ائتلافان عالميان يفوزان بعقود تطوير أكبر حقلين للنفط في العراق

وسط اعتراضات برلمانية بعدم قانونيتها

TT

فاز ائتلافان عالميان بقيادة كل من شركة «شل» الهولندية والشركة الوطنية الصينية للبترول «سي إن بي سي»، بتطوير حقلين نفطيين عملاقين في العراق في جولة التراخيص الثانية التي جرت أمس الجمعة في بغداد. وافتتح رئيس الوزراء نوري المالكي جلسة تقديم العروض في وزارة النفط بحضور ممثلي 44 شركة نفطية تشارك في المزاد العلني وبينها الشركات الدولية الكبرى. ويتعلق استدراج العروض بعشرة حقول نفطية على أن تمنح خمسة منها أمس الجمعة والخمسة المتبقية اليوم السبت. وأعلن وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني أن ائتلاف شركتي «شل» الإنكليزية ـ الهولندية و«بتروناس» الماليزية فاز بعقد تطوير حقل مجنون النفطي الضخم جنوبي العراق.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أوضح الشهرستاني أن هذا الائتلاف الذي تشارك فيه شركة «شل» بنسبة 60% و«بتروناس» بنسبة 40%، فاز بالعقد بسعر 1.39 دولار للبرميل الواحد متعهدا أن يصل إنتاج هذا الحقل إلى ما معدله 1.8 مليون برميل يوميا، لفترة تمتد إلى ست سنوات. وخسر الائتلاف المنافس الذي يضم شركتي «توتال» الفرنسية (57%) و«سي إن بي سي» الصينية (43%) بعدما قدم عرضا بلغ 1.75 دولار للبرميل بسقف إنتاجي يصل إلى 1.4 مليون برميل يوميا. ويقدر الاحتياطي النفطي لحقل مجنون الضخم الواقع في جنوب العراق قرب الحدود الإيرانية بنحو 12.580 مليار برميل، ينتج منها حاليا 45900 برميل يوميا فقط. في المقابل فاز ائتلاف شركات «سي إن بي سي» الصينية (50%) و«توتال» الفرنسية (25%) و«بتروناس» الماليزية (25%) بعقد تطوير حقل الحلفاية، جنوبي العراق، بحسب ما أعلن الشهرستاني. وقال الوزير العراقي إن هذا الائتلاف فاز بعقد تطوير حقل الحلفاية بعد تقدمه بنقاط المنافسة وحصوله على 98 نقطة. وكان العرض الذي قدمه الائتلاف هو 1.40 دولار للبرميل مع سقف إنتاجي يصل إلى 535 ألف برميل يوميا، على مدى ست سنوات. وفشلت ثلاثة ائتلافات أخرى، تضم شركات مختلفة، في جولة التنافس بعدما حصلت على نقاط أقل. ويقدر احتياطي حقل الحلفاية بنحو 4.1 مليار برميل من النفط. أما في ما يتعلق بحقل القيارة الذي يحتوي على نحو 807 ملايين برميل من النفط والواقع في محافظة نينوى (شمال)، فلم تتقدم سوى شركة «سونانغول» الأنغولية بعرض لم يتماشَ مع مخططات وزارة النفط. وقال الشهرستاني إن «شركة واحدة هي (سونانغول) تقدمت لحقل القيارة بعرض قدره 12.5 دولار عن البرميل المنتج والوصول بسقف إنتاج إلى نحو 120 ألف برميل يوميا، فيما عرضت الوزارة خمسة دولارات عن البرميل»، مضيفا: «اقترحنا عليهم أن يعدلوا العرض لكنهم اعتذروا، لذلك رفض العرض». وأضاف: «سنتولى تطوير الحقل وفقا لقدراتنا الوطنية». ولم تتقدم أي شركة بعروض للاستثمار في حقل شرق بغداد والحقول الشرقية، ما دفع وزارة النفط إلى الاعتماد على ذاتها في تطوير هذه الحقول. وقال الشهرستاني: «لم نتسلم أي عرض من أي شركة بخصوص حقل شرق بغداد والحقول الشرقية. ستتولى وزارة النفط تطوير هذه الحقول كما كانت تقوم بذلك من قبل». ويقدر احتياطي النفط في حقل شرق بغداد بنحو 8.1 مليار برميل من النفط، فيما يبلغ احتياطي الحقول الشرقية، وعددها أربعة، نحو 0.367 مليار برميل. وقال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في كلمة له خلال افتتاح الجولة الثانية: «لقد كانت واردات النفط في زمن النظام المباد تتحول إلى أسلحة وحروب لا منفعة للعراقيين فيها، أما اليوم فستتحول إلى عناصر سلام ومحبة وخدمة وتحقيق تطلعات الشعب العراقي لأنه صاحب هذه الثروة». وأضاف أن «هذه الجولة تمثل ظاهرة متطورة في تأريخ الصناعة النفطية العراقية من خلال ما نشهده اليوم من تنافس واضح وشفاف بين الشركات العالمية يتم أمام أنظار الجميع، وليس كما كان يحصل سابقا في الغرف المغلقة وخلف الأبواب».

وأثنى المالكي على حضور الشركات وتقييمهم الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في العراق، وقال إن هذا «يؤكد أن العراق أصبح متطورا في العملية السياسية، ولم يعد يتعامل مع القضايا بتقلبات سياسية، إنما يتعامل معها ضمن نظام دستوري ومسؤول»، معربا عن سعادته بهذه الظاهرة التي تتم بعيدا عن الاتهامات للحكومة والتشكيك بمواقفها بهذا الجانب.

وتابع رئيس الوزراء: «إن ما تحقق في جولة التراخيص الأولى رفع قدرة إنتاج النفط إلى ستة ملايين برميل، واليوم نريد أن نحقق المزيد في هذه الجولة بحضور 35 شركة عالمية، وإن العالم اليوم ينظر إلى هذه التجربة باحترام وتقدير، وقد تكون مؤهلة لأن تصبح نموذجا تعتمده الدول الأخرى، متمنيا للشركات الوطنية أن ترفع من قدرتها ومستوياتها الإنتاجية»، داعيا الشركات الفائزة إلى الإسراع بتنفيذ العقود، مؤكدا أن الحكومة ستوفر الأجواء المناسبة لإنجاح مهامها وحماية كوادرها وجميع من يعمل في العراق.

من جهته أكد المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن تطوير الحقول النفطية المطروحة ضمن جولات التراخيص سيرفع صادرات العراق من النفط الخام إلى سبعة ملايين برميل يوميا خلال السنوات الست المقبلة، منوها بأن البلاد ستقفز من المرتبة الحادية عشرة التي تحتلها حاليا بين الدول المنتجة للنفط إلى المرتبة الثالثة من خلال الاستثمارات النفطية».

وحسب بنود المناقصة، ستمنح الشركات الفائزة في المزاد بعقود التطوير نسبة ثابتة على كل برميل، وليس نسبة من الأرباح، وستدفع الحكومة العراقية تلك الكلفة ما إن يتم الاتفاق على مستوى الإنتاج المنتظر. مقرر لجنة النفط والغاز في مجلس النواب أسامة النجيفي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن هناك اعتراضا من قِبل عدد كبير من النواب على أن هذه العقود غير قانونية لأن أي عقد مع شركة أجنبية يتطلب تشريعا من البرلمان، وهذا ما لم يحصل، فالحكومة ألغت مجلس النواب ووقّعت مع شركات أجنبية وفق مرحلتين، وهي حقول عملاقة في العراق، وسط اعتراضات حول طريقة التعاقد والرؤية المستقبلية لوزارة النفط والخلل الذي أصاب شركة النفط العراقية، والبرلمان ينظر إلى هذه العقود على وجوب إقرارها من قِبله أو يرفضها، لكن الحكومة لم تمتثل ووقعت العقود واعتبرتها نافذة بصلاحية مجلس الوزراء وهو أمر غير قانوني وعلى الشركات العالمية الانتباه إلى أن هذا الأمر سيُنقَض لاحقا في أي حكومة مستقبلية أو برلمان مستقبلي ولم تُعتبر عقودا مقبولة من الشعب العراقي».

من جهته قال صباح الساعدي النائب عن حزب الفضيلة أحد مكونات الائتلاف العراقي في بيان بثه أمس إن النفط العراقي يتعرض لما سمّاه «أكبر عملية نهب»، وقال إن عمليات البيع والشراء «يشوبها الكثير من الشكوك»، وذكر الساعدي أن وزارة النفط تبيع وفقا لعقود أقل من سعر السوق بـ17 دولارا، وأشار إلى أن ما يصدَّر هو أكثر من مليونَي برميل يوميا، مضيفا أنه بعملية حسابية بسيطة نجد أن ما يهدر أو ينهب من واردات النفط يوميا يقدر بـ34 مليون دولار، كما تحدث الساعدي عن 200 ألف برميل تصدر يوميا، ولا يعرف إلى أين تذهب، وذلك طبقا لتقارير التصدير التي تعلنها عدة جهات وهي لجنة النفط في مجلس الوزراء».

وسيتواصل استدراج العروض اليوم السبت مع منح الحقول الخمسة المتبقية وفي طليعتها حقل غرب القرنة2 الذي يضم احتياطيا قدره 12.8 مليار برميل. ويبلغ إجمالي الاحتياطي للحقول العشرة المطروحة في الاستدراج 41.2 مليار برميل.

وفي حال نجحت جولة التراخيص هذه فقد يصبح العراق بعد ست سنوات في مستوى كبار منتجي النفط في العالم. وكانت الجولة الأولى من العروض أُجريت في يونيو (حزيران) الماضي وشاركت فيها 32 شركة من جنسيات مختلفة، وشملت عقود تطوير حقول الرميلة الشمالي والجنوبي والزبير وغرب القرنة في محافظة البصرة وبزركان وأبو غرب والفكة في محافظة ميسان وحقلي كركوك وباي حسن، التي يشكل إنتاجها أكثر من 80 في المائة من مجمل إنتاج النفط العراقي، إضافة إلى حقلين غازيين.