حذر وترقب عالمي من تأثيرات أزمة ديون دبي

خوفا من أن تعيد الأسواق العالمية إلى المربع الأول بعد أن نفضت غبار أزمة الائتمان عنها

TT

أصيبت الأسواق العالمية خلال الأيام الأخيرة بخيبة أمل، بعد تهديد شركة حكومية في إمارة دبي بأنها سوف تعجز عن سداد ديونها، في الوقت الذي يرقب فيه المستثمرون الأخطار التي تطرحها الديون الكبرى داخل اقتصادات نامية.

وطلبت شركة «دبي العالمية» الاستثمارية، المثقلة بخسائر عقارية، من دائنيها خلال الأسبوع الجاري الموافقة على تأخرها إعادة الدفع، وتبع ذلك شكوك من جانب المستثمرين في القوة المالية لدول، من بينها دول خارج العالم العربي. وتسبب ذلك في تراجع أسعار الأسهم داخل الأسواق الناشئة بنسبة 2.1 في المائة.

وأعرب مسؤولون في واشنطن وعواصم أوروبية يقومون بمراقبة الأسواق المالية، عن قلقهم من أن مشكلة ديون دبي سوف تتحول إلى أزمة عالمية. ولكن تراجعت هذه المخاوف خلال اليوم، حيث تراجعت أسواق داخل الولايات المتحدة بنسبة بسيطة، مع تراجع مؤشر «ستاندر آند بورز 500» بنسبة 1.7 في المائة. وحققت أسواق أوروبية مكاسب يوم الجمعة عقب خسائر كبيرة يوم الخميس، عندما أُغلقت أسواق أميركية بمناسبة إجازة عيد الشكر.

وعلى الرغم من أن معظم المحللين يتوقعون أنه سيكون هناك في نهاية المطاف حل لديون «دبي»، فإن الأحداث غير المتوقعة أظهرت مخاطر محتملة يمكن أن تطرح تهديدات لعملية الانتعاش الاقتصادي العالمية. وقد شهدت الأشهر الثمانية الماضية تقدما داخل الأسواق المالية وعودة في النمو في أماكن كثيرة بمختلف أنحاء العالم، ومع ذلك لا تزال الكثير من الدول تواجه تهديد ديون من أعوام الازدهار الاقتصادي.

وتقول راشيل زيمبا، وهي محللة بارزة في «روبيني غلوبال إكونوميكس» مسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط: «ربما تكون الخسائر الفعلية من دبي محدودة بصورة نسبية، ولكنها تظهر أن المشاكل لم تنتهِ بعد، ربما نكون قد خرجنا من الركود الاقتصادي، ولكن الأسس المستترة التي تسببت في أزمة الائتمان لا تزال موجودة».

وكان هناك تقدم واضح في أسواق الأسهم بمختلف أنحاء العالم خلال الأشهر الأخيرة، مع ارتفاع أسهم الأسواق الناشئة بنسبة أكثر من 100 في المائة منذ 2 مارس (آذار). ولكن دفعت أحداث الأسبوع الجاري المستثمرين إلى إعادة النظر في المخاطر التي لا تزال موجودة.

وبالإضافة إلى تهديد العجز عن سداد الديون بإمارة دبي، تعاني الحكومة اليونانية من أزمة مالية وتبدو الكثير من حكومة دول أوروبا الشرقية في وضعية مالية محفوفة بالمخاطر ومن بينها المجر وبولندا ودول البلطيق. وقد قامت بنوك أوروبية غربية بمنح الكثير من القروض داخل هذه الدول، وهو ما يعني أن أي انهيار يمكن أن له تبعاته في مختلف أنحاء القارة الأوروبية. وعلاوة على ذلك، قامت فيتنام بتخفيض سعر عملتها بنسبة 5 في المائة يوم الأربعاء في محاولة منها لتعزيز قطاعات التصدير المتنامية سريعا، ولكن تسبب ذلك في توترات جديدة مع دول آسيوية أخرى تعتمد أيضا على الصادرات. وعلى الرغم من أن عجز «دبي العالمية» عن سداد الدين ربما يتعدى كونه مجرد استراتيجية يمكن نقاشها، تظهر هذه الأحداث حالة الشكوك التي تحيط بالاستثمار خارج الدول الصناعية.

ويقول برنارد بامول، الاقتصادي البارز في «إيكونوميك أوتلوك غروب»: «سوف يظهر ذلك المخاطر الباقية داخل الدول الناشئة. وما يمكن أن نراه خلال الأسابيع القليلة المقبلة هو المزيد من التمييز بين الأسواق الناشئة التي تأخذ ديونا كبيرة في مقابل الاقتصادات الأقوى بصورة فعلية التي لها وضعية أفضل».

وتعاني إمارة دبي بسبب الاستثمار بصورة كبيرة في مشروعات عقارية مع حلول موعد سداد الديون. وفي سعيها إلى أن تكون المركز التجاري والمالي الشامل داخل منطقة الشرق الأوسط، قامت الحكومة بضخ استثمارات كبيرة في سلسلة من الفنادق والمنتجعات والأبراج المكتبية الباهرة. ومن بين المقاصد البارزة: جزيرة صناعية تشبه شجرة نخيل وسكاي دبي للتزحلق على الجليد.

وقامت دبي العالمية بتمويل الكثير من هذه الفورة الاستثمارية وهي تعد من الشركات الاستثمارية الأكبر في العالم. وكانت محل اهتمام العناوين الرئيسية داخل الولايات المتحدة في عام 2006 عندما كانت إحدى الشركات التي تتبعها وهي شركة «موانئ دبي العالمية» على وشك إدارة موانئ أميركية، ولكن تم التراجع عن ذلك بعد حالة من الغضب الشعبي خشية أن يكون في ذلك تهديدات أمنية لأميركا.

ولفترة طويلة كان يفترض المستثمرون أن حكومة دبي سوف تقوم في النهاية بدعم ديون «دبي العالمية» التي تبلغ 60 مليار دولار، بدلا من تركها تتعثر. وأتاحت هذه الفرضية للشركة الاقتراض بأسعار أرخص مما كان سوف يحدث في ظروف غير ذلك.

ولكن، في يوم الأربعاء طلبت الشركة، التي عانت من خسائر كبيرة في شركة «نخيل» للعقارات التابعة لها، من الدائنين السماح لها بالتأخر في أي مدفوعات حتى 30 مايو (أيار) حتى تعيد هيكلة عملياتها. ولدى «نخيل»، التي كانت مسؤولة عن الكثير من مشروعات التعمير داخل الإمارة، ما قيمته 3.5 مليار دولار يحين موعد سدادها في 14 ديسمبر (كانون الأول). ويقوّض طلب السماح بالتأخر في الدفع من اعتقاد المستثمرين بأن الحكومة سوف تدعم الشركة.

وتم الكشف عن طلب الشركة الوصول إلى اتفاق بتجميد الأوضاع على ما هي عليه من خلال إعلان موجز تبعه توضيح رسمي مقتضب. وعزز من حالة الارتباك التي تلت الصعوبة في إجراء اتصالات خلال أيام الإجازة داخل العالم الإسلامي والولايات المتحدة. ويقول محللون إنهم يشكون في أن الوضع سوف يُحل في نهاية المطاف دون تعثر الشركة. ويقولونه إنه من غير المحتمل أن تكون حكومة دبي مستعدة لأن تعاني من ضربة تنال من سمعتها. وربما تقوم إمارة أبوظبي، الغنية بالبترول، بتقديم مساعدات إلى دبي، وربما يتم ذلك بالتعاون مع دول أخرى بمنطقة الخليج.

وقد قامت بعض البنوك الأوروبية بتقديم إقراض موسع إلى دبي، ويقول محللون إن «إتش إس بي سي» و«وستاندرد تشارترد» البريطانيتين هما الأكثر عرضة للمخاطر. ونسبة مشاركة البنوك الأميركية أقل، حيث يوجد لدى «سيتي بنك» ما قيمته 1.9 مليار دولار عرضة للمخاطر، ولكن تعد هذه نسبة بسيطة مقارنة بحجم البنك.

ويقول باري ناب، من قسم استثمارات الأسهم الأميركية بـ«باركليز كابيتال»: «تذكر دبي بأن آثار فقاعة الائتمان لا تزال باقية، فعلى الرغم من عدم وجود روابط مباشرة بالأسواق الأميركية ومن أن عرضتنا للمخاطر محدودة، توجد لدينا الكثير من الديون المتعثرة داخل الولايات المتحدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بالـ«الشرق الأوسط»