مصدر خليجي لـ«الشرق الأوسط»: دول الاتحاد النقدي استوفت معايير تقارب الأداء الاقتصادي قبل انطلاق المشروع رسميا

9.4% نسبة التضخم التي يجب أن لا تتجاوزها الاقتصاديات الخليجية

مشروع الاتحاد النقدي الخليجي سينشئ عملة خليجية مشتركة في 4 دول (أ.ف.ب)
TT

أبلغ «الشرق الأوسط» مصدر خليجي مسؤول أن دول مجلس التعاون الخليجي الـ4، المنضوية تحت لواء الاتحاد النقدي، تمكنت من استيفاء معايير تقارب الأداء الاقتصادي الرئيسية الـ5، وهو ما يمهد لإطلاق الاتحاد النقدي بصورة رسمية خلال قمة مجلس التعاون الخليجي التي ستنطلق الاثنين المقبل في الكويت.

وبحسب المصدر، فإن السعودية والكويت والبحرين وقطر استطاعت أن تسجل معدلات «فاقت في بعض معدلاتها معيار التقارب المحدد سلفا»، واعترف المصدر في الوقت ذاته بأن الأزمة المالية العالمية لم تكن شرا كلها، «حيث انعكست إيجابا على تخفيض معايير التقارب بين دول المجلس، خصوصا في ما يتعلق بكل من معياري التضخم وسعر الفائدة».

وسينطلق قطار مشروع الاتحاد النقدي الخليجي، الذي سينشئ عملة خليجية مشتركة، من الكويت في 4 دول، بعد أن انسحبت الإمارات العربية المتحدة من المشروع الخليجي في وقت سابق من هذا العام، لتكون بذلك الدولة الخليجية الثانية التي تخرج من المشروع بعد سلطنة عمان. وربطت الإمارات قرارها باختيار المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاديات المنطقة، مقرا للمصرف المركزي الخليجي.

وصادقت ثلاث دول هي السعودية وقطر والبحرين (صادقت أول من أمس) على اتفاقية الاتحاد النقدي، فيما يتوقع أن تصادق الكويت اليوم على هذه الاتفاقية، بعد أن صادق برلمانها على الاتفاقية يوم الثلاثاء الماضي.

وتتركز معايير تقارب الأداء الاقتصادي للاتحاد النقدي على 5 عناصر رئيسية، هي: التضخم، وسعر الفائدة، وكفاية احتياطيات السلطة النقدية من النقد الأجنبي، ونسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وكشف المصدر، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم ذكر هويته، عن أن معيار التقارب للتضخم لدول المجلس، طبقا للتضخم الذي حددته دول المجلس، يجب أن لا يزيد على المتوسط المرجح (بحجم الناتج المحلي الإجمالي) في دول المجلس زائدا نقطتين مئويتين، وأنه تم تحديد هذا المعيار بنسبة 9.4 في المائة رجوعا لمتوسط نسب التضخم للعام الماضي 2008، «وهي نسبة مرتفعة بكل تأكيد، وانخفضت جل نسب التضخم في دول الخليج إلى معدلات أقل من هذه النسبة، حيث ارتفعت معدلات التضخم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي لتصل إلى مستويات قياسية خلال الفترة من 2006 إلى 2008، ثم انحسرت في الشهور الأخيرة مع تراجع أسعار الغذاء والعقارات».

وانخفضت معدلات التضخم في دول المجلس الـ4 بعد تسجيلها معدلات قياسية خلال العام الماضي 2008، فانخفض التضخم في السعودية من 10.9 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي إلى 3.5 في المائة في أكتوبر 2009، وسجلت نسب التضخم في قطر أعلى الأرقام في دول المجلس عندما بلغت العام الماضي نحو 15 في المائة، في الوقت الذي تقترب من الصفر في العام الحالي. وفي الكويت بلغ التضخم أعلى مستوياته في أغسطس (آب) 2008، عندما سجل 11.6 في المائة، لكنه انخفض ليصل إلى 6 في المائة في فبراير (شباط) من العام الحالي 2009، أما البحرين فكانت أقل دول المجلس تسجيلا لنسب التضخم في العام الماضي، بعد أن حامت النسبة حول 3.5 في المائة.

ويلفت المصدر الخليجي إلى أن التضخم كان ربما يشكل أكبر مشكلة بالنسبة لانطلاق العملة الخليجية المرتقبة «لو استمرت نسب التضخم التي كانت عليها العام الماضي، نظرا للتفاوت الكبير بين نسب التضخم في دول المجلس، التي بلغت في البحرين 3.5 في المائة، لتصل في قطر إلى نحو 15 في المائة.. بالفعل كان هذا التفاوت قد لا يمكن دول الاتحاد النقدي من استيفاء هذا المعيار».

وفي ما يتعلق بمعيار سعر الفائدة، يقول المصدر إن معايير تقارب الأداء الاقتصادي تشير إلى أنه يجب أن لا يزيد سعر الفائدة على متوسط أدنى 3 أسعار للفائدة قصيرة الأجل لمدة 3 أشهر في دول المجلس زائدا نقطتين مئويتين. ووفقا للأرقام الرسمية التي حددتها دول الخليج، فإن النسبة بلغت في نهاية أكتوبر الماضي 3.11 في المائة. وهنا يعود المصدر ليؤكد أن دول الخليج استوفت هذا المعيار نظرا لتخفيض دول الخليج نسب الفائدة في أعقاب تطورات الأزمة المالية العالمية.

ولا تشكل أسعار الفائدة أي مشكلة بالنسبة لتقاربها بين دول المجلس، نظرا إلى تشابه أو تقارب أنظمة سعر الصرف بين دول المجلس، التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي، ما عدا الكويت الذي تربط دينارها بسلة من العملات.

المعيار الثالث الذي استوفت به أيضا الدول الخليجية الـ4، بحسب المصدر الخليجي، هو كفاية احتياطيات السلطة النقدية من النقد الأجنبي، الذي تشترط معايير تقارب الأداء الاقتصادي أن تكون احتياطيات السلطة النقدية في كل دولة كافية لتغطية تكلفة وارداتها السلعية لمدة لا تقل عن 4 أشهر. وهذا المعيار البالغ 4 أشهر في عام 2008 أيضا تمكنت دول الخليج من أن تسجل فترات أكثر منه.

أما المعيار الرابع فهو يتعلق بنسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشترط المعايير أن لا تزيد نسبة العجز السنوي عن 3 في المائة من الناتج المحلي الاسمي، وهو يتحدد بمتوسط سعر نفط سلة الـ«أوبك» طالما أنه يبلغ 25 دولارا أو أكثر، وقد بلغت هذه النسبة 3 في المائة عجز في 2008. وفي ما يتعلق باستيفاء دول المجلس لهذا المعيار، فإن دول الخليج تسجل أقل من هذا الرقم بكثير، بل إن بعض الدول سجلت فائضا بنسب تقارب الـ4 في المائة، بحسب المصدر الخليجي.

المعيار الأخير من معايير تقارب الأداء الاقتصادي تتعلق بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحيث يجب أن لا تتجاوز نسبة الدين العام للحكومة المركزية 70 في المائة (لعام 2008) من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وفي هذا المعيار أيضا النسب الخليجية تقل كثيرا عن السقف الأعلى المحدد.

وبحسب الجدول الزمني للاتحاد النقدي فإن عام 2010 هو الموعد المنتظر للبدء في إطلاق العملة الخليجية، وعلى الرغم من تشكيك الكثير من المؤسسات المالية العطية الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، أكد مؤخرا أنه لا تغيير على هذا الجدول الزمني، وأن العملة ستطلق في موعدها المقرر سلفا، وهو مطلع العام المقبل.

ويقول محللون إن الوحدة النقدية بين دول المجلس التعاوني، تصبح أكثر إلحاحا من عدة وجوه، خصوصا في وقت تواجه دول الخليج أسوأ أزمة مالية عالمية يشهدها العالم منذ ثلاثينات القرن الماضي، وكذلك انهيار أسعار النفط بعد أن لامست سقف 150 دولارا في ذروتها في يوليو (تموز) من العام الماضي. وتنص متطلبات الاتحاد النقدي والاقتصادي، على أنه «بهدف تحقيق الاتحاد النقدي والاقتصادي بين دول مجلس التعاون بما في ذلك توحيد العملة، تقوم الدول الأعضاء وفق جدول زمني محدد بتحقيق متطلبات هذا الاتحاد، بما في ذلك إحراز مستوى عال من التقارب بين الدول الأعضاء في السياسات الاقتصادية كافة، لا سيما السياسات المالية والنقدية والتشريعات المصرفية ووضع معايير لتقريب معدلات الأداء الاقتصادي ذات الأهمية لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي، مثل معدلات العجز والمديونية والأسعار».