«غولدمان ساكس» تمنح مسؤوليها التنفيذيين علاوات في صورة أسهم

مكافآئاتها تصل 16.7 مليار دولار للعاملين فيها

دفعت مظاهرات الاحتجاج على علاوات «غولدمان ساكس» البنك الى تغيير سياسته (ا.ف. ب)
TT

مع انضمام فرنسا إلى بريطانيا في مقترحها فرض ضرائب باهظة على العلاوات التي تقدمها المصارف لعامليها، تحرك مصرف «غولدمان ساكس»، أول من أمس الخميس، نحو إخماد الضجة المثارة حول الأرباح والرواتب التي يصرفها لعامليه. إذعانا من جانبه للدعوات المنادية بكبح جماح النفقات المصرفية خلال الفترات الاقتصادية الصعبة، أعلن «غولدمان ساكس» أن كبار مسؤوليه التنفيذيين سيتنازلون عن العلاوات النقدية هذا العام. بدلا من ذلك، سيتقاضى المسؤولون التنفيذيون البارزون والبالغ عددهم 30 فردا علاوات في صورة أسهم ـ وهو ترتيب يعني أنهم لن يتلقوا مبالغ مالية ضخمة نهاية العام، لكنه في الوقت ذاته قد يعود عليهم بأرباح طائلة حال ارتفاع أسعار أسهم «غولدمان ساكس» بمرور الوقت. ترمي هذه الخطوة إلى تناول المخاوف المتعلقة باستفادة المصرفيين والمضاربين فيما مضى من مستويات الأداء على المدى القصير. ومن شأن التحول الذي أقره «غولدمان ساكس» احتجاز مكافآت المسؤولين التنفيذيين لخمس سنوات وتمكين المصرف من استعادة العلاوات حال تردي الأوضاع التجارية للمصرف. إلا أن المصرف لم يذكر حجم الأموال التي سيدفعها لمسؤوليه التنفيذيين، ما يوحي بأنه سيستمر على النهج السائد على نطاق واسع داخل قطاع الاستثمار المصرفي القائم على تخصيص قرابة نصف العائدات السنوية إلى الرواتب والعلاوات. في الوقت الذي سيتقاضى المسؤولون التنفيذيون في «غولدمان ساكس» علاواتهم في صورة أسهم طويلة الأمد، فإن قيمتها قد تصل إلى عدة ملايين من الدولارات. ومن غير المؤكد بعد ما إذا كان هذا الإجراء، الذي ينطبق فقط على عدد ضئيل من موظفي «غولدمان ساكس»، سيكون كافيا لتهدئة غضب منتقدي «وول ستريت»، بما في ذلك بعض صانعي السياسات في واشنطن، حيث من المقرر أن يعلن كينيث آر. فينبرغ، المسؤول الأبرز في الإدارة عن سياسات الرواتب والمكافآت، قواعد جديدة للأجور، الجمعة. في هذا الإطار، أوضح نيل وولين، نائب وزير الخزانة، أنه «بدأنا نشهد إقرار بعض المؤسسات لهياكل أجور وسياسات تسير في اتجاه القواعد التي يتحدث عنها الرئيس وفينبرغ، لكن ما يزال أمامنا طريق طويل». بعد عام من إنقاذ الحكومة النظام المالي بمليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، تستعد المصارف حاليا لدفع العلاوات السنوية التي يمكن أن تأتي على مستوى مكافئ لما كان عليه سنوات الفقاعة الاقتصادية. ومن المتوقع، أن تأتي العلاوات الأكبر من قبل «غولدمان ساكس»، الذي نحى جانبا حتى الآن مبلغا قياسيا يبلغ 16.7 مليار دولار من أجل سداد أجور وعلاوات عامليه، أي ما يقارب 700.000 دولار للموظف الواحد. مع تحرك حتى بعض الكيانات العملاقة التي عانت أوضاعا اقتصادية متردية من قبل، «بنك أوف أميركا»، نحو تخليص نفسها من قبضة برنامج الإنقاذ الفيدرالي، يفقد فينبرغ، الذي دعا المصارف لدفع جميع العلاوات في صورة أسهم، الكثير من سلطته. من المنتظر أن يعلن فينبرغ، الجمعة، أنه سيقيد الحد الأقصى على أجور مجموعة من مسؤولي المؤسسات الستة التي ما تزال تحت سلطته عند مستوى 500.000 دولار، وسيطالب بإرجاء دفع الأموال لهم لمدة ثلاثة سنوات، طبقا لمصدر مطلع. إلا أن غالبية المصارف باتت حرة الآن في دفع ما تراه مناسبا من أموال إلى موظفيها، وذلك بعد أن سددت الإعانات المالية التي تلقتها لإنقاذها من الأزمة الاقتصادية الأخيرة. بالنسبة لمنتقدي «وول ستريت»، بل والكثير من المواطنين الأميركيين العاديين، تبدو إمكانية ظهور حقبة جديدة من ثروات «وول ستريت» في غضون مثل هذه الفترة القصيرة من الانهيار المالي أمرا مثيرا للصدمة. وينظر البعض إلى الجولة القادمة من توزيع العلاوات باعتبارها دليل على فشل صانعي السياسات في إصلاح هياكل الأجور التي أسهمت، في بعض الحالات، في تعزيز الممارسات التجارية المنطوية على مخاطرة كبيرة والتي تمخضت بدورها عن الأزمة المالية في بداية الأمر.

على هذا الصعيد، أشار جوناثان كوبيل، بروفسور السياسة العامة لدى «مدرسة ييل للإدارة»، إلى وجود «قلق عام إزاء مستويات الأجور التي نشهدها في النظام المالي. وتزداد صعوبة تقبل فكرة ضرورة الإبقاء على المؤسسات الخاصة بعيدا عن التدخل الحكومي بعدما كان التدخل الحكومي موضع ترحيب شديد العام الماضي عندما جاء في صورة إعانات بمليارات الدولارات». جدير بالذكر أن الكثيرين داخل «وول ستريت» كانوا يترقبون بلهفة ما سيفعله «غولدمان ساكس» إزاء مسألة العلاوات. المعروف أن المصرف يتمتع حاليا بواحد من أكثر الأعوام التي جنى خلالها أرباحا طيلة تاريخه الممتد لـ140 عاما، وكان من شأن استعادته عافيته سريعا اكتسابه مكانة رائدة على الصعيد المصرفي. وقد انصبت الكثير من مشاعر السخط على الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»، لويد سي. بلانكفين، الذي بعدما عمد في البداية إلى الدفاع بقوة عن سياسات توزيع الأرباح والأجور في المصرف، ثم أعلن رفضه الشديد دعوات تقليص الأرباح والعلاوات لموظفي المصارف، اعتذر عن الأخطاء التي أسفرت عن الأزمة المالية. يذكر أن بلانكفين رفض تلقي علاوات العام الماضي. عام 2007، تقاضى قرابة 67.5 مليون دولار، وهو مبلغ قياسي بمعايير «وول ستريت». أما هذا العام، فمن المقرر أن يلتقي و29 مسؤولا آخر من كبار المسؤولين التنفيذيين بالمصرف علاوات قد تكون ضخمة للغاية، لكنها ستأتي في صورة ما وصفه المصرف بأنه «أسهم مخاطرة»، أو أسهم من المتعذر بيعها لمدة خمس سنوات ويمكن استرجاعها حال إتيان المسؤول التنفيذي بأمر يضر بالمؤسسة. يذكر أن المصرف اعتاد منذ أمد بعيد دفع جزء من العلاوات في صورة أسهم. من ناحية أخرى، أعلن «غولدمان ساكس»، الخميس، وللمرة الأولى منحه حاملي الأسهم الحق في المشاركة في تحديد سياسات المكافآت في المصرف، إلا أن أصواتهم لن تكون ملزمة. بيد أن هذا التحول على مستوى القيادة داخل «غولدمان ساكس» لن يحول دون خضوع موظفيه في فرنسا وبريطانيا لضريبة ضخمة على الربح المفاجئ أقرتها الدولتان. بعد اقتراح وزير الخزانة البريطاني فرض مثل هذه الضريبة في وقت سابق من الأسبوع، أعلنت وزيرة المالية الفرنسية، كريستين لاغارد، الخميس، تأييدها فرض ضريبة مشابهة داخل فرنسا، وذلك في إطار مقابلة أجريت معها، وأعربت عن أملها أن تحذو دول أخرى هذا الحذو. من ناحيتها، وصفت المستشارة الألمانية، انجيلا ميركيل، الضريبة المقترحة بأنها «فكرة جذابة»، في إطار خطاب ألقته في بون بألمانيا. من ناحية أخرى، يشهد نطاق سلطة فينبرغ، في تلك الأثناء، انكماشا سريعا، حيث سدد «بنك أوف أميركا»، الأربعاء، أموال الإنقاذ المالي التي تلقاها، وسيخضع أكبر 25 مسؤولا بالمصرف فقط لسلطة فينبرغ هذا العام، حيث كان قد أصدر قرارا بشأن أجورهم في أكتوبر (تشرين الأول). في الأيام الأخيرة، حاول «سيتي غروب» أيضا قطع شريان الحياة الواصل بينه وبين واشنطن في إطار مساعيه لحماية عامليه من القواعد التي سيعلنها فينبرغ، الجمعة. من ناحيته، قال جوزيف إيه. غروندفست، البروفسور «بمدرسة ستانفورد للقانون»: «لدى كين فينبرغ تأثير يدفع الناس بعيدا عن أموال الإنقاذ المال أكبر من تأثيره على المكافآت». إذا ما أعادت «سيتي غروب» أموال الإعانات المالية، ستبقى فقط «أميركان إنترناشونال غروب» وصانعي السيارات في ديترويت وشركات التمويل المرتبطة بهم خاضعة للقواعد التي سيعلنها فينبرغ. داخل «كرايسلر» و«جنرال موتورز»، يتقاضى عدد قليل من الموظفين أكثر من 500.000 دولار على أي حال. من جهتها، قالت روز ماري أورينز، أحد الشركاء في «كمبنسيشن أدفيري بارتنرز» في نيويورك، إن مشاعر السخط الموجهة إلى «وول ستري» من غير المحتمل أن تتضاءل طالما ظلت الظروف الاقتصادية هشة.

* خدمة «نيويورك تايمز»