بعد أزمة دبي.. أين تنفجر القنبلة المقبلة؟

200 مليار دولار ديون شركات سيحين سدادها خلال العامين الحالي والمقبل

تركت أزمة دبي بعض الاقتصاديين يتساءلون عما إذا كانت هناك «قنابل ديون» أخرى كامنة في مكان ما (رويترز)
TT

كما هو الحال مع أصحاب المنازل الأميركيين المجهدين، تئن حكومات وشركات في مختلف أنحاء المعمورة تحت وطأة ديون، يخشى البعض أنه ربما لن يمكن سدادها بالكامل في يوم من الأيام.

وفي الوقت الذي تعاني في إمارة دبي، التي كانت أرضا للعجائب داخل منطقة صحراوية، خلال سعيها لسداد ما عليها من ديون، يُطرح سؤال تحفه مشاكل كثيرة يتعلق بالمنظومة المالية: هل تمثل الأزمة المالية الأخيرة حدثا منفردا أم تنذر بصدمات ديون أخرى؟

وحتى الوقت الحالي، على الأقل، يبدو أن المستثمرين في مختلف أنحاء العالم يتعاملون بهدوء مع أزمة دبي. ويوم الاثنين، ارتفعت سوق الأسهم الأميركية بنسبة بسيطة على الرغم من أن أسعار الأسهم تراجعت في منطقة الخليج العربي.

ولكن مشكلة دبي، وهي مدينة مزدهرة بها جزر صناعية على شكل أشجار النخيل ومنطقة تزلج مغطاة، جعلت بعض الاقتصاديين يتساءلون عما إذا كانت هناك قنابل ديون أخرى كامنة في مكان ما؟ وحول مدى خطورة مثل هذه القنابل حال وجودها؟

وتدرس بنوك كبرى، بدأت أخيرا في استعادة نشاطها بعد الصدمات المالية التي وقعت العام الماضي، وهي تشعر بالقلق من احتمالية مواجهتها عجزا من جانب مؤسسات وحكومات عليها ديون كبيرة.

وبدأ يحين موعد سداد ديون ضخمة في العديد من الأماكن امتدادا من البلطيق ووصولا إلى البحر المتوسط. وهناك ديون ضخمة مستحقة السداد داخل روسيا ودول كانت تتبع الاتحاد السوفياتي، ساعدت أسعار البترول المرتفعة على دعم النمو داخلها.

وحتى داخل دول غنية مثل الولايات المتحدة واليابان، حيث تم رفع معدل الإنفاق الحكومي لتعزيز الاقتصادات الضعيفة، يثير العجز المتزايد في الميزانيات المخاوف بخصوص قدرة الحكومة على سداد ديونها، ولا سيما عندما ترتفع معدلات الفائدة من جديد. وتبعث الأرقام رجفةً في الأوصال، فداخل ألمانيا، التي كانت معقلا للاستقامة المالية داخل أوروبا، يزداد الدين الحكومي بصورة مطردة. ومن المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي المستحق إلى ما يوازي 77 في المائة من الإنتاج الاقتصادي الألماني خلال العام المقبل مقارنة بنسبة 60 في المائة عام 2002. ومن المتوقع أن يرتفع الرقم بمعدل أكثر من الضعف داخل بريطانيا مقارنة بنفس الفترة ليصل إلى أكثر من 80 في المائة. وتظهر أعباء أكبر داخل أيرلندا ولاتفيا، حيث يحتمل حدوث إخفاقات مدوية داخل الدولتين اللتين شهدتا ازدهارا اقتصاديا بسبب الائتمان الميسر والقيم المرتفعة للعقارات. ومن المتوقع أن يرتفع الدين العام داخل أيرلندا ليصل إلى 83 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العام المقبل مقارنة بـ25 في المائة فقط عام 2007. وتغرق لاتفيا في الديون بسرعة أكبر، حيث سوف تصل مديونياتها إلى ما يوازي نصف الاقتصاد تقريبا العام المقبل، مقارنة بـ9 في المائة قبل عامين فقط.

وكما هو الحال في لاتفيا، لا تزال ليتوانيا واستونيا، من دول البلطيق، عرضة للمخاطرة بصورة تبعث على القلق، وكذا الحال مع بلغاريا والمجر. وجميع هذه الدول لديها ديون أجنبية تتجاوز 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، حسب ما يقوله إيفان تكاكروف، الاقتصادي البارز لدى بنك «نومورا» المتخصص في شؤون روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق. ودائما ما يُحتفظ بالدين الخارجي بعملات أجنبية، وهو ما يعني أن الحكومة لا يمكنها خفض قيمة عملاتها كوسيلة لتخفيض الديون عندما تواجه بعض المشاكل، حسب ما يقوله موريس أوستفيلد، أستاذ الاقتصاد في جامعية كاليفورنيا في بيركلي.

ويتوقع عدد قليل من المحللين تعثر دولة كبرى في سداد ديونها الحكومية في المستقبل القريب. وفي الواقع، يقول الكثيرون إن دولا غنية وصندوق النقد الدولي سوف يتدخلون إذا ما احتاجت حكومة إلى خطة إنقاذ.

ولكن لا توجد تطمينات بأن الشركات في هذه الدول، وهي مثلها مثل الحكومات متخمة بالديون، سوف يتم إنقاذها. وربما يقدم رفض دبي ضمان ديون ذراعها الاستثماري «دبي العالمية» سابقة أمام الحكومات المدينة الأخرى كي تتخلى عن الشركات التي كان يفترض المستثمرون أنها تتمتع بدعم حكومي.

ويقول بيير كايلتو، المدير الإداري لمجموعة المخاطر السياسية العالمية والاقتصادي الرئيس في «مووديز»: «أرى أن هناك أسبابا كافية تدفع إلى القلق من أنه في مرحلة ما خلال عام 2010 سوف نرى المزيد من حالات الحماية، لأن الحكومات تدرك أنه لا يمكنها تحمل ضمان ديون هذه الشركات».

ويقول كينيث روغوف، الاقتصادي البارز بهارفارد الذي ألّف كتابا أخيرا تحت عنوان «الوضع مختلف هذه المرة» يتتبع فيه الأزمات المالية على مدار 800 عام: «أعتقد أنه في الوقت الحالي يوجد لدى كل دولة معرضة للمخاطر عنصر دعم أو عنصرين اثنين وهو ما يجعل فكرة حدوث انهيار مفاجئ مستبعدة». ومع ذلك، قال روغوف إنه يتوقع موجة تعثر بعد عامين تقريبا من الآن عندما تتحول الدول التي تمثل ضمانا ضمنيا إلى التركيز على مشاكلها الاقتصادية في الداخل.

ومن مظاهر الأزمة الاقتصادية تحوّل بعض الحكومات إلى الديون قصيرة المدى بصورة متزايدة. وداخل الولايات المتحدة على سبيل المثال، ارتفع دين الخزانة المستحق سداده خلال عام من نحو 33 في المائة من مجمل الدين قبل عامين إلى 44 في المائة تقريبا خلال الصيف الحالي مع تراجعه بنسبة بسيطة بعد ذلك الوقت، حسب ما تفيد به «ريتسون أي سي آيه بي». وسوف تواجه الولايات المتحدة قريبا مشاكل ديون خاصة بها. ويقول روغوف: «خلال عامين آخرين ومع تدهور حال ديون الدول الصناعية، في أماكن مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة، سوف تصبح هذه الدول مترددة في فتح محافظها للإغداق على الأسواق الناشئة بالأموال، أو على الأقل الدول التي ينظرون إليها بهذه الطريقة».

وربما يتسبب ذلك في مشاكل للدول المتعثرة. وعند مواجهتها الحاجة إلى إرجاء موعد سداد ديونها المستحقة، ربما تضطر الأسواق الناشئة إلى اقتراض نحو 65 مليار دولار خلال 2010 وحده، حسب ما يقوله غاري إن كليمان من «كليمان إنترناشونال». وعلى الرغم من أن الدين الحكومي يمثل مشكلة، فإن ديون الشركات ربما تتسبب في أزمة تأخذ طابعا معينا. وقد ارتفع اقتراض المؤسسات خلال الأعوام الخمسة الماضية. ويقول كليمان إنه خلال العام الحالي أو العام المقبل سوف يحين موعد سداد 200 مليار دولار ديون على شركات. ويقدر أن شركات في روسيا ودولة الإمارات عليها قرابة نصف هذه الديون.

وتواجه شركات داخل العديد من الدول اختبارات آنية، وسيكون على شركات داخل الصين اقتراض 8.8 مليار دولار خلال عام 2010 مقابل 11 مليار دولار ستقترضها شركات داخل المكسيك.

وأفاد تحليل لـ«جي بي مورغان تشيس» بأن الشركات الروسية اقترضت 220 مليار دولار من بنوك أو عن طريق بيع سندات من عام 2006 حتى 2008. ويمثل ذلك 13 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وداخل الإمارات كان هذا الرقم يبلغ 135.6 مليار دولار أو 53 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويأتي ذلك في مقابل 72 مليار دولار داخل تركيا، أي 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي و44 مليار دولار في كازاخستان أو 44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

وفي السابق، ربما كانت تتدخل الحكومات حال عجز الشركات عن الوفاء بالتزاماتها. ولكن، تعثرت بعض الشركات بالفعل وعجزت عن السداد بعد العجز عن تحقيق الضمانات الحكومية المفترضة.

وداخل روسيا، على سبيل المثال، يبلغ مجمل الدين الأجنبي أكثر من 470 مليار دولار، ولكن تمثل الديون السيادية ـ نحو 29 مليار دولار ـ نسبة قليلة من ذلك. وتدين شركات روسية بالباقي، ومنها شركات حكومية عملاقة مثل «غازبروم». ويعد أكبر نموذج تحفه مشاكل في روسيا هو شركة الألمونيوم الأكبر في العالم «روسال»، التي عليها ديون تبلغ 16 مليار دولار، وقد جمدت السداد خلال العالم الحالي مع التعامل مع الدائنين.

وتخلفت شركة تابعة لمصنع طائرات حكومي في روسيا عن سداد السندات الخريف الماضي على الرغم من الضمانات السيادية المفترضة. وفي أوكرانيا قامت شركة الطاقة الحكومية «نافتوغاز» بإعادة هيكلة ديونها أو طلبت إعادة هيكلة هذه الديون. ويقول روري ماك فاركوهر، الاقتصادي بـ«غولدمان ساكس» في موسكو: «كانت هذه علامة بارزة في هذه المنطقة من الأرض»، في إشارة إلى تراجع حكومات عن ضمانات محتملة لديون الشركات الحكومية، كما هو الحال مع «دبي العالمية».

ويقول فلاديمير تيخوميروف، الاقتصادي البارز في بنك «أرالسيب» في موسكو، إن إعادة هيكلة ديون «دبي العالمية» يرفع تكلفة الاقتراض بالنسبة للشركات الروسية التي يجب عليها سداد ما مجمله 20 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول).

* خدمة «نيويورك تايمز»