مجلس الرئاسة العراقي يصادق على تعديلات قانون الاستثمار والسماح للأجانب بتملك مشروط للأراضي

برلماني: هناك معارضة للتعديلات.. والأجانب يطالبون بمزيد من الضمانات

الفرص الاستثمارية في العراق تجذب المستثمرين العرب والأجانب («الشرق الأوسط»)
TT

قانون الاستثمار العراقي الجديد، رغم إقراره في عام 2006، فإنه كان وما زال سببا رئيسيا للتجاذبات السياسية والاقتصادية، بسبب إحدى مواده فقط التي تتعلق بموضوع (حق تملك الأجنبي للأرض العراقية)، وتاريخ العراق سجل العديد من النقاط التي يتوقف عندها المشرعون قبل خوضهم في التملك، فزيارة واحدة إلى مدن النجف وكربلاء وبابل وبغداد والبصرة كافية للاطلاع على أن مساحات واسعة من أراضيها يمتلكها عرب وأجانب، فهناك أملاك لمواطنين هنود وأخرى لطائفة (البهرة) الشيعية في المناطق المقدسة، وإيرانيين وخليجيين وحتى أجانب، وفي بغداد والبصرة بقيت أملاك اليهود تدار من قبل الإدارات المحلية لتلك المدن، وهناك محامون ورجال قانون يقومون باستحصال ريعها وإيداعها في صندوق يدار من المحافظة باسم اليهود.

وبعد عام 2003 بدأ العراق ـ الذي وجد نفسه بأمس الحاجة لأموال ضخمة جدا لإعادة ترميم البنى التحتية أو النهوض بواقعه الصناعي والتجاري والزراعي والسياحي ـ في البحث عن مصادر تمويل غير عوائد النفط التي تشكل ما نسبته 94% من مصادر موازنته الفيدرالية التي تصاعدت بشكل لافت للنظر من 22 مليار دولار إلى 67 مليارا وأكثر من ذلك، وبعد دراسة استمرت لسنوات لم يجد المتخصصون فرصة للنجاة بغير اللجوء للتمويل الخارجي وبدء فتح العراق أمام تدفق أموال المستثمرين العرب والأجانب الذين كانوا يحملون شروطا ضامنة لهم ولاستثماراتهم، مما شكل عامل ضغط لإقرار قانون الاستثمار لعام 2006 والذي لم يلب الطموح بحسب الخبير القانوني في البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح، رغم ما تمتع به من مميزات لصالح المستثمر الذي يبحث دوما عن الأمان لأمواله.

وأضاف الخبير أن «قانون الاستثمار هو القانون الوحيد الذي يجب ألا ننظر له من وجهة نظر محلية بل يجب أن يشرع وفق ما يراه الأجانب،» مشيرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قانون الاستثمار منح الامتيازات الكبيرة للمستثمر الأجنبي، مثل صلاحية شراء الأسهم وإدارة المحافظ الاستثمارية، كما نص على إنشاء هيئة وطنية للاستثمار، ومنح المشروعات الاستثمارية إعفاءات ضريبية تصل إلى 15 عاما، وتضمنت المسودة المعدلة من قانون الاستثمار التي تمت الموافقة عليها 36 مادة، ونصت على تشكيل هيئة تسمى «الهيئة الوطنية للاستثمار» التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار من خلال تعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية والتعرف على فرص الاستثمار وتحفيز الاستثمار فيها والترويج لها وتبسيط إجراءات التسجيل والإجازة للمشاريع الاستثمارية ومتابعة المشاريع القائمة منها وإعطاء الأولوية لها في الإنجاز لدى الجهات الرسمية، وكذلك تسهيل تخصيص الأراضي اللازمة وتأجيرها لإقامة المشاريع بمقابل تحدده الهيئة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، فضلا عن العمل على إقامة مناطق استثمارية آمنة وحرة بموافقة مجلس الوزراء».

وأعطى القانون المستثمر الأجنبي حق التداول في سوق الأوراق المالية والأسهم والسندات، إضافة إلى تكوين المحافظ الاستثمارية في الأسهم والسندات واستئجار الأراضي اللازمة للمشروع أو المساطحة للمدة التي يكون فيها المشروع الاستثماري قائما، على أن لا تزيد على الـ 50 سنة قابلة للتجديد بموجب موافقة الهيئة، وكذلك من حق المستثمر الأجنبي التأمين في شركات التأمين على المشروع وفتح حسابات بالعملة العراقية أو الأجنبية في فروع المصارف في العراق أو خارج العراق.

ويضمن القانون، وحسب الخبير المالي «أن تكون أولوية التوظيف واستخدام العاملين للعراقيين، فضلا عن منح المستثمر الأجنبي والعاملين الأجانب في المشاريع الاستثمارية حق الإقامة في العراق وتسهيل دخولهم وخروجهم من وإلى العراق إضافة إلى ضمان عدم مصادرة أو تأميم المشروع باستثناء ما يصدر في حكم قضائي بات، ويتمتع المشروع الاستثماري بما تتمتع به المشاريع الحاصلة على إجازة الاستثمار من الهيئة بالإعفاء من الضرائب والرسوم لـ 10 سنوات من بدء التشغيل التجاري للمشروع وفق المناطق التنموية التي يحددها مجلس الوزراء، وترتفع سنوات الإعفاء إذا كانت هناك مساهمة من مستثمر عراقي وتصل إلى 15 سنة إذا كانت مساهمة المستثمر العراقي تصل إلى 50 في المائة».

كل هذه الامتيازات لم تكن عامل جذب كبيرا للمستثمر الذي وجد في موضوع عدم تمكنه من تملك العقار مشكلة كبيرة، وهذا ما أكد عليه العشرات من المستثمرين الأجانب خلال مؤتمر الاستثمار العالمي الذي أقيم في لندن قبل أشهر من الآن وحضره رئيس الوزراء نوري المالكي، حيث طالب الجميع بتعديل العديد من الفقرات لتكون أكثر ملاءمة لعملهم داخل العراق، وهنا جاءت موافقة رئيس الوزراء الذي عمل وفور عودته على إعداد دراسات شاملة للنظر بجميع طلبات المستثمر الأجنبي، ورفعت تعديلات لمجلس النواب العراقي، الذي صوت على التعديلات لرفعها إلى مجلس الرئاسة الذي نقضها مرة أولى ليعاد المشروع للتعديل وتحديدا فقرة التملك للأجنبي، وهنا عدلت لتأتي مشروطة وحصر التملك فقط لمشاريع الإسكان على حد تعبير عضو البرلمان العراقي ومقرر لجنة الاستثمار يونادم كنا. وقد أعلن علي الدباغ، الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، أخيرا، أن حكومته أقرت مشروع قانون تعديل قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 والذي يتيح للمستثمر الأجنبي حق تملك الأراضي والعقارات العائدة للدولة ببدل يحدد وفق نظام خاص، وله أيضا حق تملك الأراضي والعقارات العائدة للقطاعين المختلط والخاص لغرض إقامة مشاريع الإسكان عليها. النائب في اللجنة الاقتصادية محمد خليل أكد لـ«الشرق الأوسط» «أن التعديلات التي أجريت داخل البرلمان على قانون الاستثمار فيها الكثير من الإيجابيات، إذ كان القانون السابق فيه الكثير من العقبات التي كانت حجر عثرة أمام المستثمر الأجنبي الراغب بالدخول للسوق العراقية، أما الآن فقمنا بإزالة هذه العقبات ومن أهمها حق تمليك الأراضي ونقل رؤوس الأموال ناهيك عن تسهيلات مصرفية كبيرة جدا».

من جهته قال الخبير الاقتصادي أسعد العاقولي لـ«الشرق الأوسط» «إن طمأنة المستثمر من خلال تعديل حقوق التملك مسألة مهمة لاستدراج رؤوس الأموال، ودعا إلى تثقيف المواطن العراقي بشأن الاستثمار لكونه مفهوما جديدا أو توجد عنه تصورات خاطئة».

غير أن عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي عالية نصيف جاسم قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون الاستثمار غير المعدل جوبه بالعديد من الاعتراضات بين الكتل النيابية، لكن هذه الاعتراضات لم يؤخذ بها من قبل اللجنة المتخصصة، وهذا ما أدى إلى صدور قانون غير منسجم مع معطيات الحكومة المركزية وفروع هيئات الاستثمار في المحافظات».

رئيس شركة «كاندي كروب» الألمانية يوسف العطار، الذي زار العراق أخيرا بهدف الاستثمار وتحديدا في مجال تمويل المشاريع الحكومية، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن (الوضع الأمني في بغداد، لم أجده آمنا)، وأضاف العطار، الذي ينحدر من أصل تركي، إنها مشكلة حقيقية يعاني منها ليس العراقيين فحسب بل إن أغلب رجال الأعمال والمستثمرين في العالم تريثوا في موضوع إدخال رؤوس أموالهم لهذا البلد للسبب ذاته.

رئيس هيئة الاستثمار العراقية، سامي الأعرجي، أكد أن إقرار التعديلات يمثل «خطوة مهمة من شأنها تذليل الكثير من العقبات التي تعترض العملية الاستثمارية» في البلاد، كونه يحمل امتيازات كبيرة للمستثمرين المحليين والأجانب بالإضافة إلى تسهيلات وضمانات مختلفة تشجع على الاستثمار، منها تمليك المستثمر الأجنبي الأراضي لأغراض المشاريع السكنية، ولا تخضع أية مشاريع استثمارية لقانون بيع وإيجار أموال الدولة 32 لسنة 1986» حسب قوله.

وأضاف أن «القانون وضع جميع الأراضي في مختلف أنحاء العراق والعائدة للوزارات المختلفة تحت تصرف هيئة الاستثمار لأغراض إنشاء المشاريع عليها، ومنح امتيازات للشركات المحلية العامة والخاصة وذات التمويل الذاتي مثلما نظم عمل هيئات المحافظات بشكل كبير» على حد تعبيره. وأشار الأعرجي إلى أن «المستثمرين سيشعرون بأن قانون الاستثمار الجديد هو الراعي والحامي لاستحقاقاتهم ومصالحهم»، وزاد «لدينا حاليا باقة استثمارات مكونة من 750 مشروعا في مجالات مختلفة منها السكن والكهرباء والماء كانت قد عرضت في مؤتمرات الاستثمار التي عقدت في وقت سابق في واشنطن وباريس وبرلين» وفق قوله. ودعا العراق الثلاثاء الماضي الشركات العالمية إلى الاستفادة من قانون جديد يسمح للأجانب بتملك أراض، ودعاها لبناء مساكن للوفاء بهدف تشييد 500 ألف وحدة جديدة بقيمة إجمالية 25 مليار دولار.

وقال سامي الأعرجي رئيس الهيئة الوطنية العراقية للاستثمار للصحافيين في مؤتمر صحافي إن الهيئة تعتقد أن هذا المشروع هو الأكبر في الشرق الأوسط.

وأضاف أنه سيتم تشييد الوحدات وبيعها بالتنسيق مع الحكومة التي تسعى إلى بناء معظم المساكن في بغداد وتعتزم تخصيص 60 في المائة منها لموظفي الحكومة.

ويقدر العراق أنه سيحتاج لنحو مليوني منزل جديد خلال السنوات الخمس المقبلة.