المخاوف الأمنية تلقي بظلالها على الاستثمار الأجنبي في أميركا

إدارة أوباما اعترضت مؤخرا فقط على عرضين إماراتي وصيني للاستثمار في شركتين مختلفتين

التحفظات الأميركية حول الاستثمارات الأجنبية داخل الولايات المتحدة تثير الكثير من التساؤلات
TT

في خضم محاولات المستثمرين الأجانب مجددا شراء أصول أميركية، تناضل إدارة أوباما بغية التوصل إلى السبيل الأمثل لحماية الأمن القومي مع تعزيز استعادة الاقتصاد نشاطه في الوقت ذاته.

خلال الأيام الأخيرة، هددت الإدارة باعتراض طريق الصفقة المقترحة لشراء الحكومة الصينية شركة صغيرة في نيفادا بمجال التعدين تعنى بالذهب، «فيرست غولد»، طبقا لمسؤولين تنفيذيين بالشركة.

كما أثار مسؤولو الإدارة الشكوك حول عرض قدمته شركة تسيطر عليها الإمارات العربية المتحدة لشراء حصة ضخمة في «فيرجين غالاكتيك»، التي تحاول بناء أول سفينة فضاء تجارية في العالم لنقل سائحين إلى الفضاء الخارجي.

وقد اتسمت القضايا المتعلقة بمثل هذه الصفقات بدرجة من الخطورة، دفعت الشركات المعنية بصفقة «فيرجين غالاكتيك» إلى سحب طلبها بهدف توفير وقت أطول لدراسة هذه القضايا.

في هذا السياق، صرح نيل إس. ولين، نائب وزير الخزانة، في بيان أصدره الخميس، ردا على أسئلة حول تفحص الصفقات المقترحة، بأن «الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة حيوية للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف هنا في الداخل، لكن يحتم علينا واجبنا إعطاء الأولية للأمن القومي».

جدير بالذكر أن الاستثمارات الأجنبية في صناعات أميركية محددة، خاصة تلك المرتبطة بتقنيات حساسة أو أصول ذات صلة بالمؤسسة العسكرية أو الأمن الداخلي، تجري مراجعتها من قبل لجنة فيدرالية، وفي بعض الأحيان يتم إرسال الموافقة من جانب الرئيس شخصيا. وأحيانا، تشعل مثل هذه القرارات عواصف سياسية. على سبيل المثال، تعرضت إدارة بوش لانتقادات شديدة لسماحها لشركة من دبي بشراء حق السيطرة على اثني عشر ميناء أميركيا. وفي النهاية، رفضت الصفقة.

في أعقاب فترة خمول على صعيد الاستثمارات الأجنبية أثناء فترة الركود العالمي العام الماضي، تزايدت الطلبات المقدمة إلى اللجنة الفيدرالية، وتعرف باسم «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، على مدار الشهور الأخيرة. هذا العام، جرى تقديم قرابة 60 من مثل هذه الطلبات، مقارنة بـ155 طلبا عام 2008، حسبما أفاد مسؤول بالإدارة السابقة. ولا يجري الإعلان عن قرارات اللجنة، وإن كان يحق للشركات المعنية الكشف عنها.

من جهتها، وافقت إدارة أوباما على غالبية الطلبات المعروضة عليها، بما في ذلك مقترح بشراء شركة تسيطر عليها الحكومة الفرنسية لحصة تشكل أقلية في مفاعلات نووية تمتلكها شركة «كنستيليشن إنرجي»، ومقرها بالتيمور. إلا أن الإدارة نبهت المعنيين بصفقة منجم الذهب في نيفادا إلى أنها لن توافق على الصفقة.

وعلق تيري لنتش، الرئيس التنفيذي لـ«فيرست غولد»، الخميس، بقوله: «كانت تلك أنباء سيئة للغاية». وقال هو وآخرون من مؤيدي الصفقة إن الإدارة تخاطر ببعث رسالة خاطئة إلى المستثمرين الأجانب، خاصة الصين، برفضها مثل هذه الصفقات. فيما يخص هذه القضية، ترغب شركة «نورثويست نونفيروس إنترناشيونال إنفستمنت» الصينية العملاقة في شراء نسبة 51% من «فيرست غولد»، وهي أول صفقة لها لشراء شركة لتشغيل مناجم داخل الولايات المتحدة.

إلا أن القلق يساور مسؤولي واشنطن على نحو متزايد بشأن الهيمنة الصينية على السوق العالمية للمعادن النفيسة. إضافة إلى ذلك، تقع مناجم نيفادا بالقرب من منشآت عسكرية، بينها «فالون نفال إير ستيشن»، الأمر الذي زاد من تعقيد الصفقة، طبقا للموجز المكتوب للاجتماعات التي أجريت مع مسؤولين بإدارة أوباما وحصلت عليه الصحيفة.

طبقا لصفقة شراء «فيرست غولد» المقترحة، ستحصل «نورثويست نونفيروس إنترناشيونال إنفستمنت» على حصة أقلية فيما يخص حق السيطرة على عقود الإيجار بمجال التعدين والتي تتمتع بها «فيرست غولد» بالنسبة لـ8.300 أكرا من الأراضي في نيفادا تخضع معظمها لملكية الحكومة الفيدرالية، في أربعة مواقع. يتمثل أهم هذه المواقع في منطقة تدعى «ريليف كانيون» في لوفلوك، على بعد نحو 110 أميال شمال شرقي رينو.

من ناحية أخرى، أثارت المراجعة الفيدرالية «مخاوف خطيرة ومهمة» على صلة بالصفقة المقترحة بكل المواقع الأربعة، في إشارة إلى «فالون نفال إير ستيشن» ومنشآت عسكرية متاخمة لها من المحتمل أن تكون سرية نظرا لعدم ذكر اسمها، طبقا لموجز أعده محامون يعملون لحساب شركات التعدين.

ومن الأسئلة التي طرحتها على «فيرست غولد»، تبدو الإدارة قلقلة أيضا حيال المعادن الأخرى بخلاف الذهب التي ربما تعثر عليها الشركة الصينية عند حفرها في مواقع نيفادا أو تحاول تصديرها.

يذكر أنه خلال مرة واحدة فقط منذ عام 1990، تدخل الرئيس لوقف عملية شراء شركة أجنبية لأصول أميركية. وجرت العادة أن يجري سحب الطلبات بمجرد إبداء اعتراضات قوية عليها.

وأمام «فيرست غولد» و«نورثويست نونفيروس إنترناشيونال إنفستمنت» مهلة حتى الاثنين لسحب طلباتهما، أو سيتم عرض توصية بالرفض على الرئيس أوباما. من جهته، قال مارك نوردليكت، الشريك الإداري في «بلاتينوم منيدجمنت»، أحد المستثمرين في «فيرست غولد»: «تأتي هذه الصفعة المنطلقة من توجهات حمائية مناهضة للصين، في وقت نحتاج فيه إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي لخلق وظائف وتوسيع نطاق اقتصادنا».

في المقابل، أكد مسؤولون تنفيذيون في «فيرجين غالاكتيك» ثقتهم في أنه من الممكن طمأنة مخاوف الحكومة الأميركية حيال صفقة البيع المقترحة لـ32% إلى «آبار إنفستمنت»، ومقرها أبوظبي، والخاضعة لسيطرة الحكومة هناك.

واقترحت «فيرجين غالاكتيك»، التي تأسست على يد رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، والمهندس المتخصص في الفضاء، بيرت روتان، بناء ميناء فضائي في نيومكسيكو، حيث يتولى جيل جديد من مركبات الفضاء حمل سائحين وشحنات تجارية إلى الفضاء.

وتساءل مسؤولون معنيون بالأمن القومي حول ما إذا كان من المحتمل التشارك في تقنيات صنع مركبات الفضاء وصواريخ الإطلاق مع حكومات أجنبية نتيجة إبرام الصفقة، طبقا لما ورد عن مسؤولين تنفيذيين مشاركين بالصفقة طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لسرية الصفقة.

إضافة إلى ذلك، سعت الإدارة للتأكد من أن الصفقة لن تنتهك اتفاقا دوليا يدعى «نظام السيطرة على تقنيات الصواريخ»، يرمي لمنع انتشار أنظمة إطلاق الأسلحة المعتمدة على الصواريخ على الصعيد العالمي.

وعليه، وافقت الشركات المعنية على إعادة تقديم طلبها للحصول على موافقة الحكومة، لتبدأ بذلك من جديد مهلة الـ90 يوما التي ينبغي أن تعلن الحكومة خلالها قبول أو رفض المقترح.

من ناحيتها، أكدت جاكي مكويلان، المتحدثة الرسمية باسم «فيرجين غالاكتيك»، في بيان لها أن «آبار» و«فيرجين غالاكتيك» لا تزالان متمسكتين بالصفقة. وتعمل الشركتان معا لضمان الحصول على الموافقات اللازمة من الجهات التنظيمية، وتتوقعان إنجاز الصفقة على النحو المرجو.

تجدر الإشارة إلى أن مراجعة هذه الصفقة وغيرها ازدادت تعقيدا نظر لأنه داخل وزارتي الخزانة والتجارة، اللتين تضطلعان بدور محوري في عملية مراجعة الاستثمارات الأجنبية، لا يزال أكبر اثنين من المسؤولين المعينين من قبل السلطة السياسية والذين من المفترض إشرافهما على جهود المراجعة في انتظار موافقة مجلس الشيوخ على تعيينهما. وهذان المسؤولان هما ماريسا لاغو، المرشحة للعمل مساعدة لوزير الخزانة لشؤون الأسواق الدولية، وفرانسيسكو جيه. سانشيز، وكيل وزارة الخارجية لشؤون التجارة الدولية.

* خدمة «نيويورك تايمز»