الصناديق السيادية ستواصل الحذر في 2010 في ظل تراجع الاستثمارات

تقديرات تقول إنها خسرت نحو 600 مليار دولار على مدى العامين الماضيين بفعل أزمة الائتمان

TT

بدأت تداعيات أزمة الائتمان العالمية في التغير، أو بالأحرى تصحيح الاعتقاد السائد بأن صناديق الثروات السيادية ستظل دائما تعمل بصبر على التغلب على الخسائر الدفترية على استثماراتها. فقد خسرت الصناديق السيادية ما يقدر بنحو 600 مليار دولار على مدى العامين السابقين، بعدما دفعت أزمة الائتمان بأسواق الأسهم العالمية إلى الانهيار، وتسببت في تراجع حاد في قيم حصصها الكبيرة في البنوك الغربية. والآن يستغرق ذلك القطاع الذي يبلغ حجمه ثلاثة تريليونات دولار وقتا أطول مما توقعه الكثيرون للخروج من الملاذ الآمن للأوراق المالية منخفضة العائد، مما يبدد الآمال في أن تساعد هذه الصناديق في تحقيق انتعاش مستدام للأسواق خلال العام المقبل من خلال عمليات شراء أسهم وسلع أولية وعقارات وأصول بديلة أخرى ذات تقييمات جيدة. وقال مستشار بأحد الصناديق السيادية الآسيوية لـ«رويترز»: «من حيث الممارسة، فكرة أن الصناديق السيادية أكثر صبرا في الوقت الحالي من مستثمري القطاع الخاص لم تعد صحيحة. فالصناديق السيادية دائما ما تخوض الآفاق نفسها التي يخوضها اللاعبون بالأسواق، ودائما ما تكون عرضة للمواقف الحرجة نفسها. إنهم يحتاجون إلى تحقيق الحد الأقصى من العوائد لمساهميهم». وأضاف «وقد تكون الحكومات أقل صبرا مقارنة بمستثمري القطاع الخاص، إذ تسعى الصناديق السيادية لتحقيق الأهداف الصناعية للحكومة، الأمر الذي قد يكون ملحا بدرجة كبيرة. إنهم يعملون وفقا لجداول زمنية صارمة». وصناديق الثروات السيادية هي الأدوات السياسية التي تعمل على تحقيق الأهداف السياسية. وقد يلجأ مساهمو تلك الصناديق ـ الحكومات ـ إلى سحب الأموال عند الحاجة إلى توفير رؤوس أموال أو عندما يقررون بيع الأصول عند الحاجة إلى ذلك الأمر الذي حدث بالفعل في الكثير من الدول مثل روسيا خلال الأزمة.

وبالمثل فإنه حتى إن كانت التقييمات جذابة ستنتظر الصناديق السيادية مثلها مثل المستثمرين الحذرين الآخرين حتى تكون لديها ثقة جيدة بشأن الانتعاش قبل شراء الأصول التي تتسم بالمخاطر. وقال إسرافيل مامادوف، رئيس الاستثمارات بصندوق الثروة السيادية في أذربيجان، لـ«رويترز»: «لا نختلف عن أي مدير أصول آخر. كوننا مستثمرا طويل الأجل لا يعني تجاهل السبب الرئيسي لأي استثمار. هناك ضغوط هائلة على مؤسسات مثل مؤسساتنا (لتحقيق أرباح) لأننا ننتمي لشعوبنا». وتابع «في ظل هذا المناخ منخفض العائد يحاول الناس تعزيز العائد من خلال الإقبال على المخاطر من حيث زيادة التعرض للأصول التي تتسم بالمخاطر. نراقب الموقف، إذ لا يزال هناك قدر كبير من عدم التيقن. لا نزال نعتقد أن الوقت هو وقت الانتظار والمراقبة». كما أن الأزمة التي تحيط بديون مجموعة «دبي العالمية» المملوكة لإمارة دبي والتي قد تواجه بيعا محموما للأصول من أجل تمويل التزاماتها تشكك كذلك في الافتراضات بأن المستثمرين الحكوميين يقبلون تلقائيا على استثمارات أطول أجلا مقارنة بمتوسط مديري الأصول.

كانت «دبي القابضة» التابعة لحاكم إمارة دبي قد باعت مؤخرا حصتها في بنك الاستثمار المصري المجموعة المالية «هيرميس»، بينما أجبرت شركة استثمار العالمية الذراع الاستثمارية لـ«دبي العالمية» على بيع فندق «دبليو أوتيل» في مانهاتن بعد مصادرته، وذلك في مزاد الأسبوع الماضي وفاء لديون قدرها مليونا دولار. وكانت الشركة قد اشترت الفندق مقابل 282 مليون دولار في 2006. وبالفعل تقول بعض الصناديق السيادية إن الأوضاع بالسوق لا تزال غير مناسبة لها. كان شين يونغ ووك، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الاستثمار الكورية، قال لـ«رويترز» الشهر الماضي إن من المرجح أن تتباطأ الأسواق المالية العالمية خلال العام المقبل لأن القطاع الخاص غير قوي بالدرجة الكافية لتعويض الإجراءات التحفيزية التي بدأت تنحسر. وأضاف شين أن صندوق الثروة السيادية في كوريا ليس لديه خطة فورية لزيادة الاستثمارات بدرجة كبيرة في أصول مثل العقارات والسلع الأولية. وحتى النرويج تتوقع تماسكا في الأسهم العالمية خلال الأشهر المقبلة. ويمتلك صندوق الثروة السيادي بالنرويج والبالغة قيمته 400 مليار دولار ما يبلغ في المتوسط 1% من الشركات المدرجة بالبورصات في العالم، ويعد أكبر مستثمر في الأسهم في أوروبا. وفيما يتعلق بالصناديق السيادية التي تقبل بالفعل على المخاطر فقد وفرت أزمة الائتمان العالمية فرصة جيدة لها، إذ تعمل تلك الصناديق في عالم يشهد انخفاضا حادا في أسعار الأصول والموارد البشرية ورسوم الخدمات الاستشارية. وأفادت تقارير بأن مؤسسة الاستثمار الصينية ـ التي يقدر أن الأصول التي تديرها ارتفعت 50% إلى 300 مليار دولار منذ تأسيسها في 2007 ـ استثمرت في العقارات والبنية الأساسية والموارد الطبيعية والرهونات العقارية بالولايات المتحدة وصناديق التحوط والأصول المتعثرة هذا العام. وفي ظل توقع ظهور ضغوط تضخمية في الأجل الطويل فإنه يمكن لهذه الصناديق الآن الاستثمار بحرية في الموارد الطبيعية، الأمر الذي كان يثير مخاوف في عام 2007 من أن تستحوذ هذه الصناديق على أصول وموارد ذات أهمية استراتيجية.