المشاكل المالية للدول التهديد الأكبر الذي يهدد الاقتصاد العالمي

ديون اليونان تثير القلق

TT

سارعت الحكومة اليونانية يوم الجمعة إلى صياغة خطة طوارئ تهدف من خلالها إلى السيطرة على مواردها المالية سريعة التقلب، وسط مخاوف من أن تثير أزمة ديون اليونان حالة جديدة من الاضطراب في الأسواق العالمية.

ومع استعادة بعض البنوك الكبرى عافيتها، تبدو المشاكل المالية داخل كل الدول هي التهديد الأكبر الذي يهدد الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن التعهد باتخاذ إجراءات سريعة داخل العاصمة اليونانية أثينا ساعد على تهدئة أسواق السندات المتقبلة يوم الجمعة، فإن المحللين مضوا يحذرون من وجود مسببات للقلق داخل دول مهمة مثل بريطانيا.

وقد أثر قلق المستثمرين بخصوص قدرة بريطانيا على إدارة ديونها المتزايدة خلال الأعوام المقبلة على سنداتها يوم الخميس في أعقاب الإعلان عن خطة موازنة حكومية لم تتضمن تفاصيل الطريقة التي سوف تخرج بها البلاد من عجز ضخم.

ويحذر محللون ومعهم هيئات تقييم الائتمان من أن دولا ذات معدلات ديون مرتفعة بالفعل قد سجلت عجزا كبيرا مهولا خلال الأزمة المالية، مع تراجع الضرائب على الرغم من ارتفاع الإنفاق العام.

ويشعر المراقبون بالمزيد من القلق بخصوص العجز في الموازنة الأميركية، وأصدرت مؤسسة «موديز» للتقييم هذا الأسبوع تقريرا يحذر من أنه يجب على الولايات المتحدة الأميركية صياغة خطة للتعامل مع العجز أو مواجهة خطط ارتفاع معدلات فائدة أعلى «وتدهور كبير في القدرة على تحمل الديون يمكن أن يأتي من تراجع في الثقة في أسواق مالية».

ولكن، لا تزال أذون الخزانة الأميركية ملاذا آمنا بصورة نسبية على ضوء حجم الاقتصاد الأميركي والإشارات المتزايدة إلى أنه قد يكون في طريق التعافي. وعلى النقيض، لا تزال اليونان تعاني من حالة ركود اقتصادي، ومنغمسة في الديون بصورة أكبر مقارنة بالولايات المتحدة بالتناسب مع حجم اقتصادها. ويشعر المستثمرون بالقلق الشديد لا سيما منذ أن أعلنت شركة «دبي العالمية» الحكومية تعليق سدادها للديون الشهر الماضي، علما بأن ديونها تبلغ في قيمتها 60 مليار دولار.

ويقول بيير كايلتو، رئيس تقييم الصناديق السيادية العالمية لصالح «موديز» في لندن «لقد قام صانعو السياسات بأخذ البلاد إلى مناطق مجهولة (للديون) مع ضخ تحفيز مالي، والحقيقة هي أن بعض الدول وصلت إلى أقصى حد يمكنها الوصول إليه».

ويضع الضغط من جانب المستثمرين لبدء تقليص العجز في الموازنات بعض الدول في مأزق شديد. ويعتقد معظم الاقتصاديين، البعض منهم داخل صندوق النقد الدولي، أنه من المبكر جدا بالنسبة للحكومات البدء في لملمة برامج التحفيز المكلفة التي يرجع لها الفضل في المساعدة على تحسين الاقتصاد العالمي خلال الأشهر الأخيرة.

لكن، يركز ضغط المستثمرين على دفع بعض الدول القيام بذلك. وفي سعيها لاستعادة الثقة، قامت أيرلندا التي تعاني من مشاكل كبيرة هذا الأسبوع بالإعلان عن تخفيضات في الموازنة قيمتها 4 مليارات دولار، ويعني ذلك تخفيضات واسعة في المدفوعات الحكومية للعاطلين والمعاقين، بالإضافة إلى الرواتب الحكومية. وفي سعيها لتهدئة المستثمرين، أعلنت الحكومة الاشتراكية الجديدة في اليونان أنها سوف تصوغ تخفيضات عاجلة الأسبوع المقبل. وقللت احتمالية القيام بهذه التخفيضات من الضغط على سنداتها يوم الجمعة بعد أكبر عملية بيع شدتها هذه السندات خلال أكثر من 10 أعوام. ولكنها أثارت المخاوف من أن الاقتصاد اليوناني سوف يحتاج إلى وقت أطول.

وقد جاءت الحكومة الاشتراكية إلى سدة الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول)، وتعهدت بحماية المرتبات الحكومية من الإنفاق العالم. ولكن، يقول ديفيد ريلي، رئيس تقييمات الصناديق السيادية العالمية في «فيتش»: «سيكون على الحكومة القيام بالنقيض، حيث إنها تحتاج إلى تقليل الإنفاق». ويضيف «هذا جزء من مشكلة مصداقية يواجهونها، سيقولون إنهم سوف يتعاملون مع الموازنة، ولكن هل سيكونون قادرين على القيام بذلك على أرض الواقع؟».

وعلى الرغم من أن المستثمرين ينظرون بعين القلق إزاء عدد من الدول، فإن أكثر الدول التي تخضع لهذا التدقيق هي اليونان. وقد صدمت الحكومة الجديدة المستثمرين بالكشف عن أن الحكومة السابقة قللت بدرجة كبيرة من المشاكل المالية التي تعاني منها البلاد. وأظهرت البيانات التي جرت مراجعتها أن عجز الموازنة يبلغ 12.7 في المائة من الدخل القومي، وهو ضعف الأرقام التي أعلنت في السابق، وأن الاقتصاد يعاني من حالة من الركود منذ أكثر من عام بدلا من أن يشهد نموا.

ومع ازدياد الشكوك في رغبة الحكومة القيام بخصومات قاسية، قلقت «فيتش» من تقييمها للدين اليوناني للمرة الثانية في ستة أسابيع. وسعى رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو يوم الجمعة إلى تهدئة المستثمرين، وأكد على أن البلاد لن تعجز عن سداد ديونها التي تبلغ 350 مليار دولار، فيما أعلن وزير ماليته عن أن الحكومة سوف تخفض الإنفاق بنسبة 10 في المائة العام المقبل، ومن المنتظر الكشف عن التفاصيل الأسبوع المقبل.

وقال باباندريو، الذي من المقرر أن يعقد اجتماعات مع قيادات مجتمعية في أثينا يوم الاثنين لمناقشة الخصومات، في تصريحات لوكالة «رويترز»: «يمكن أن أقول إننا مسؤولون عن الدولة، وإننا سوف نكون على مستوى التزاماتنا، ونحن حكومة جديدة، ولدينا تفويض جديد، وهذا التفويض هو من أجل التغيير، ولذا سوف نمضي قدما في ذلك. والشعب يدعمنا بصورة مطلقة».

وتحتاج اليونان إلى تقديم 82 مليار دولار خلال العام المقبل في صورة التزامات ديون. ويخشى البعض من أنه حال زيادة معدلات الفائدة على السندات اليونانية، فإنه ربما لا يكون أمام الحكومة سوى أن تعلن عن عجز جزئي عن سداد الديون.

ولكن، قبل أن يحدث ذلك، يعتقد الكثير من المحللين أن صندوق النقد الدولي سوف يتدخل من أجل إنقاذها. وسوف يضع ذلك الحكومة في موقف مخجل وربما يتطلب خصومات أشد في الموازنة كشرط لأي اتفاقية. ومن الممكن أيضا أن ألمانيا، التي تشترك في عملة مشتركة مع اليونان في اليورو، يمكن أن تتدخل من أجل إنقاذها، كما أشار مسؤولون هناك مطلع العام الحالي. ولكن ربما تكتنف ذلك صعوبة سياسة، حيث إن القواعد تمنع دولا في منطقة اليورو، البالغ عدد أعضائها 16 عضوا، من إقراض الأموال إلى آخرين للمساعدة على سد ثغرات في الموازنة.

وفي المقابل، يدعو معظم المسؤولين في أوروبا اليونانيين إلى التخلص من المشكلة التي يعانون منها عن طريق القيام بخصومات شديدة. وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه في تصريحات مع صحيفتي «لو إكو» و«دو تيجد»، وهما يوميتان اقتصاديتان تصدران في بلجيكا هذا الأسبوع «بالنظر إلى عظم الموقف، أنا واثق من أن الحكومة اليونانية سوف تقوم في المستقبل القريب باتخاذ الإجراءات الشجاعة والضرورية المطلوبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»