مع اقتراب وضوح أزمة «دبي» تظل الحلول السريعة أمرا غير وارد

من غير المرجح بيع أصول شركة «دبي» في القريب العاجل

TT

ما الاختلاف بين إمارة دبي و«دبي العالمية»؟

انطلقت نهضة دبي الفريدة من قرية صغيرة لصيادي اللؤلؤ قبل 50 عاما إلى مركز تجاري ومالي للخليج العربي اليوم على أساس عدم الفصل بين الدولة ومصالحها الاقتصادية. لذا عندما قال مسؤول حكومي بارز هذا الأسبوع إن الحكومة لن تدعم ديْن «دبي العالمية»، المؤسسة الاستثمارية المملوكة بالكامل لإمارة دبي، أبدى المستثمرون والدائنون انزعاجهم.

هل كانت دبي لتتخلى عن شركة «دبي العالمية» أم إن الخطوة خدعة تفاوضية؟ كانت دبي قد دخلت على مدار أسابيع في مفاوضات شاقة مع الدائنين حول إعادة هيكلة دين «دبي العالمية». وعلى الرغم من المحاولات التي قام بها حكام الإمارات لتهدئة العاصفة، فإن المراقبين لا يزالون غير متأكدين مما يمكن أن تصير إليه الأمور. ويشير المصرفيون المشتركون في مناقشات إعادة هيكلة الدين إلى أن من غير المرجح بيع أصول شركة «دبي العالمية» في القريب العاجل. ومن المتوقع ألا تجني أي من أصول الشركة التي تتكون من مجموعة من العقارات وأصول الخدمات المالية والترفيه داخل وخارج الإمارات وتتضمن استثمارات متعثرة مثل حصتها في متاجر «بارنيز» في الولايات المتحدة و«سيتي سنتر ديفلوبمنت» في لاس فيغاس، 4 إلى 5 مليارات دولار التي تحتاجها الشركة لطمأنة الدائنين بأنهم جادون بشأن إعادة هيكلة الدين البالغة قيمته 26 مليار دولار والذي يتم النقاش بشأنه الآن.

في المقابل يمكن أن يؤدي بيع خطوط «طيران دبي» أو شركاتها للألمنيوم والبنية التحتية ـ التي تملك شركة «دبي للاستثمار» غالبية أسهمها وتعد ثاني أكبر شركتين قابضتين تملكهما الدولة إلى جانب «دبي العالمية» ـ السيولة الكافية لطمأنة المصرفيين والمساعدة في الوفاء بالتزامات شركة «دبي العالمية». لكن مثل تلك الخطوة أمر مستبعد إلى حد بعيد، لأن ذلك يعني التقليل من هيبة دبي وحاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي ابتكر هذا النموذج من التداخل، الذي ثبتت خطورته الكبيرة. ومنذ بداية نهضة دبي كان النفوذ هو القوة الدافعة، فقد اقترض الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم والد الحاكم الحالي 400.000 جنيه إسترليني من الكويت لتطهير خليج دبي عام 1954 والقيام بتوسيع الأرض التي ستكون محل استقبال مليارات الدولارات التي استثمرت في المباني الإدارية والشقق السكنية التي وصلت إلى أعداد كبيرة لكنها الآن خاوية.

تأسست التطورات الحديثة في دبي على عدد من الشركات التي على الرغم من خضوعها لسيطرة حكومة دبي، فإنها اجتذبت أيضا شركات القطاع الخاص. وتم استقدام كثير من الغربيين لإدارة العديد من هذه الشركات، فكان المديرون التنفيذيون للشركتين القابضتين الرئيستين «نخيل» و«استثمار» التابعتين لـ«دبي العالمية» من جنسيات أسترالية وأميركية. وسعى البعض وراء اكتتاب عام محدود، واقترضوا جميعا، من دون استثناء، بغزارة من البنوك المحلية والأجنبية.

وقال جيم كران، مؤلف كتاب «مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية»: «كان الأمر غامضا، فعندما أصبحت هذه الشركات رأسمالية انفصلت عن البيروقراطية وأصبحت شركات تديرها الدولة تتمتع باستقلال ذاتي في اتخاذ القرار وحرية التصرف».

ونتيجة لذلك، فإن إرشادات الشيخ محمد بن راشد التي كانت واضحة، وكان يعمل عبر الشركات الرئيسة القابضة الثلاث: وهي «دبي هولدينغ» الشركة التي يسيطر عليها هو شخصيا، و«دبي العالمية»، وشركة «استثمار دبي» اللتان تملكهما الدولة واللتان يديرهما الشيخ بفاعلية. تتحكم هذه الشركات الثلاث في الشركات شبه المملوكة للدولة التي تنخرط في متابعة أنشطة الأعمال التي يفترض أن تمضي قدما بهدف القطاع العام من النمو الاقتصادي الدؤوب مع توليد الأرباح لإرضاء مقرضي القطاع الخاص. وقد عملت تلك التوليفة لبعض الوقت كالسحر لتحول المدينة المزدهرة إلى جنة للمصرفيين حيث اقترضت خطوط الطيران ومطورو العقارات ومشغلو المرافق العامة والموانئ من البنوك بكثافة لتمويل أهداف النمو.

لكن من الواضح الآن أن بعض هذه الاستثمارات لم تولد ما يكفي من النقد لسد فوائد القروض، وبات المصرفيون الغربيون والمحليون غير واثقين من موقفهم. وبحسب التقرير الذي أصدرته مؤسسة «مودي» (وكالة تصنيف ائتماني)، بلغ إجمالي الدخل الكلي لشركات دبي 30 مليار دولار في عام 2006 وهو ما خفض المخصصات التي تتلقاها الحكومة المركزية إلى 5.4 مليار دولار هذا العام. ومع ازدياد توجه دبي نحو الغرب، على عكس إمارة أبوظبي الغنية بالنفط والأكثر محافظة، بدأت شركة «دبي هولدينغ» خاصة «دبي العالمية» في العمل كما لو كانت شركات نمو ديناميكية لا كشركات حكومية محافظة. وتأتي شركة «نخيل»، كبري شركات «دبي العالمية» للتطوير العقاري كأحد أبرز الأمثلة على هذا التوجه من المجازفة عبر تبني نمط التسويق الغربي من خلال قدرتها على جمع أكثر من 6 مليارات دولار من المستثمرين المحليين والأجانب. وعلى الرغم من أن دبي لم تكن تملك أي دخل ثابت لإنشاء صندوق سيادي بدأت «دبي العالمية» في وضع رؤيتها الخاصة بإنشاء شركة استثمارية حكومية تحت اسم «استثمار». وعلى عكس الصناديق الغنية بالنقد في المنطقة، استخدمت «استثمار» الدين وقدرا معقولا من التباهي لتحويل حصة نقد مبدئية بقيمة ملياري دولار من «دبي العالمية» إلى كيان مستقل بقيمة 15 مليار دولار التي كانت أشبه بصندوق أسهم خاص منها بصندوق سيادي، وكانت المشكلة هي أن كل كيانات الشركة بدأت في إرباك الحكومة التي أنشأتها. بيد أن المستثمرين كانوا مطمئنين بالعلاقات الوثيقة بين الدولة والشركات، فعلى سبيل المثال كان سلطان أحمد بن سليمان الذي يدير «دبي العالمية»، ومحمد الجرجاوي الذي يدير «دبي القابضة» عضوين في المجلس التنفيذي لدبي وهو ما منحهم درجة فاعلية وزراء الحكومة. لذا عندما قال عبد الرحمن الصالح المدير العام لقسم التمويل في دبي إن حكومة دبي لم تكن مسؤولة عن ديون «دبي العالمية» ربما يكون بذلك يكرر ما تقوله الوثائق القانونية حول إصدار السندات من «نخيل» والشركات الأخرى. ربما يكون أفضل تمثيل لحلم دبي هو برج دبي الذي تبنته شركة «إعمار» المنافسة لشركة «نخيل» وتأتي كجزء من شركة «دبي للاستثمار». تكلف إنتاج البرج 4.1 مليار دولار وترتفع قمة البرج الذي يشبه الإبرة نحو 2.684 قدما عن سطح الأرض، أي أكثر من نصف ميل في السماء. وأملا في الصعود إلى قمته، استغل محمد علي الموظف المدني المتقاعد من أبوظبي وعائلته يوم العيد الوطني وقدم بأسرته إلى دبي ليعلم أن افتتاح البرج قد تأجل مرة أخرى حتى الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل. وقال محمد، والموسيقى العسكرية تخرج من مكبرات الصوت والمياه تنطلق من النافورات على الحشد المشدوه أمامها: «إنه شيء رائع، لكنه تبديد للمال. هناك ملايين الشقق ولكن لمن؟ لقد فر المستثمرون الآن وتركوا كل شيء وراءهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»