«منتدى الرياض» يطالب بـ«هيئة عليا» أو «مجلس أعلى» للاقتصاد المعرفي.. ويحلل راهن الاستثمارات في التنمية البشرية

دراسات: 67.4 مليار دولار الفاقد المالي لبطالة المتعلمين في سوق العمل.. و4.4 مليار خسائر الرسوب والتسرب

الأمير نايف بن عبد العزيز خلال افتتاح المنتدى (تصوير: خالد الخميس)
TT

طالب منتدى الرياض الاقتصادي - أكبر حدث اقتصادي محلي في السعودية - أمس بأهمية وجود هيئة عليا أو مجلس أعلى لدعم الاقتصاد المعرفي في المملكة، وسط تضجر من انخفاض نسبة مساهمة رأس المال البشري في النمو الاقتصادي المحلي إلى ما دون 7 في المائة.

وذكرت الدراسات التي تم تداولها أمس أن قرارا لتخصيص جهاز حكومي معني بالاقتصاد المعرفي سيمكن من إعطاء الاختصاصات والسلطات وطرح رؤية استراتيجية وما يتبعها من سياسات وخطط وكذلك إصدار قرارات وإنفاذها عمليا، مشددين على أن الحاجة باتت ملحة وداعيا رئيسيا لتطور الاقتصاد.

وبدأت أمس في العاصمة السعودية فعاليات منتدى الرياض الاقتصادي، بتحليل للوضع الراهن حول الاستثمارات في تنمية رأس المال البشري من منظور الفاعلية والكفاءة، وتقويمه وربطه بواقع تطور الاقتصاد المعرفي.

وانطلقت مساء البارحة جلسات منتدى الرياض الاقتصادي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسط توجيهات بأن تستفيد كل القطاعات الخاصة والحكومية من التوصيات والنتائج التي تخرج بها دراسات المنتدى.

وأفصح خبراء مختصون أمس عن أن نسبة مساهمة التنمية البشرية في النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة تصل إلى 20 في المائة، مشيرين إلى أن مساهمة الإنتاجية الكلية للعناصر في النمو الاقتصادي الذي يعتبر مؤشرا لنتاج جهود التنمية البشرية والبحث العلمي والتطوير التقني جاءت سلبية بنسبة مساهمة سالب 14 في المائة. وكشفت الدراسات عدم حدوث تحسن ملموس في إنتاجية العمل على امتداد الأعوام العشرة الأخيرة، سواء في القطاع الخاص غير النفطي أو القطاع الحكومي.

وطالبت جلسة رأس المال البشري والاقتصاد المعرفي التي عقدت أمس بعد انتهاء مراسم حفل الافتتاح بتبني البحث والتطوير ونظم الاتصالات وتقنية المعلومات باعتبارها إحدى ركائز المستقبل، خارجة بمقترحات لتطوير ذلك عبر أهمية تبني منهج التوافق الاجتماعي كخطوة لبناء مجتمع معرفي، بما يمكن من إحداث تغيير جذري في الاتجاهات والقيم والسلوكية وبما ينمي الإدراك الواعي والشديد بالحاجة إلى الإنجاز ويوفر الإرادة القوية للتغير والتحرك الفاعل صوب هذا النوع من الاقتصاد.

وأوضح التحليل الوارد بالدراسة قصور كفاءة منظومة التنمية البشرية بأبعادها المختلفة وبصفة خاصة الكفاءة الداخلية والخارجية لمنظومة التعليم والتدريب، مشيرا إلى أنه على الرغم من تخصيص نحو 7 في المائة من الناتج المحلي وما يعادل 25 في المائة من الميزانية العامة للدولة للإنفاق على التنمية البشرية فإن كفاءة الاستثمار في رأس المال البشري لم ترتفع بعد إلى المستوى المنشود الذي من شأنه تمهيد السبيل وتسريع الخطى لانتقال السعودية إلى مصاف اقتصادات المعرفة.

وأرجعت الدراسة جوهر المشكلة بالدرجة الأولى إلى النمط السائد لتوزيع الاعتمادات المالية بين أوجه الإنفاق على تنمية الموارد البشرية الذي يركز على اعتبارات «الكم» قبل «الكيف» ويعاني من اختلالات كبيرة أثرت سلبا على الركائز الأساسية لبناء الاقتصاد المعرف وحالت دون التقدم السريع للمملكة في تدعيم هذا البناء. وأبان الباحثون أمس توجه أغلب الاعتمادات الحكومية للتعليم العام والعالي على حساب التدريب التقني العالي والمتوسط، حيث يرونه انعكاسا للهيكل التعليمي الذي لا تتعدى نسبة الطلبة المقيدين في التدريب التقني به 8 في المائة من إجمالي المقيدين في التعليم العالي، وتتدنى إلى أقل من 1 في المائة في حالة التدريب التقني المتوسط.

وعلى مستوى التعليم العام، أوضحت البيانات الصادرة عن المنتدى أن هناك اختلالا واضحا في هيكل التعليم الثانوي لصالح الأقسام الأدبية والدراسات الشرعية، يقابله اختلال آخر في هيكل التعليم العالي لصالح الدراسات الإنسانية والاجتماعية التي تستأثر بنحو ثلث أعداد الطلبة المنخرطين في التعليم العالي مقابل الثلث فقط في الدراسات العلمية والطبيعية التي تشكل عماد الاقتصاد المعرفي.

ودعا الخبراء المشاركون في الجلسة إلى ضرورة اتساع مفهوم الاستثمار في تنمية رأس المال البشري لتشمل عناصره صور الإنفاق على التعلم كافة، بجانب التعليم الجامعي، كالتعلم طوال الحياة والتعلم التقني والتعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد والتدريب المهني، بالإضافة إلى الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار وكذلك العلوم وتقنية المعلومات والاتصالات. وترى الدراسات ضرورة تكثيف الجهود التنموية على كل الركائز والمحاور الأساسية للاقتصاد المعرفي لتسريع الانتقال المتوازن، واتباع مبدأ التدرج المرحلي على مدى أفق زمني مناسب، والتركيز على محور التعليم لتنمية الموارد البشرية.

إلى ذلك، توقعت الدراسات التي عرضت أمس أن يكون الفاقد المالي الناجم عن الرسوب في برامج التعليم والتدريب نحو 4 مليارات ريال سنويا، وعن التسرب نحو 12.8 مليار ريال، وهو ما يعادل 23 في المائة من جملة المخصصات المالية المقررة للتعليم العام، بينما بلغت مقدرات الفاقد المالي المترتب على بطالة المتعلمين في سوق العمل نحو 170 مليار ريال، والمتعطلات عن العمل للسبب ذاته قيمة 83 مليار ريال.

وهنا، حدد المنتدى 4 اختلالات رئيسية يمكن أن تضر بمستقبل اقتصاد المعرفة وتنمية الموارد البشرية، تتمثل في ضعف الاهتمام بالتعليم المستمر، ومحدودية الدراسات العليا بالجامعات السعودية، والتدني الشديد في أهميتها مقارنة بدراسات مرحلة البكالوريوس، ومحدودية المواد المخصصة لنشاطات التدريب وقصور مخرجاتها كما ونوعا.

وأفادت الدراسات العلمية التي استعرضت أمس بأن هناك تواضعا في الميزانيات العامة المخصصة لمجالات البحث والتطوير ونظم الاتصالات وتقنية المعلومات، حيث لا تتجاوز نسبة الإنفاق العام على البحث والتطوير 0.3 في المائة من الناتج المحلي، كما لا يتعدى الإنفاق الحكومي على نظم الاتصالات وتقنية المعلومات 0.8 في المائة، وهي نسبة بالغة التدني بالمقارنة بمتطلبات التنمية في المملكة.

وترى الدراسات أن من بين العوامل المؤدية لضعف الاقتصاد المعرفي ترهل العلاقات التي تربط بين جهود البحث العلمي والتطوير التقني ومسارات النمو الداعمة حيث يغلب الطابع الأكاديمي.

وطالبت دراسات المنتدى بأهمية وجود هيئة عليا أو مجلس أعلى للاقتصاد المعرفي يكون له من الاختصاصات أو السلطات ما يمكنه من طرح رؤية استراتيجية وما يتبعها من سياسات وخطط، وكذلك إصدار قرارات وإنفاذها عمليا بما يضمن تضافر الجهود والتنسيق المستمر بين أصحاب المصلحة.

وشددت الدراسات على المسؤولية المشتركة لبناء الاقتصاد المعرفي، مع مراعاة أن تكون الريادة للقطاع الحكومي من خلال دوره في توفير الأطر التنظيمية والإشرافية والاعتمادات المالية لإقامة البنية الأساسية والإنفاق على التعليم والمراكز البحثية.