ديون الدولة اللبنانية بالدولار تستقطب التوظيفات مدعومة باستقرار داخلي يدعم الثقة والتصنيف

محفظة 18 مليار دولار معظمها في حوزة المصارف

مصرف لبنان (البنك المركزي اللبناني) («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد سندات الدين الدولية «يوروبندز» المصدرة لصالح الحكومة اللبنانية إقبالا متزايدا من مصادر داخلية وخارجية، في ضوء ترقب تحسن التصنيف الائتماني، وانطلاق الحكومة الجديدة التي تجمع كل الأطراف السياسية الفاعلة، مما يدعم الاستقرار الداخلي الذي افتقده لبنان في السنوات الأخيرة، فضلا عن العوائد العالية لهذه السندات قياسا بالفوائد العالمية التي تقارب الصفر والاضطراب السائد في الأسواق الخارجية.

وقد ساعد الإصدار الأخير بقيمة 500 مليون دولار، الذي تم إغلاقه الأسبوع الماضي، وما شهده من إقبال محلي وخارجي، وما سبقه وتبعه من تحسن مطرد في أسعار السندات المصدرة سابقا في السوق المالية والبالغة قيمتها نحو 17.7 مليار دولار، في تهيئة مناخ ثقة مثالي لمباشرة الإعداد لإصدار سندات جديدة تغطي حاجات الدولة التمويلية من العملات الأجنبية والتي تزيد على 3 مليارات دولار، بينها ديون مستحقة تبلغ قيمتها الأصلية 1565 مليون دولار، إضافة إلى الدفعة الأخيرة للفوائد المستحقة على هذه الشريحة والفوائد المستحقة دوريا على المحفظة الإجمالية.

وتبدو وزارة المال أول المتفاعلين مع هذا المناخ، حيث تقول الوزيرة ريا الحسن «نحن ندرس الجدوى الاقتصادية لاستبدال أو إعادة التمويل السندات التي تستحق في 2010. والمعدلات المنخفضة للفوائد تجعل الوقت مواتيا جدا اليوم لإعادة تمويل الدين بفوائد أدنى بكثير مما كانت قبلا، وأمامنا فرصة ذهبية في هذا المجال».

وتعتبر أن «الفوائد المنخفضة التي استفدنا منها في إصدار اليوروبوند (الأخير) تعكس ثقة المستثمرين بالاقتصاد اللبناني، وحتى التصنيف الائتماني تحسن، وهذا كله يدل على أننا سائرون وفق ثوابت اقتصادية سليمة، وأن سياستنا النقدية سليمة، وهذا الأمر انعكس فوائد منخفضة، مما يدل على ثقة المستثمرين باقتصاد لبنان، ولم نكن لنحقق هذه الفوائد المنخفضة لو لم يكن تقدير المستثمر للمخاطر بالأوراق السيادية اللبنانية تراجع».

وتمثل محفظة السندات بالعملات الأجنبية وحدها نحو 37 في المائة من إجمالي الدين العام. وطالما اعتبرتها شركات التصنيف الدولية «عبئا» على ميزانيات المصارف التي تحمل أكثر من 65 في المائة من قيمتها الإجمالية، كونها تحمل عامل مخاطرة في التوظيف يستلزم باستمرار حجز مخصصات مقابلة، دون الأخذ بالتبريرات المصرفية التي ركزت على «خصوصية» غير مدرجة في تقييم الشركات، مفادها أن الإدارات المصرفية تجري تقييما موضوعيا للوضع الائتماني للدولة كعميل مؤسسي، وتراجعه دوريا. وهي على دراية كافية بقابلية مد هذا العميل بالتمويل، وتحدد شروطها، بما في ذلك الفوائد، وفقا لهذا الملف. يعزز ذلك عدم تمنع وزارة المال، حتى في أصعب الظروف، عن سداد المستحقات المرتبطة بكل الديون الحكومية أصولا وفوائد.

ويعتبر المصرفيون أن التطورات أثبتت صحة التقييم المعتمد، «لأن الإصدار الأخير أعطى إشارة صريحة للأسواق الداخلية والخارجية بالتحسن النوعي للجدارة الائتمانية للدولة. وهذا ما يفرض تحسنا موازيا لمجمل محفظة السندات بالعملات الأجنبية. وهو أمر متوقع قريبا من قبل شركات التصنيف الدولية. ومن شأنه تحسين جودة المحفظة الائتمانية للمصارف المحلية»، خصوصا إذا ما تجلى التوافق السياسي في حكومة الرئيس سعد الحريري إصلاحا ومشاريع نمو وتنمية في البعدين الاقتصادي والمالي، بما في ذلك فتح الطريق تشريعيا أمام انسياب ما تبقى من التزامات مؤتمر (باريس 3) في مساري المساعدات والتمويل بمشاركة القطاع الخاص.

وإذ تقدر وزيرة المال حجم الدين العام حاليا بـ49 مليار دولار، تعتبر أنه «في مؤتمري (باريس 2) و(باريس 3) قدمت حلول واقعية، ووافقت عليها المؤسسات الدولية لمعالجة مشكلة الدين، وربما لو سرنا وقتها في هذه الإجراءات لما كنا وصلنا اليوم إلى هذا المستوى من الدين العام، ولكن ما حصل قد حصل، ولا نريد النظر إلى الماضي، فنحن في مرحلة جديدة».

وتشير إلى أن «نسبة الدين إلى الناتج المحلي التي كانت نحو 180 في المائة قبل سنتين، انخفضت اليوم إلى نحو 150 في المائة، مما يعني أن حجم اقتصادنا يكبر، وبالتالي حجم الدين بالنسبة إليه يتضاءل». إذن «همنا أن نحجّم هذا الدين، وكلما كبر الاقتصاد يصبح في إمكاننا أن نخدم هذا الدين بطريقة لا تمثل عبئا علينا، وتراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلي يلاقي ارتياحا كبيرا من المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي لأنهم يشعرون بأننا في الطريق الصحيح.