انخفاض معدلات خسارة الوظائف في أميركا

تحول الميزان لصالح إضافة وظائف جديدة تبدأ في مارس

TT

لم تتوقف كبريات الشركات الأميركية عن إلغاء أعداد كبيرة من الوظائف وفقط، لكن يبدو أنها على وشك إعادة بناء قوة العمل الأميركية التي دمرها الكساد. تأتي تلك التطورات الجديدة غير المتوقعة كمصدر ارتياح بالنسبة لإدارة الرئيس أوباما التي تخطط لكشف النقاب عن عدد من المقترحات الجديدة الأسبوع القادم للتخفيف من كارثة البطالة في أعقاب منتدى العمل الذي عقدته في واشنطن الخميس الماضي. وقد أشار أفضل التقارير التي ظهرت منذ بداية الكساد الذي بدأ قبل عامين إلى خسارة 11 ألف وظيفة فقط الشهر الماضي وهو ما يعني انخفاض نسبة خسارة الوظائف من 10.2 في المائة في الشهر السابق إلى 10 في المائة هذا الشهر.

وكان الرئيس أوباما قد قال خلال زيارته لمدينة ألينتاون بولاية بنسلفانيا، مقدما ضمانات لمدينة تحاصرها البطالة وبلد لا تزال تعاني من معدل أعلى معدلات بطالة خلال 26 عاما: «ستكون هناك بعض الأشهر التي ستتحسن فيها تقارير الوظائف، وهناك بعض الشهور التي ستسوء فيها التقارير أيضا، لكن مسار الأمور جيد حتى الآن». وكان الكثير من المحللين قد أشاروا إلى أن نقطة التغيير الرئيسة ـ من إلغاء وظائف إلى إضافة وظائف ـ ستأتي في شهر مارس (آذار) مفترضين استمرار نمو الاقتصاد كما بدأ في القيام بذلك خلال الربع الثالث. وإذا ما كانوا مصيبين في توقعاتهم فسوف تأتي انتعاشة سوق العمل أكثر سرعة مما كانت عليه في أعقاب الركودين السابقين اللذين شدتهما البلاد في بدايات التسعينيات وعام 2001 على الرغم من القسوة التي شابت الكساد الحالي. وكانت أسواق الأسهم قد شهدت ارتفاعا كبيرا يوم الجمعة في أعقاب الإعلان عن تقارير الوظائف وأغلقت على ارتفاع طفيف نهاية اليوم، فيما شهد الدولار أضخم نشاط ليوم واحد منذ يناير (كانون الثاني). على الرغم من معاناة 15.4 مليون شخص للبحث عن وظائف، كشف تقرير نوفمبر (تشرين الثاني) عن علامات تحسن عبر البلاد. فقد تم توفير وظائف أكثر من 50.000 عامل مؤقت وهو ما يعتبر زيادة كبيرة هذا الشهر ومؤشرا على استئجار الشركات للعمالة الدائمة. وقد عمل الموظفون ساعات عمل أكبر حتى في عمليات التصنيع. ويعكس ارتفاع متوسط الأجور الأسبوعية لغالبية العمال على مستوى البلاد بمقدار ثلثي نقطة مئوية في شهر واحد إلى 622 دولار الزيادة في عدد ساعات العمل. وقال نيغل غولت، كبير اقتصادي الولايات المتحدة في آي إتش إس غلوبال إنسايت «وصلت الكثير من الشركات إلى الحد الذي لم تتمكن فيه من الحصول على المزيد من الإنتاجية من العاملين الموجودين بها وهو ما يعني أن عليهم إضافة المزيد من ساعات العمل للعمالة القائمة بها أو الاستعانة بمزيد من الأفراد. تماما كما يعول الكثيرون على كيفية تحسن الاقتصاد». ويعتمد الأمر أيضا على شعور المديرين التنفيذيين بثقة كافية حيال الاقتصاد للاستثمار وتوسعة عملياتهم. ربما يستغرق ذلك أشهرا من النمو المضطرد حتى بعد توقفهم عن التخلي عن القوى العاملة لديهم.

خلاصة الأمر إن التطورات غير المتوقعة التي شهدها شهر نوفمبر (تشرين الثاني) ربما يتبين بصورة جزئية أنها تصحيح للكثير من الأخبار السيئة التي حملها شهر أكتوبر (تشرين الأول) ـ خاصة معدل البطالة الذي ارتفع بنسبة كبيرة ذلك الشهر وعادت إلى الانخفاض إلى حد ما. لكن الاقتصاديين في إدارة أوباما لا يتبنون وجهة النظر تلك فهم يرون أن التطورات التي شهدها نوفمبر (تشرين الثاني) ليست سوى نتيجة لخطة التحفيز الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار. وقالوا خلال حديثهم عن التقارير إن الإنفاق الفيدرالي أنقذ أو خلق 1.6 مليون وظيفة. ولولا ذلك التدخل لوصل مجموع الوظائف التي فقدت خلال الشهور الثلاثة والعشرين الماضية 8.8 مليون وظيفة بدلا من 7.2 مليون. وقال جارد بيرنستين، كبير الاقتصاديين في مكتب جو بايدن نائب الرئيس: «أعتقد أن عليكم أن تمنحوا تدخلاتنا المزيد من الثقة». ثم أصر على أن مؤتمر وظائف يوم الخميس في واشنطن كان خطوة هامة على طريق توفير المزيد من الوظائف، حيث قال: «لا يظن أحد أن ذلك سيخفف الضغوط علينا من أجل توفير المزيد من الوظائف».

أما الاقتصاديون الجمهوريون فقد عبروا عن تشاؤمهم فيقول كيفن هاست مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد إنتربرايز المحافظ وكبير الاقتصاديين في حملة جون ماكين الرئاسية: «حتى وإن قبلت بهذا التحليل بأننا نوفر وظائف هذا العام، فعندما تلغي خطة التحفيز الاقتصادي فإنك بذلك تدمر الوظائف». ويرى هاست كغيره من الكثير من الجمهوريين أن الحل يتمثل في حسومات ضريبية للشركات التي توفر وظائف وليس الإنفاق العام.

إلى جانب هذه المؤشرات الإيجابية، انخفض المستوى الكبير للبطالة ـ ذلك الذي يضم الأشخاص المجبرين على العمل كعمالة مؤقتة وكذلك الباحثين عن عمل ـ من 17.5 في المائة على 17.2 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) والذي يعد أول انخفاض خلال شهور كثيرة. إضافة إلى ذلك اتضح أن فقد الوظائف في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (كانون الأول) كان أقل بكثير من الأرقام السابقة حيث بلغ 250.000 بدلا من 409.000. وقال إيان ستيفنسون، خبير الاقتصاد المحلي لهاي فريكونسي أكونوميكس في رسالة إلى عملاء الشركة: «إن كل هذه الأخبار الجديدة تفوق مستوى التحسن ولذا فنحن نتوقع تعديلا في الشهر أو الشهرين القادمين». وحتى من دون تعديل فما إن يتحسن الاقتصاد ويتواصل توفير الوظائف فمن المتوقع أن يتنافس 18 مليون شخص للحصول على وظائف كما لو كانوا يحاولون المرور جميعا من باب ضيق لا يتسع سوى لعدد قليل. وفي اقتصاد قوي نادرا ما تزيد قوة العمل أكثر من 300.000 عامل شهريا. ثلث هذه القوة تقريبا لديها أعباء أكبر، فهم عاطلون عن العمل لستة أشهر أو يزيد وفي أغلب الحالات لأكثر من عام. ولم تصل النسبة المئوية لأعداد العاطلين لمدة طويلة نسبة عالية، منذ أول مرة سجل فيها ذلك في عام 1948، كما هي عليه اليوم حيث بلغت 38.3 في المائة من عدد الباحثين عن عمل أو أكثر من 10 نقاط مئوية فوق الزيادة السابقة التي جاءت في أعقاب كساد الثمانينيات. وقالت جان هاتزيوس، خبيرة الاقتصاد الداخلي في غولدمان ساكس: «على افتراض أننا نشهد انتعاشة قوية سيستغرق الأمر منا خمس سنوات على الأقل أو ربما يزيد للوصول بمعدل البطالة إلى مستواه الطبيعي إلى 5 في المائة». وأشارت إلى أن العاطلين عن العمل لمدة طويلة فقدوا المهارات وبعض عادات العمل بسبب خمولهم الطويل ونتيجة لذلك فربما تعتاد الدولة على معدل بطالة نادرا ما سينخفض عن 6 في المائة. وتشير أنيت ميركادو الأم العزباء البالغة من العمر 39 عاما التي تعيش في شيكاغو، إلى أنها لا تزال تحتفظ بمهاراتها برغم بحثها عن عمل منذ يوليو (تموز) العام الماضي عندما فقدت عملها المكتبي في متجر لبيع كماليات الدراجات النارية الذي كان يدر عليها 12 دولارا في الساعة. وقد عزت تسريحها من العمل إلى رفضها العمل لساعات إضافية وقالت: «أخبرتهم إنني لا أرغب في قضاء المزيد من الوقت بعيدا عن ابنتي التي تبلغ من العمر 14 عاما. وقد قضت ميركادو شهورا تنقب في مواقع كريغ ليست وكارير بيلدر ومواقع الوظائف الأخرى. وأشارت في مقابلة في مكتب البطالة التابع للولاية إن أفضل ما استطاعت الحصول عليه عمل موسمي مؤقت في متجر للشراب. وتحصل ميركادو على 984 دولار شهريا كإعانة بطالة إضافة إلى كوبونات طعام، لكنها قالت إن ذلك لا يكفي لأن أدفع كل نفقاتها ونفقات ابنتها ناهيك عن الإيجار. وتشير إنها إن لم تنجح في الحصول على عمل في القريب العاجل فسوف تضطر إلي وضع متعلقاتها في المخزن والانتقال إلى الإقامة مع والديها. وقالت إنهم يعيشون بالكاد أيضا. شارك جيف زيليني زشيرلي ستولبيرغ في كتابة هذا التقرير خدمة «نيويورك تايمز»*