ديون دبي تثير المخاوف إزاء وجود مشكلات أكبر

قلق من عجز كيانات سيادية عن سداد الديون

اثارت المخاوف من إمكانية عجز دبي عن سداد ديونها موجة من الشكوك عبر الأسواق (إ. ب)
TT

تبقى دبي لافتة للأنظار من بين كل الاقتصادات الكثيرة التي أقبلت على الديون بنهم خلال سنوات الازدهار، ففي غضون سنوات قلائل حمّلت الذراع الاستثمارية للإمارة، «دبي وورلد»، نفسها ديونا وصلت إلى 59 مليار دولار، حيث اقترضت لبناء مشروعات تنموية باهظة التكلفة مثل بناء جزيرة ضخمة على شكل نخلة لاجتذاب شخصيات عالمية شهيرة، مثل براد بيت، والاستثمار في عقارات مبهرة، مثل «إم جي إم غراند كازينو» في لاس فيغاس. الآن، انتهت حقبة الازدهار إلى أزمة اقتصادية، داخل كل من دبي والولايات المتحدة. وترزح دبي حاليا تحت وطأة تخمة في عقارات لا يرغب أحد في شرائها أو استئجارها. وقد افترض الدائنون والأسواق دوما أنه عندما تحين اللحظة الحاسمة، ستتدخل الجارة الغنية بالنفط، أبوظبي، لإنقاذ دبي. إلا أن الشكوك أحاطت بهذا الافتراض الأسبوع الماضي، وكان من شأن المخاوف من إمكانية عجز دبي عن سداد ديونها خلق موجة من الشكوك والمخاوف عبر الأسواق في ذات اللحظة التي كان المستثمرون يظنون فيها أن الجزء الأسوأ من حالة انعدام الاستقرار المالي قد ولت.

وصلت مشاعر القلق إلى وول ستريت يوم الجمعة، مما تسبب في انخفاض مؤشر «داو جونز» أكثر من 150 نقطة، وذلك جراء المخاوف التي سيطرت على المستثمرين حيال وجود قنابل خفية تتعلق بالديون داخل دول ومؤسسات أخرى، خصوصا الدول المثقلة بالديون مثل اليونان وحتى بريطانيا، والأسواق الناشئة الصاعدة بسرعة، بل ومصارف أوروبية وأميركية قدمت قروضا لدبي.

تَجلّت مشاعر القلق يوم الجمعة عندما كتب محللون لدى «بانك أوف أميركا» أن «المرء لا يمكنه ـ كمخاطرة ضئيلة الاحتمال ـ استبعاد ظهور ظروف تعجز خلالها كيانات سيادية عن سداد الديون، الأمر الذي سيخلف أصداء عبر مختلف أرجاء الأسواق العالمية الناشئة على نفس النحو الذي حدث مع الأرجنتين في مطلع الألفية الجديدة أو روسيا أواخر عقد التسعينات». بيد أن الأمر لا يقتصر على الأسواق الناشئة، حيث قال جوناثان تيبر، الشريك بشركة «فيريانت بيرسيبشن» البحثية في لندن التي تناولت بصراحة مشكلات الديون التي تجابهها الاقتصاديات الأوروبية: «تكشف لنا دبي أن ما نواجهه الآن هو مشكلة تتعلق بالقدرة على الإيفاء بالديون، وليس قضية سيولة». يُذكر أن دبي طلبت يوم الأربعاء السماح لـ«دبي وورلد» بإلغاء ستة شهور من مدفوعات الفوائد المتعلقة بديونها. قبل ذلك، قامت المؤسسة التي تمثل الوجه التجاري للإمارة بإصدار تعليمات ببناء أكثر مباني الإمارة فخامة، وإدارة موانٍ بمختلف أنحاء العالم، وامتد نشاطها إلى مناطق قاصية من العالم، مثل استثمارها في ممتلكات مثل سلسلة متاجر «بارنيز» في نيويورك. والآن، مثلما كان مصرف «بير ستيرنز» نذيرا بسلسلة من الإخفاقات للمصارف الاستثمارية ذات معدل الرفع مفرطة الارتفاع، فهناك مخاوف من أن تتحول دبي إلى صافرة إنذار للدول المثقلة بالديون. الملاحظ أن ديون الجميع، بما في ذلك اليابان والولايات المتحدة، ناهيك عن الأسواق الناشئة، ارتفعت على نحو بالغ في إطار نضال الدول في مواجهة التداعيات المدمرة للركود العالمي. من جهته قال تيبر: «يمكنك طبع أموال كما يحلو لك، لكن في النهاية عليك سداد فوائد ما تدين به».

جدير بالذكر أن دبي واحدة من الإمارات القلائل داخل الإمارات العربية المتحدة التي لا تحظى سوى بثروة نفطية ضئيلة بها. وتعمل الإمارة بمثابة محور تجاري وسياحي ومالي للإمارات. وساد اعتقاد دوما بأن أغنى الإمارات، أبوظبي، ستسارع دوما لإنقاذ جارتها المبذّرة في الأزمات المالية. بيد أن الإعلان الصادر عن دبي يوم الأربعاء الماضي، قضى على هذا الافتراض، رغم قلق المستثمرين من إمكانية عجز دبي عن سداد ديونها، الأمر الذي سيخلف تداعيات سلبية على عدد من الدول النامية.

من جهته، علّق فهد إقبال، المحلل لدى «إي إف جي ـ هيرميز» هو (مصرف استثماري يركز نشاطه على الشرق الأوسط) بقوله: «جاء هذا الأمر بمثابة صدمة كبيرة». ورغم تأكيد إقبال اقتناعه بوجهة النظر القائلة بأن دبي ستتمكن في نهاية الأمر من تجنب إعلان عجزها عن الوفاء بديونها، فإنه اعترف بأن هذا الوضع سيهز الثقة في دبي بدرجة بالغة. وأضاف: «تتمثل إحدى القضايا الكبرى المثارة حاليا في المصداقية والتأثير المحتمل على جهود جمع الأموال في المستقبل، الأمر الذي قد يخلف تأثيرا مدمرا على خطط البناء وإقامة بنية تحتية داخل دبي والإمارات العربية المتحدة ككل».

عند الحكم اعتمادا على الأرقام، نجد أن المشكلات المالية في دبي ليس من الضروري أن تهز المجتمع المصرفي العالمي بأسره. طبقا لبيانات صادرة عن «مصرف التسويات الدولية»، فإن مصارف أجنبية تواجه خطر التعرض لخسارة بقيمة 130 مليار دولار في ما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة، مع تحمل بريطانيا المخاطرة الكبرى، بقيمة تصل إلى 51 مليار دولار. يُذكر أن مصارف في الولايات المتحدة تملك ديونا بقيمة 13 مليار دولار.

من جانبه، قال ستيفين جين وهو (محلل لدى صندوق التحوط «بلو غولد» لإدارة رؤوس الأموال) إن هناك نسبة مخاطرة كشف هزيلة عبر الحدود لا تتجاوز 0.4% بالنسبة إلى المصارف الأجنبية.

في الواقع، تتمثل أكبر الجهات الدائنة لـ«دبي وورلد» في مصارف محلية في دبي وأبوظبي. ورغم ذلك، فإن من بين المخاوف القائمة أن بعض المصارف البريطانية التي تواجه مخاطرة كشف كبيرة في ما يخص الإمارات العربية المتحدة تعاني مشكلات بالفعل. على سبيل المثال، كان «رويال بانك أوف اسكتلند»، الذي تسيطر الحكومة البريطانية على الحصة الأكبر منه، إحدى أكبر الجهات المقرضة لـ«دبي وورلد»، حيث قدّم إليها قروضا بقيمة 2.3 مليار دولار منذ مطلع عام 2007، طبقا لتقرير صادر عن «جيه بي مورغان». كما كان كل من «ستاندرد تشارترد» و«باركليز» من أكبر جهات الإقراض للمنطقة، حيث تجاوزت قيمة القروض التي قدماها 10 مليارات دولار في ما بينهما، حسبما أوضح محللون. ويواجه «إتش إس بي سي» مخاطرة كشف بالنسبة الإمارات العربية المتحدة تقدر بـ17 مليار دولار. إلا أنه في الوقت الذي ربما لا يثير فيه عجز دبي عن الوفاء بديونها أزمة مصرفية، فإنه قد يثير أزمة أوسع نطاقا في ثقة المستثمرين في الاقتصاديات ذات معدلات الرفع بالغة الارتفاع.

ولم تستغرق الأسواق العالمية وقتا طويلا كي تعكس هذا الشعور بانعدام الأمان. من جهته، تراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي بمقدار 154.48 نقطة، إلى مستوى 10.309.92 يوم الجمعة، بينما أغلقت أسواق في أوروبا وآسيا عند مستوى أعلى بدرجة طفيفة عن مستواها عند الافتتاح الذي جاء متراجعا بدرجة حادة لليوم الثالث على التوالي. وتراجعت أسعار النفط لأقل مستوى لها منذ ستة أسابيع.

وشهدت تكلفة تأمين ديون اقتصاديات مثل اليونان وليتوانيا ارتفاعا بالغا بنسبة 16% و6% على الترتيب خلال هذا الأسبوع. وارتفعت تكلفة تأمين ديون دبي بدرجة هائلة بلغت 67%، بينما لحق الضعف بالجنيه الإسترليني في مواجهة الدولار هذا الأسبوع.

*خدمة نيويورك تايمز - «الشرق الأوسط»