تراجع روح «غولدمان ساكس» القديمة رغم ازدهاره في زوبعة الأزمة العالمية

تحذيرات ومخاوف من أن ثقافة النجاح التي ميزت البنك لفترة طويلة معرّضة لبعض المخاطر

لويد بلانكفين الرئيس التنفيذي لبنك «غولدمان ساكس» متحدثا في إحدى المناسبات (أ.ب)
TT

قبل ما يزيد قليلا على أسبوع، وتحديدا في مساء يوم السابع من ديسمبر (كانون الأول)، استضاف ليود بلانكفين تجمعا يهدف إلى لم شمل أحد أكثر الأندية نخبوية في قطاع التمويل الأميركي، وهم: شركاء سابقون في «غولدمان ساكس»، عملاق «وول ستريت» الذي يتزعمه الذين حققوا نجاحا بارزا ومثيرا للجدل منذ 2006. وكان ذلك في نادي نيويورك الرياضي المهيب، وتم الاحتفاء بماضي «غولدمان» والنظر إلى مستقبله. وسئل السيد بلانكفين «كيف يريد أن يكون إرثه؟». وأجاب بأنه مثل أسلافه يأمل في أن يستفيد «غولدمان» من كل الفرص المتاحة خلال رئاسته. ويشار إلى أنه لم يحصل سوى عدد قليل داخل وخارج «وول ستريت» حصلوا على فرص خلال هذه الظروف الاقتصادية مثل بلانكفين.

ولكن، في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، القطاع المالي كي يبذل المزيد من أجل مساعدة المواطنين الأميركيين العاديين ـ علما بأنه وبخ «المصرفيين الذين يشبهون القطط السمان» يوم الأحد لارتفاع رواتبهم ـ يقول مسؤولون حاليون وسابقون في «غولدمان» إن بلانكفين قام ببناء منظومة مالية تضع أرباحها فوق الجميع، على الرغم من تقييم عملائها وثقافتها وسمعتها.

وترسم مقابلات أجريت مع نحو 20 شريكا سابقا وحاليا في «غولدمان ساكس» صورة للبنك الذي يقوده أكفاء مثل بلانكفين، الذي يراهن بمبالغ كبيرة في أسواق عالمية أملا في الحصول على مكاسب سريعة. ويشير هؤلاء إلى تراجع نشاط مصرفيين حذرين يعطون استشارات إلى مؤسسات ويساعدونها على الحصول على رأسمال، وهو ما كان في السابق مصدرا مهما للأرباح بالنسبة لـ«غولدمان».

وقد أحاط بلانكفين نفسه بدائرة محكمة من التنفيذيين القادمين من قسم عمليات التداول التابع لـ«غولدمان». والكثير من هؤلاء التنفيذيين، مثل بلانكفين، كانت أول خبرة لهم من شعبة السلع داخل «أرون آند كومباني». وجاء أيضا غاري كوهين، رئيس «غولدمان»، ورؤساء شعبة إدارة الأصول في البنك، من «آرون». وكذا الحال مع رئيس قسم الموارد البشرية.

ومع صعود نجم المتداولين، هناك دعوات كي يقوم مصرفيو «غولدمان» بتحقيق أرباح أكبر. وفي إطار ما سماه شركاء سابقون تحولا جذريا، يستخدم «غولدمان» حاليا «ملفات» لتعقب كمية الأموال التي يجذبها المصرفيون داخله. ومعلوم أن الأموال هي ما تجعل «وول ستريت» قائمة، ولا يوجد استثناء بالنسبة لـ«غولدمان ساكس». ويقول آرثر ليفيت، مستشار «غولدمان» والرئيس السابق للجنة الأوراق المالية والصرف: «لا أستسيغ فكرة أن غولدمان القديم كان أكثر التزاما بالمبادئ وأقل طمعا». ولكن، يقر «غولدمان» نفسه بأنه يتغير مع الوقت. ويقول لوكوس فان براغ، وهو متحدث باسم «غولدمان»: «هذا العمل يتعلق بالكلية بخدمة العملاء، وإذا لم تطوره فإنه سوف ينتهي».

وبعد أن قاد «غولدمان» خلال ما قارب انهيار للنظام المالي داخل البلاد، وبعد ذلك خلص البنك ببراعة من حزمة إنقاذ فيدرالية، يتولى بلانكفين القيادة حاليا خلال أثرى فترات بالنسبة للبنك على مدار تاريخه الذي يبلغ 140 عاما. وقد سرّع بلانكفين من تغيير يطرأ منذ 10 أعوام على نهج إقامة الشراكات داخل «غولدمان»، أسس حول فكرة أن مصرفيي البنك والمتداولين يمكنهم تحقيق أداء جيد عند وضع العملاء في المقدمة، حسب ما يقوله شركاء سابقون.

ويخشى بعض خريجي «غولدمان» من أن بلانكفين يعرّض ثقافة النجاح، التي ميزت البنك لفترة طويلة من تاريخه الحديث، لبعض المخاطر. ويتساءلون هل سوف يصبح «غولدمان»، على حد تعبير شريك سابق، «مثل أي بنك آخر في (وول ستريت)»، ويعني ذلك أن يركز على تحقيق أرباح على المدى القصير بدلا من تحقيق مكاسب على المدى الطويل.

وفي العلن، يعتنق بلانكفين طريقة «غولدمان ساكس»، ولكن في السر يقول شركاء حاليون وسابقون إنه غيّر جذريا من الطريقة التي ينظر بها «غولدمان» إلى عملائه وإلى السوق الأكثر اتساعا. ويقولون إن هذه التغيرات بدأت عندما أُعلن اكتتاب عام على «غولدمان» في نهاية التسعينات من القرن الفائت، ولكن تسارعت وتيرة هذه التغيرات تحت قيادة بلانكفين. ولم يكن أي من هؤلاء مستعدا للحديث علنا عن «غولدمان»، الذي كان بالنسبة لمعظمهم مصدرا كبيرا للثراء.

وبسبب ضغوط من جانب حملة الأسهم والجمهور من أجل تقليل الرواتب المرتفعة في «وول ستريت»، أعلن «غولدمان» الأسبوع الماضي أن المسؤولين التنفيذيين البارزين في البنك، ومن بينهم بلانكفين، لن يحصلوا على مكافآت نقدية خلال العام الحالي، ولكن سوف يحصل التنفيذيون على أسهم خاصة، وهو الاتفاق الذي يقلل من المدفوعات خلال العام الحالي، ولكنه ربما يكون مصدرا كبيرا للربح إذا ما ارتفعت أسعار أسهم «غولدمان» في المستقبل.

ومع ذلك، صُدم الكثير من موظفي «غولدمان» بسبب الاستياء الشعبي إزاء البنك بصورة عامة، والسيد بلانكفين على وجه الخصوص، الذي قدم مؤخرا اعتذارا مبهما عن «أخطاء» أدت إلى الأزمة المالية بعد أن دافع في البداية بقوة عن أرباح ورواتب «غولدمان».

ويتساءل شريك سابق: «هل كان يحتمل أن يكون جون وينبرغ في هذا الموقف؟»، مشيرا إلى الشريك البارز الذي أدار «غولدمان» على مدى عدة أعوام. «لا شك في أنه كان سيفكر في المؤسسة بعد 50 أو 100 عام، وليس ما سيحصل عليه الناس خلال العام الحالي».

ومنذ أن خرج «غولدمان» من فترة «الكساد الكبير»، أسس مسؤولوه التنفيذيون لعمل محترف حدده ما يمكن وصفه بـ«استثنائية غولدمان ساكس»، وهو شعور بأن «غولدمان» يختلف عن المنافسين في «وول ستريت»، إن لم يتميز عليهم. وفي الواقع، فإن منذ يوم وصولهم، يتشرب الموظفون المبادئ الـ14 للشركة. رقم1: «دائما تكون مصالح عملائنا أولا. وتظهر تجربتنا أنه إذا خدمنا عملاءنا بصورة جيدة، فإنه سوف يتبع ذلك تحقيق نجاح». ولكن، منذ البداية تقريبا، يتنافس معسكران داخل «غولدمان» من أجل تحقيق أرباح ونفوذ، هما: المتداولون ومصرفيو الاستثمار. وفي الوقت الحالي نجد أن المتداولين، وهو معسكر بلانكفين، في موقع السيطرة. وعلى الرغم من أن «غولدمان» يوظف قرابة 31 ألف شخص، في أنشطة تتراوح ما بين إدارة أموال إلى صيرفة استثمارية تقليدية، فإن البنك يدر معظم أمواله من التداول. ويقول المتحدث باسم البنك فان براغ إن 50 في المائة من عوائد «غولدمان» تأتي من رسوم يضعها على خدمات مثل الصيرفة الاستثمارية. ويأتي النصف الآخر من خلال استخدام «غولدمان» رأسماله لصالحه ولصالح عملائه. وفي الوقت الذي يقوم فيه المتداولون التابعون لبلانكفين بسك الأموال، تمارس ضغوط على المصرفيين الاستثماريين كي تكون لهم نظرة أقرب من المحصلة النهائية. والمصرفيون الذين قضوا من قبل أعواما يكونون عملاء بين المؤسسات أملا في الحصول على عمل يدر أموالا كثيرة يوما ما، مثل تقديم استشارات بخصوص عملية دمج كبيرة، يُدعون حاليا للحصول على عوائد أكبر من عملائهم.

وفي عام 2006، صدم بعض المصرفيين جون وينكلريد، وهو مساعد لبلانكفين كان حينئذ رئيسا مشاركا لـ«غولدمان»، عندما اقترحوا أن يحصل البنك على المزيد من الأموال من عملائه المؤسسيين ذوي النفوذ. وكان أحد الأهداف أن يقوم «غولدمان» بأدوار مختلفة خلال الصفقات، وعلى سبيل المثال، عن طريق النصح بالقيام بالدمج والتمويل والاستثمار في العملية في الوقت ذاته. وغير وينكلريد والمسؤولون التنفيذيون تحت بلانكفين من الطريقة التي كان يتم بها تقييم المصرفيين الاستثماريين. وأنشأ «غولدمان» «ملفات» مصرفي، وهو يشبه بيان الأرباح والخسائر اليومية لمعرفة كمية النشاط الذي يقوم به الموظفون والعملاء. وعلى الرغم من أن هذه التقييمات كانت شائعة في أماكن أخرى داخل «وول ستريت»، فإن بنك «غولدمان» كان يزدريها حتى أصبح بلانكفين رئيسا لمجلس الإدارة والمسؤول التنفيذي الأول.

ورفض وينكلريد، الذي ترك «غولدمان» منذ ذلك الوقت، التعليق.

ويقول مصرفيو «غولدمان» إن التحول كان له أثران اثنان، حيث جعل الموظفين يركزون على العملاء الذين يمكن أن يدروا الأموال لصالح «غولدمان» وشجع المصرفيون على الاقتتال بجرأة أكبر من أجل الحصول على ائتمان لصفقاتهم. ويقول شريك سابق: «كان أكثر كفاءة، ولكنه غير من الطريقة التي يدار بها العمل».

وقال فان براغ، المتحدث باسم «غولدمان»، إن كروت نقاط المصرفيين كانت تستخدم بصورة تقليدية لما يسمون «مصرفيو علاقات»، الذين يكونون عملاء بمرور الوقت. ولكن بدءا من 2001 أصبح مصرفيو الاستثمار مسؤولين عن نطاق واسع من المنتجات ـ الدين ومنتجات الأوراق المالية المعقدة، وأنواع أخرى من التمويل ـ واحتفظ النظام الجديد بسجل عن الأنشطة كافة، وليس العمل الاستشاري مع العملاء وفقط.

ويتم تحديث الملفات بصورة تلقائية مع سجلات عوائد، ويمكن للمصرفيين مراجعة ذلك في أي وقت. ويقول شركاء سابقون إنه على الرغم من أن «غولدمان» دائما ما كان يسعى من أجل زيادة أرباحه، فقد اعتاد البنك على أن تكون له نظرة على مدى أطول. وعلى سبيل المثال، إذا قررت مؤسسة يقدم لها «غولدمان» استشارات ضد عملية دمج، فلن يقوم البنك بالضرورة بإسقاط العميل، مقدرا أنه يمكن أن يحصل على أرباح من صفقة ما في المستقبل. وأضاف شريك سابق: «ربما كان لديك تفهم أكبر للرؤى ذات المدى الأطول».

وعلى ضوء خطط «غولدمان» لدفع مليارات الدولارات في صورة مكافآت خلال العام الحالي، ربما يعتقد الكثيرون خارج البنك أنه يهتم قليلا بصورته العامة. ويقول تنفيذيون سابقون وحاليون إنه في الواقع يهتم بمكانته العامة المتراجعة.

ولكن يقر أشخاص قريبون من «غولدمان» أنه طالما أن البنك يحقق أرباحا كبيرة، فإنه لا يتهم بالرأي العام كثيرا. ويقول ليفيت: «تعاني سمعة البنك، وكذا الحال مع كل المؤسسات المالية الأخرى. وأنا أعاني بالصورة التي يعاني بها (غولدمان)».

ولكن، أصبحت سمعة «غولدمان» التي فقدت بريقا موضوعا هاما داخل البنك، وقبل أشهر قليلة طرحت قضية صورة البنك خلال اجتماع لبرنامج القيادة الداخلية، المعروفة باسم «مجموعة بين ستريت». وتناقش الأفراد، الذين يبلغ عددهم نحو 30 شخصا، حول أسئلة مثل كيف يمكن الحديث حول «غولدمان» ودوره في القطاع المالي.

وطرح سؤال آخر وهو ما يجب القيام به إذا ما وجهت انتقادات لـ«غولدمان» خلال في إحدى «حفلات الكوكتيل». وقال فان براغ، الذي كان يدير الاجتماع، إنه على التنفيذيين أن يوضحوا كيف يحصل «غولدمان» على أرباحه. ولكن اقترح مسؤول تنفيذي آخر في «غولدمان» إجابة أخرى وهي: تغيير الموضوع.

* خدمة «نيويورك تايمز»