أزمة ديون دبي تعزز أنشطة البنوك الإسلامية في الدول المجاورة

السعودية والبحرين وقطر ستلحق بالركب لامتلاكها قواعد تنظيمية أفضل

انتقادات دبي جعلت منها مركزا للتمويل الإسلامي («الشرق الأوسط»)
TT

من المرجح أن تنتعش الأنشطة البنكية الإسلامية في البحرين وقطر والمملكة العربية السعودية مع فرار المستثمرين من دبي المثقلة بالديون رغم التوقعات بأن تعود الإمارة إلى سابق عهدها في نهاية المطاف.

وبينما تحصي البنوك وشركات البناء من لندن إلى سنغافورة خسائرها من مشكلات دبي المالية فإن هناك قلقا أيضا من أن تضر الأزمة بمكانة الإمارة كمركز إقليمي للتمويل الإسلامي وهو ما لعب دورا في صعودها السريع.

وأوضحت وكالة «رويترز» أن دبي استوعبت استثمارات كبيرة مع ازدهار أنشطتها المصرفية الإسلامية على خلفية الارتفاع القياسي لأسعار النفط مما اجتذب كثيرا من المحامين المتخصصين والمصرفيين الذين أغرتهم سهولة القيام بالأعمال ونمط الحياة الأكثر تحررا في الإمارة مقارنة مع الدول المحافظة التي تنافسها.

وجعلت الإمارة من نفسها مركزا للتمويل الإسلامي حيث اتخذتها بنوك كبرى مثل «إتش إس بي سي» و«دويتشه بنك» و«ستاندرد تشارترد» قاعدة وذلك في إطار سعيها إلى أن تصبح محورا ماليا بين آسيا وأوروبا.

وقد ينتقل الآن القدر الأعظم من تلك الأموال والمهارات إلى جيرانها المباشرين بينما تعمل دبي ببطء لتسوية جبل من الديون في الوقت الذي بدأ القطاع المالي بها يبدي عزوفا وليدا عن المخاطر.

وثمة لقمة سائغة تتمثل في حصة كبيرة من صناعة التمويل الإسلامي التي تقدر بنحو تريليون دولار التي بدأت تعود للنمو مرة أخرى شأنها شأن البنوك التقليدية مع انحسار أزمة الائتمان العالمية.

وقال مصرفيون لـ«رويترز» إن السعودية والبحرين وقطر التي تسعى هي الأخرى لتصبح مراكز تجارية ستلحق بالركب إذ إنها تمتلك قواعد تنظيمية أفضل وتطورت بخطى أكثر حذرا.

وقال محمد صفري شاه الحميد الرئيس التنفيذي لبنك الأمانة الماليزي: «السعودية ستقود الموجة القادمة في ما يتعلق بالتمويل الإسلامي في الخليج».

وأضاف صفري الذي كان يعمل لدى «دويتشه بنك» سابقا: «لديهم كل مقومات البنية التحتية ولديهم جميع القواعد الإرشادية المطلوبة للتمويل».

ويقول مراقبون للسوق إن الدول الواقعة خارج منطقة الشرق الأوسط مرشحة بدرجة أقل للاستفادة من ذلك الموقف.

وتمتلك ماليزيا على سبيل المثال أكبر سوق سندات إسلامية في العالم وتُعرف بأن لديها تفسيرات لما هو مباح بموجب الشريعة الإسلامية، وهذا أكثر تشجيعا للأعمال من التفسيرات المتبعة في الكثير من الدول الخليجية مما يفتح الباب أمام نطاق أوسع بكثير من المنتجات المالية.

ولكن عملتها الرنجيت محكومة بقواعد صارمة مما يحد من سهولة تدفق الاستثمارات في حين أن الكثير من العملات الخليجية مربوط بالدولار الأميركي.

وقال حاضري حسين رئيس الخزانة الإسلامية بالوحدة الماليزية لبنك «أوفرسي تشاينيز بانكينغ كورب» ثاني أكبر بنك في سنغافورة: «مشكلة السوق الماليزية هي سيطرة الرنجيت عليها بشكل كبير بينما سوق الدولار ما زالت غير موجودة».

وانفجرت أزمة ديون دبي الأسبوع الماضي عندما قالت الإمارة إنها سترجئ سداد ديون اثنتين من شركاتها الرئيسية في الوقت الذي تحاولان فيه التفاوض مع الدائنين بشأن إعادة هيكلة الديون.

وأعلنت شركة دبي العالمية الحكومية يوم الاثنين عرضا لإعادة هيكلة ديون تبلغ 26 مليار دولار سيكون له بالغ الأثر على شركتي «النخيل» و«ليمتلس العالمية للعقارات» صاحبتَي أكبر إصدار لسندات إسلامية في العالم.

وأدت الأنباء في البداية إلى تعثر الأسواق المالية حيث خشي المستثمرون أن تلقي تلك الأنباء العالم مرة أخرى في هاوية الأزمة المالية رغم أن الأسواق خارج منطقة الخليج تعافت منذ ذلك الحين وسط اعتقاد متزايد بأن المشكلة ستكون محصورة بشكل كبير في الشرق الأوسط.

وقال مصرفيون إن الإصدارات العالمية للسندات الإسلامية ـ الصكوك ـ يمكن أن تتراجع على المدى القريب إذ ينتظر المستثمرون حدوث مزيد من التطورات في دبي ولكن لا يُنتظر أن تتوقف الإصدارات تماما.

وقد تتسبب حالة عدم اليقين إزاء دور حكومة دبي وممارسات الاقتراض التي تقوم بها مؤسسات حكومية في المنطقة في خضوع السندات السيادية وشبه السيادية بشكل خاص لعملية تدقيق مشددة.

وكانت صناعة التمويل الإسلامي تنمو بالفعل بشكل أكثر حذرا إذ وضعت حالات التعثر في سداد قروض في أماكن أخرى من الشرق الأوسط والشكوك المحيطة بالأسلوب الذي ستتعامل به المحاكم مع تلك الأدوات ضغوطا على السوق حيث تبلغ قيمة السندات القائمة أكثر من 100 مليار دولار.

ورغم ذلك يعتقد كثير من المصرفيين أن المستثمرين سيرون عملية إعادة هيكلة دبي ـ إذا سارت بسلاسة ـ كمشكلة ائتمان فردية لن تحد بشكل دائم من طموحاتها في مجال التمويل الإسلامي.

فقد أُنشئَ مركز دبي المالي الدولي لإغراء الشركات بإعفاءات ضريبية وحوافز أخرى وله إطار تنظيمي تحكمه قوانينه ومحاكمه الخاصة.

وقال عبد الجليل رشيد رئيس إدارة الأسهم في الوحدة الماليزية لصندوق «أبردين» لإدارة الأصول: «ما حدث في دبي ليس له علاقة بالتمويل الإسلامي... الأمر هو أنهم أخذوا قروضا أكبر مما يستطيعون سداده».

ويتوقع جواد علي، وهو شريك مقره دبي لشركة «كينغ آند سبالدينغ للمحاماة»، أن يعود المستثمرون إلى دبي بمرور الوقت، ويقول إن الإمارة اقتربت من الكمال من وجهة نظر المستثمر الأجنبي.

وأضاف: «يمكنك أن تأتي وأن تستقر بسهولة نسبيا، وهناك قدر من الشفافية أيضا... هذه الأزمة لن تؤثر على ذلك. لقد صنعوا هذا النظام بالفعل. ستستوعب السوق الصدمة وستطوي هذه الصفحة».