«دبي العالمية» تسابق الزمن لإعادة هيكلة أول صكوك إسلامية بقيمة 5.3 مليار دولار منتصف الشهر الحالي

رئيس اتحاد المصارف العربية لـ «الشرق الأوسط»: كان ينبغي الحديث مع الدائنين قبل إعلان إعادة الهيكلة

تسعى «دبي العالمية» لإنهاء الإجراءات القانونية اللازمة قبل عقد اجتماع الدائنين (رويترز)
TT

بعد هدوء نسبي لأزمة ديون «دبي العالمية»، ستسجل صكوك «نخيل»، أول اختبار لديناميكية الصكوك الإسلامية باعتبارها المرة الأولى التي يتم فيها إعادة جدولة صكوك على الإطلاق، وقد بدأت المجموعة الإماراتية سباقا ضد الزمن لإعادة جدولة هذه الصكوك البالغة قيمتها 5.3 مليار دولار أميركي تستحق في الرابع عشر من ديسمبر «كانون الأول» الحالي، وفيما يستعد عدد من المصارف العالمية الدائنة للمجموعة لعقد اجتماع مهم سيعقد الأسبوع المقبل، تسعى «دبي العالمية» لإنهاء الإجراءات القانونية اللازمة قبل عقد اجتماع الدائنين، حيث يرى محللون أن قدرة المجموعة على إعادة هيكلة هذه الصكوك، ستكون هي التحدي الأبرز أمام «دبي العالمية»، قبل الانتهاء من باقي الديون الأخرى البالغ مجموعها 26 مليار دولار أميركي.

ووفقا للعقود القانونية لصكوك شركة «نخيل»، التابعة لمجموعة «دبي العالمية»، فإنه يتعين أن تدعو المجموعة الدائنين لاجتماع خلال أربعة عشر يوما من إرسال الدعوة، ويعتبر النصاب مكتملا إذا حضر 75 في المائة من حاملي الصكوك. وتعتبر التعديلات الصادرة من الاجتماع ملزمة لجميع حاملي الصكوك، إذا وافق عليها 75 في المائة من حاضري الاجتماع، أما إذا لم يكتمل النصاب في الاجتماع الأول، فتدعو المجموعة لاجتماع ثان يكون النصاب القانوني فيه 25 في المائة فقط من حاملي الصكوك.

وإذا كان الزمن يسابق «دبي العالمية» في سعيها لإنهاء اتفاقها المنتظر مع دائني صكوكها، الذي لم يبق على استحقاقه سوى نحو ستة أسابيع، فإن هناك فرصة للمجموعة لتأجيل تسديد الصكوك لفترة أربعة عشر يوما كحد أقصى، قبل إنهاء أي اتفاق مع الدائنين، أي إن أمام «نخيل» حتى الثامن والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

«الشرق الأوسط» سألت عدنان يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية، عن تأثير إعادة هيكلة ديون «دبي العالمية»، وتحديدا الصكوك الإسلامية، على مستقبل الصكوك في العالم، فاعتبر أن هناك مخرجا شرعيا لإعادة الجدولة، مع إعداد صكوك جديدة وفق التسعيرة التي ستتفق عليها «دبي العالمية» مع دائنيها. مؤكدا أنه لا يشعر بالقلق من هذه العملية على الإطلاق، وأن الصكوك الإسلامية لديها القدرة على التعامل بمرونة مع أي مستجدات جديدة شأنها شأن السندات، وقال إن الصكوك آلة من آلات التمويل التي تعطي الشركات الجيدة وسيلة للحصول على تمويل من الداخل والخارج. وفي شأن مواجهة دبي لأزمة ديون «دبي العالمية»، يقول عدنان يوسف إن نموذج دبي «مشابه لنموذجي سنغافورة وهونغ كونغ، وهذه النماذج تظل دائما في الأضواء، وعلى دبي تحمل سلبيات النجاح أو مضايقات النجاح بشكل أكثر دقة، فإذا كانت دبي استطاعت أن تبني خلال 10 سنوات ما عجزت دول عن بنائه في 50 عاما، فلابد لدبي من أن تتحمل دفع ضريبة هذا النجاح».

رئيس اتحاد المصارف العربية يعتقد أنه لا يجب أن يكون هناك قلق بالغ على مستقبل اقتصاد الإمارات بصفة عامة أو اقتصاد دبي على وجه الخصوص، مضيفا «عندما بدأت الأزمة المالية العالمية ظلت دول المنطقة بعيدة إلى حد ما عن تداعيات أزمة الائتمان والعقار والسيولة، هذه التداعيات أثرت على العالم ككل، وبالتالي فإن ما يحدث هو زوبعة سرعان ما تزول وستثبت الأيام أن دبي قادرة على مواجهة هذه الأزمة كما واجهت أزمات أخرى».

وفي سياق تأكيده على قوة اقتصاد دبي في مواجهة أزمة ديون «دبي العالمية» ساق عدنان يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية ما قال عنه إنه أمثلة لسقوط «قلاع كبرى في العالم أجمع»، وهو ما أفضى إلى تدخل حكومي ضد مبادئ الرأسمالية، وهنا في تجربة دبي نجد الكثير من الإيجابيات والقليل من السلبيات، لكن يجب مواجهتها بقوة».

ووفقا لعدنان يوسف فإن دبي ليست في حاجة للمال، «فالإدارة بقيادة الشيخ محمد بن راشد حاكم الإمارة حكيمة، كما أن «دبي العالمية» لم تصرح بأنها لن تسدد الديون المستحقة عليها، كل ما قالته أنها تود إعادة هيكلة هذه الديون.. وفي العرف المصرفي طالما أن العميل جيد ومستمر فلماذا لا أتعاون معه في تمديد ديونه هذه؟».

لكن رئيس اتحاد المصارف العربية قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه كان ينبغي على مجموعة «دبي العالمية» أن تتحدث مع دائنيها عن رغبتها بإعادة هيكلة ديونهم قبل الإعلان عنها رسميا، ربما كان ذلك أنجع وأفضل من مفاجأتهم، وبالتالي إثارة الإعلام الغربي، والبريطاني على وجه الخصوص».

ويقول عدنان يوسف إن هناك خطأين، وفق رأيه، ارتكبتهما «دبي العالمية» عند الإعلان عن إعادة الهيكلة، «الأول كان من المفترض أن تكون هناك خلية تقدم معلومات للإعلام عن تفاصيل إعادة الهيكلة.. والخطأ الثاني هو ما ذكرته سابقا من ضرورة الحديث مع الدائنين قبل الإعلان رسميا عن هذه الخطة».

ويعود عدنان يوسف بالقول أنه على الرغم من كل الضجة التي حدثت «فإنني لا أخاف على دبي ولا على اقتصادها، أرى خروج دبي من هذه الكبوة من الآن، فهي نموذج ومحط للأنظار، والاهتمام الإعلامي الغربي، ولو زاد على حدته هو أمر طبيعي في مثل هذه الظروف».

وبعد نحو أسبوع من كشف «دبي العالمية» عن رغبتها في إعادة ديونها البالغة 59 مليار دولار، يبدو أن العاصفة التي تسبب فيها هذا القرار، قد بدأت في الانحناء قليلا، خاصة بعد تطمينات قوية صدرت من قبل قيادة الإمارات العليا، ممثلة في رئيس البلاد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. كما أن إعلان «دبي العالمية» عن تفاصيل عملية إعادة الهيكلة خففت من القلق الكبير بشأن هذه الديون، خاصة أن حجم الدين الذي سيخضع لإعادة الهيكلة هو 26 مليار دولار وهو أقل من حجم 60 مليار دولار الذي أثار الخوف الأسبوع الماضي. ومن المقرر أن تشمل عملية إعادة الهيكلة شركة «دبي العالمية» بحد ذاتها و«نخيل» للتطوير العقاري و«ليمتلس». ويقول محللون في «باركليز كابيتال» إن الدين المترتب على «نخيل» يصل إلى 8.5 مليار دولار، في حين أن الدين المترتب على «دبي العالمية» يبلغ 5.5 مليار دولار و1.2 مليار على «ليمتلس» ليتبقى بالتالي 10 مليارات دولار غير معلن عنها حتى الآن، علما أن صندوق النقد الدولي قد أشار إلى أن البنوك البريطانية هي الأكثر انكشافا على «دبي العالمية».

ومن المنتظر أن تعقد لجنة مؤلفة من ستة بنوك اجتماعا الأسبوع المقبل مع مجموعة «دبي العالمية»، وتتألف اللجنة من بنكين إماراتيين وأربعة بنوك بريطانية هي «ستاندرد تشارترد» و«إتش.إس.بي.سي» و«لويدز» و«رويال بنك أوف سكوتلند»، في حين أن البنكين الإماراتيين هما «الإمارات دبي الوطني» و«أبوظبي التجاري».

وفي تصريحات صحافية قال أمس الأمير الوليد بن طلال إن البنوك التي منحت القروض لـ«دبي العالمية» لا يمكنها أن تدعي أنها ضحايا لأزمة الدين التي تعاني منها الإمارة لأنه كان ينبغي عليها فهم المخاطر المترتبة على ذلك. وذكر الأمير الوليد يوم أمس في مقابلة مع قناة «بلومبيرغ» «هذه البنوك هي بنوك ناضجة وكان عليها التفريق بين ديون مقدمة لشركات والديون السيادية» وأضاف «وحين لا تسير الأمور على ما يرام كان يجب أن تتحمل هذه البنوك الغربية تبعات ذلك وأن لا تتباكى وتطلب التدخل من حكومة دبي».

وأشار الوليد إلى أن التساؤل حول ما إذا كانت حكومة دبي ستقدم الدعم لديون «دبي العالمية» ليس بالأمر المفيد مطلقا وسيلحق الضرر بثقة المستهلك في المنطقة. وزاد «وعلى الجميع أن يدرك أنه يجب أن تؤخذ دول أخرى مثل السعودية وقطر والجارة أبوظبي في الحسبان. وبمعرفة الأسعار الحالية للنفط لا أظن أن اقتصاداتها ستفقد توازنها مطلقا».

إلى ذلك، قالت الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة التجارة الخارجية في الإمارات، إن بلادها نجحت في الحد من تأثير أصعب مرحلة من تباطؤ وانكماش الاقتصاد العالمي نتيجة الأزمة المالية العالمية ومن دون اللجوء إلى تدابير حمائية.

وأوضحت القاسمي خلال كلمة ألقتها في الاجتماع الوزاري السابع لمنظمة التجارة العالمية المنعقد حاليا بجنيف أن الإمارات استطاعت تحقيق معدلات نمو اقتصادي دون اللجوء إلى اتخاذ أية تدابير حمائية وسط استمرار تأثير الأزمة المالية العالمية على مكونات الاقتصاد العالمي كافة.

وأكدت دعم الإمارات لدعوة منظمة التجارة العالمية إلى وضع استراتيجيات تهدف إلى إزالة القيود الحمائية التي اتخذتها بعض الدول الأعضاء لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة المالية الاقتصادية.

وقالت الشيخة لبنى إن دولة الإمارات ومن خلال اتباعها لهذا النهج «تؤكد تمسكها بنظام تجاري عادل لجميع الأطراف» مشيرة إلى توقيع الإمارات في إطار دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة على مجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة مع عدة بلدان وتكتلات اقتصادية عالمية «والتي ستشكل نقطة انطلاق مهمة لإحراز تقدم في منظمة التجارة العالمية مستقبلا ومفاوضاتها الجارية حاليا خاصة ما يتعلق بتحرير التجارة متعددة الأطراف».

وتقول الوزيرة الإماراتية إن السبيل الوحيد للمضي قدما في النظام التجاري «يكمن في تسريع وتيرة العمل وقيام مفاوضات جدية وتبادلات تجارية حقيقية بين الدول الأعضاء من أجل تسريع التعافي الاقتصادي العالمي والخروج بنتيجة ناجحة لمفاوضات أجندة الدوحة»، لافتة إلى القدرات الكبيرة التي تمتلكها منظمة التجارة العالمية وجدارتها في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية.