أميركا: أوباما يهاجم «القطط السمان» من المصرفيين ومكافآتهم الضخمة

دعا إلى رقابة مالية قوية.. والنواب يوافقون على مشروعه لإصلاح وول ستريت

الرئيس الأميركي باراك أوباما يلقي خطابا في احدى المناسبات («الشرق الأوسط»)
TT

انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما، من أسماهم بـ«القطط السمان» الذين يحصلون على مكافآت مصرفية كبيرة، معربا عن غضبه من اعتزام المصارف التي أنقذتها الحكومة بأموال دافعي الضرائب منح مكافآت ضخمة لموظفيها بينما يعاني الأميركيون من الفقر والبطالة. وقال أوباما خلال مقابلة مع شبكة «سي بي إس» ضمن برنامجها «ستون دقيقة» ستبث مساء اليوم الأحد، «لم أترشح (للرئاسة) كي أساعد حفنة من القطط السمان في وول ستريت».

و«القطط السمان» هو تعبير ساخر يستخدم في الأوساط المالية لوصف كبار المصرفيين والمتعاملين. ومع ارتفاع البطالة إلى معدل 10 بالمائة، ووسط انكماش ساهمت فيه تجاوزات المؤسسات المالية، أعرب أوباما عن إحباطه، وقال: «ما يثير عجبي هو أن الناس في وول ستريت لم يستوعبوا الأمر بعد». وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية بحسب الكثير من الخبراء أن الرواتب والمكآفات المجزية التي تمنحها المؤسسات المالية في وول ستريت كانت من الأسباب الرئيسية في التشجيع على الإقدام على مغامرات استثمارية مبالغ فيها، أدت إضافة إلى أزمة الرهن العقاري إلى حدوث أزمة مالية دولية، ودفعت القطاع المالي الأميركي إلى حافة الانهيار قبل عام. وقال أوباما إنه يعتقد أن بعض البنوك أعادت بعض الأموال التي أقرضتها لها الحكومة لمنعها من الانهيار خلال الأزمة المالية، من أجل التهرب من الضوابط الحكومية التي ترعى المكافآت. وأضاف «هم ما زالوا يتساءلون لماذا الناس غاضبة من المصارف، حسنا لنرى: أنتم تحصلون على مكافآت من 10 أو 20 مليون دولار بعد أسوأ عام مر على الاقتصاد الأميركي منذ عقود وأنتم من تسبب بالمشكلة». وقال «هذه هي البنوك نفسها التي استفادت من المساعدات التي جاءت من أموال دافعي الضرائب، التي تحارب بكل ما أوتيت من قوة مع جماعات الضغط التابعة لها (...) في الكونغرس ضد فرض الضوابط المالية». وقد دافع الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس عن وكالة لحماية المستهلك يريد القطاع المالي إضعافها أو تجريدها من مشروع قانون سيعزز التنظيم الرقابي في وول ستريت. كان مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون أقر، أول من أمس، أكبر تغييرات في اللوائح المالية منذ الكساد العظيم وذلك في انتصار كان أوباما في أمس الحاجة إليه بعد تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي إلى أقل من 50 في المائة. ويحمل مشروع القانون عنوان «إصلاح وول ستريت وقانون حماية المستهلكين في 2009» ويحدد قواعد جديدة لتجنب تكرار أزمة كالتي عصفت بالولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2008، التي تعد الأسوأ منذ ثلاثينات القرن الماضي. وأنجز نص مشروع القانون تحت إشراف بارني فرانك، رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب ويقع في 1300 صفحة.

ويريد أوباما والديمقراطيون فرض خطوات تحول دون تكرار الأزمة التي وضعت الاقتصاد الأميركي على حافة الانهيار قبل عام وقد استغل الرئيس خطابه الأسبوعي عبر الإذاعة والإنترنت للدعوة إلى «إصلاحات منطقية». وينشئ مشروع القانون مجلسا متعدد الوكالات للإشراف على المخاطر الشاملة في الاقتصاد ومراقبة صناديق التحوط ووكالات التصنيف الائتماني كما يقيم وكالة مالية لحماية المستهلك ويضع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) تحت مراجعة غير مسبوقة للكونغرس إلى جانب إصلاحات أخرى. ويقاوم الجمهوريون وجماعات الضغط التابعة للبنوك والشركات المالية التي قد تتأثر أرباحها منذ شهور لإضعاف الإصلاحات أو تأجيلها منتقدين ما يصفونه بتدخل غير ضروري وباهظ التكلفة في أنشطة الشركات. وستستمر المعركة لشهور داخل مجلس الشيوخ الذي من المتوقع أن يدعو إلى مشروع قانون أكثر تواضعا. وقال أوباما، إن وكالة الحماية المالية للمستهلك المزمعة ستملك سلطة «إنهاء الممارسات المضللة والمخادعة للبنوك والمؤسسات» فيما يتعلق ببطاقات الائتمان والخصم أو الرهون العقارية وقروض شراء السيارات. ويقول منتقدو الوكالة الجديدة إنها ستزيد البيروقراطية الحكومية وتخنق الإبداع وتقلل الخيارات المتاحة أمام المستهلكين، وهو ما رفضه أوباما.

وقال «الأميركيون لا يختارون السقوط ضحية رسوم غامضة وشروط متغيرة وصفحات من الكلمات المدسوسة بين السطور. وفي حين ينبغي تشجيع الابتكار، فإن هذا لا يشمل البرامج عالية المخاطر التي تهدد اقتصادنا بأسره». وقال أوباما الذي يتعرض لضغوط سياسية قوية لتوفير فرص العمل وخفض نسبة البطالة البالغة عشرة في المائة، إن الاقتصاد بدأ فيما يبدو يتجاوز محنته. وقال «هناك علامات جيدة للمستقبل لكن لا عزاء في هذا لكل جيراننا الذين ما زالوا دون عمل». ووافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون «لإصلاح وول ستريت» في أكبر عملية إعادة هيكلة للنظام المالي الأميركي منذ الكساد الكبير في الثلاثينات. وأقر المشروع بموافقة 223 نائبا ومعارضة مائتين ونائبين وهو يقع في 1300 صفحة ويحتوي على مجموعة من الإجراءات التي وضعها حلفاء أوباما الديمقراطيون لمواجهة الأزمة المالية العالمية عام 2008. ويمنح القرار المنظمين سلطة تفكيك أي شركات مالية عملاقة ويحدد طريقة منهجية لحلها في حال انهيارها بما يضمن أن يتحمل المساهمون والدائنون، وليس دافعي الضرائب، الخسائر. كما يعزز القانون سلطات جهاز رقابة البورصة الأميركية لكي يحمي المستثمرين من خلال رصد المخالفات، مثل عملية الاختلاس على نطاق واسع التي قام بها رجل الأعمال برنارد مادوف الذي اعتقل قبل عام. ويتوقع أن يتم رفع القانون إلى مجلس الشيوخ الأميركي في 2010 حيث سيواجه معارضة شديدة من القطاع المالي وحلفائه الجمهوريين، الذين لم يصوت أي منهم لصالح المشروع. وبحسب «رويترز» وصفت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، القانون بأنه تحذير واضح لوول ستريت، بأن «الحفلة انتهت». وقالت الخميس «لم تعد العائلات الأميركية تحت رحمة وول ستريت في ما يتعلق بوظائفها ومنازلها ورواتبها التقاعدية وتعليم أولادها».

واستقطب القانون معارضة شديدة من القطاع المالي والجمهوريين الذين وصفوا المشروع بأنه يخنق الإبداع بفرض قوانين جديدة ضاغطة. وقال الرجل الثاني في الكتلة الجمهورية في مجلس النواب ايريك كانتور، إن القانون «يخيف الناس ويخلق حالة من عدم الاستقرار في الاقتصاد الأميركي ويمنع نمو الوظائف». إلا أن وزارة الخزينة أكدت لوكالة الصحافة الفرنسية أول من أمس، أنها لا تعتزم فرض ضريبة على مكافآت المصرفيين لمرة واحدة فقط لعام 2009 كما فعلت بريطانيا وفرنسا.

وردا على سؤال حول ذلك، قالت المتحدثة باسم الوزارة ميغ رايلي، في رسالة إلكترونية «لن يتم ذلك في هذا الوقت».

وعارض النواب الجمهوريون النص كما بعض الديمقراطيين وإن كان ذلك على حساب فقدان دعم ناخبين غاضبين من وول ستريت في الانتخابات في 2010.

ويرى الرجل الثاني الجمهوري في مجلس النواب اريك كانتور، أن مشروع القانون «يخيف الناس ويخلق أجواء من الشكوك في الاقتصاد الأميركي ما يعيق نمو قطاع الوظائف». ورفض اقتراحا جمهوريا مضادا لمشروع القانون قبل التصويت عليه أول من أمس. ومن التدابير التي قدمتها الغالبية إنشاء وكالة مالية لحماية المستهلكين لتنظيم بعض القطاعات المالية وتفادي الممارسات التعسفية. ويحظر مشروع القانون بعض الأساليب التي تلجأ إليها هيئات منح القروض العقارية ويفرض مبدأ بسيطا ينص على تحقق الدائن من أن المستهلك قادر على تسديد دينه قبل منحه القرض.

وتحت عنوان «قانون تحسين الاستقرار المالي» يقترح النواب إنشاء مجلس مراقبة الخدمات المالية لتنسيق عمل المنظمين وكشف المخاطر المحدقة بالنظام المالي. كما حاول المشرعون تسوية مسألة المؤسسات الكبرى التي قد تعلن إفلاسها في يوم من الأيام واقترحوا أسلوبا منهجيا لتفكيك المؤسسات المالية الكبرى في حال إفلاسها لعدم استخدام الأموال العامة لإنقاذها كما حصل في 2008. ويعالج الإصلاح أيضا قضية التعويضات الممنوحة لكبار الموظفين من خلال جعلها أكثر شفافية وأقل خطورة.

كما يعزز الإصلاح سلطات جهاز رقابة البورصة الأميركية ليحمي المستثمرين من خلال كشف المخالفات مثل عملية الاختلاس على نطاق واسع التي قام بها رجال الأعمال برنارد مادوف الذي اعتقل قبل عام. وسيتبنى كل من مجلسي الكونغرس نسخته الخاصة لمشروع القانون قبل الموافقة على نسخة مشتركة نهائية تعرض على الرئيس أوباما للمصادقة عليها.

وأول من أمس أعربت غرفة التجارة الأميركية ورابطة المصرفيين الأميركيين عن معارضتهما لبعض القواعد الجديدة بعد تصويت مجلس النواب على مشروع القانون.