن دبي امتنعت عن تسديد كل ديونها المستحقة عليها وهو أمر غير صحيح إطلاقا».

ومنذ انطلاق الأزمة المالية العالمية قبيل ثمانية عشر شهرا تقريبا، وعين العالم على دبي لمعرفة قدرتها على تجاوز أزمة الديون هذه، ونجحت الإمارة منذ ذلك الحين في الالتزام بكافة المستحقات المترتبة على الشركات التابعة لها، قبل أن تعلن نهاية الأسبوع أنها ستطلب تأجيل مستحقات تبلغ 35 مليار دولار قيمة صكوك مستحقة على شركة «نخيل العقارية»، التابعة لـ«دبي العالمية»، لمدة ستة أشهر.

وفي فبراير (شباط) الماضي ضمنت بورصة دبي إعادة تمويل على المدى القصير لقرض قيمته 3.8 مليارات دولار يستحق في نهاية ذلك الشهر. وبعد أسبوع فقط، أعلنت حكومة دبي إصدار برنامج سندات بقيمة 20 مليار دولار، وباعت على الفور نصف المبلغ إلى بنك الإمارات المركزي. ويوم الأربعاء الماضي أصدرت دبي صكوكا بخمسة مليارات دولار اكتتب بها بنكان من أبوظبي.

ويوم أمس نقل عن مسؤول كبير في حكومة العاصمة الإماراتية أبوظبي، أن الحكومة المحلية «ستحدد وتختار» طريقة مساعدة جارتها دبي المثقلة بالديون. وكان لافتا في تصريح حكومة أبوظبي، الذي نقلته «رويترز»، إن أبوظبي ستحدد طريقة وكيفية معالجة التزامات دبي «ونعالج كل حالة على حدة، ولا يعني هذا أن أبوظبي ستغطي كل الديون».

وهذا هو التصريح الأول من نوعه من حكومة أبوظبي بشأن تدخلها لمعاونة دبي في أزمة مديونيتها الحالية. لكن خبراء يعتقدون أن طريقة المساعدة الانتقائية هذه لبعض الشركات المديونة التي تعاني من نقص في السيولة، سيقلص من سقف توقعات المستثمرين الذين ربما لا تلبي هذه الطريقة تطلعاتهم في تخطي هذه الأزمة، خاصة أن غالبية المستثمرين يتوقعون أن أبوظبي ستدعم دبي بالكامل وليس بطريقة انتقائية.

وترتبط الإمارات السبع ببعضها بحكم فيدرالي، وكل إمارة مسؤولة عن نفقاتها وإيراداتها، وتمول إمارتا أبوظبي ودبي الميزانية الاتحادية، فيما لا تسدد بقية الإمارات التزاماتها في الميزانية السنوية. وبحسب ميزانية عام 2010 فقد ساهمت حكومة أبوظبي بمبلغ 16.3 مليار درهم إماراتي، من ضمن مصروفات الميزانية البالغ إجمالي قيمتها 43 مليار درهم، فيما ساهمت إمارة دبي بمبلغ 2.1 مليار درهم.

وتعليقا على خطة أبوظبي لدعم جارتها دبي، قال المسؤول الحكومي في حكومة أبوظبي «بعض كيانات دبي تجارية شبه حكومية. أبوظبي ستحدد وتختار متى وأين تقدم المساعدة».

وتضخ أبوظبي 90 في المائة من النفط الذي يجعل الإمارات ثالث أكبر بلد مصدر للخام في العالم، وسبق أن قدمت بالفعل 15 مليار دولار دعما غير مباشر إلى دبي عن طريق مصرف الإمارات المركزي وبنكين.

وقال المسؤول في أبوظبي: «إلى أن تتضح الأمور أكثر، من الصعب جدا اتخاذ أي قرار استثماري جديد بشأن السندات. هناك أشياء كثيرة ينبغي على دبي توضيحها».

وفي ما يشبه سعيا لمساندة دبي في أزمتها الحالية، أوضح بنك HSBC أمس، أنه يدعم إمارة دبي لمواجهة أزمة الديون الحالية، وقال مايكل غيغان، الرئيس التنفيذي لمجموعة HSBC «على الرغم من أن حجم أعمالنا في منطقة الشرق الأوسط لا يمثل سوى 2 في المائة من الميزانية العمومية للمجموعة، فإنها تعتبر جزءا بالغ الأهمية بالنسبة لاستراتيجية أعمال HSBC المصرفية على المستوى الدولي من حيث الفرص الكبيرة التي توفرها المنطقة، التي نؤكد على مواصلة التزامنا تجاهها. وأنا على ثقة تامة بأن قيادة إمارة دبي وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة سوف تتغلب على أي أزمات أو صعوبات قصيرة المدى تواجهها، التي على ما يبدو أنها قد استحوذت على الكثير من الأهمية في الآونة الأخيرة، وبأنها ستنجح في المضي بوضع الأسس الراسخة والقوية لتحقيق المزيد من النمو المستدام».

ومن جانبه، قال سايمون كوبر، الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط» يتمتع بنك HSBC من خلال تاريخ وجوده الطويل في إمارة دبي بعلاقة فريدة مع حكومة دبي ومع الجهات التابعة لها. فقد كان البنك في طليعة المؤسسات المالية التي عايشت وشهدت تطور إمارة دبي وتحولها إلى اقتصاد عالمي بارز. ويواصل بنك HSBC الحفاظ على علاقاته العميقة والمتينة مع كافة الأطراف في الإمارة. ويستمر بنك HSBC في دعمه لدبي انطلاقا من إيمانه بمستقبل الازدهار والنمو طويل الأجل لهذه الإمارة. كما يواصل تقديم الدعم لحكومة دبي لمساعدتها في التوصل إلى إيجاد حل عملي للمشكلات التي تواجهها على المدى القصير».

وتصريح بنك hsbc هو الأول من نوعه الذي يأتي من مؤسسة مصرفية كبرى تدعم إمارة دبي لمواجهة أزمة الديون الحالية.

وكان متحدث باسم مصرف الإمارات المركزي قد قال إن البنك يرقب عن كثب تطورات أزمة ديون دبي لدرء أي تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني.

وبحسب المسؤول في البنك المركزي الاتحادي، فإن «البنك المركزي يرصد التطورات بعناية شديدة للتأكد من عدم وقوع أي تأثير سلبي على اقتصاد الإمارات». محليا.. يترقب المستثمرون في الإمارات العربية المتحدة تفاعل أسواق الأسهم المحلية مع أزمة «ديون دبي» عندما تعاود نشاطها غدا الاثنين، بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى المبارك، التي تستمر أربعة أيام.

وأعلنت حكومة دبي عن قرارها بطلب تأجيل سداد ديون شركة دبي العالمية، بعيد بدء إجازة الأسواق المحلية، وهو ما أجل تفاعل الأسواق هذه مع قرار الحكومة، وإن كانت التوقعات تشير إلى أنها ستتلقى هذا القرار بتراجعات حادة، لكن كل ذلك يعتمد على ردة فعل الحكومة مع هذه الأزمة، التي يتوقع أن تخرج خلال اليومين المقبلين.

وكان التصريح الوحيد الذي ظهر من مسؤولي دبي، هو ما صرح به الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس اللجنة العليا للسياسة المالية، بأن حكومة دبي تقود عملية إعادة هيكلة هذه العملية التجارية وذلك إدراكا منها لرد الفعل في السوق، مضيفا «نتفهم كذلك القلق الذي يعتري السوق والدائنين بوجه خاص، ونؤكد هنا أن تدخلنا قد فرضته الحاجة لاتخاذ إجراء حاسم لمعالجة مسألة عبء الديون».

وتعرضت الأسواق العالمية لهزة عنيفة عندما قالت دبي يوم الأربعاء إنها تقوم بإعادة هيكلة كبيرة في واحدة من أكبر شركاتها القابضة دبي العالمية. وفي إطار برنامج إعادة الهيكلة، أخطر المستثمرون «بتعليق» سداد سندات إسلامية لشركة «نخيل» العقارية قيمتها 3.5 مليار دولار تستحق في 14 ديسمبر (كانون الأول). وبلغت قيمة الالتزامات على دبي العالمية 59 مليار دولار في أغسطس (آب) وهي تشكل الجانب الأكبر من إجمالي ديون دبي البالغة 80 مليار دولار. وأبلغت مصادر مصرفية «رويترز» و«ال.بي.سي»، أن تعرض البنوك في أنحاء العالم لدبي العالمية قد يصل إلى 12 مليار دولار في شكل قروض مجمعة وثنائية. ومن المتوقع صدور بيان عن حكومة دبي يوم الاثنين عندما تستأنف الأسواق نشاطها بعد عطلة عيد الأضحى.

من جهة أخرى، قال متحدث باسم مصرف الإمارات المركزي أمس إن البنك يرقب عن كثب تطورات أزمة ديون دبي لدرء أي تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني. وأبلغ المتحدث «رويترز» بالهاتف أن «البنك المركزي يرصد التطورات بعناية شديدة للتأكد من عدم وقوع أي تأثير سلبي على اقتصاد الإمارات». وقال إن من غير المتوقع أن يصدر البنك المركزي بيانا اليوم الأحد. وقال: «انتظر إلى أن يفتح البنك المركزي يوم الاثنين». وذكر موقع «ماركت وتش» نقلا عن تقرير لموقع «زاوية داو جونز» أن البنك المركزي الإماراتي قد يتدخل لضمان 59 مليار دولار من ديون «دبي العالمية»، الذراع الاستثمارية لإمارة دبي. وذكر التقرير أن أكبر مقرضي «دبي العالمية» هي بنوك محلية في دبي وأبوظبي.