مقترح بجدولة تدريجية معلنة لتقليص حجم «الدين العام» في السعودية

مسؤولون وخبراء: اختيار الدولة سياسة «الإنفاق» تعطي إشارة بالقدرة على سداده

TT

دعا مختصون وخبراء إلى ضرورة أن تتجه حكومة السعودية لاقتراح جدولة تدريجية معلنة لإطفاء الدين العام، مشيرين إلى أنه سيزيد الشفافية ويدعم الإصلاح الاقتصادي ويعزز من وضوح الرؤية للقطاعين العام والخاص.

وكانت السعودية أعلنت في الموازنة الجديدة عن بلوغ حجم الدين العام 225 مليار ريال (60 مليار دولار) مما يعني النجاح في تخفيضها بنسبة 5 في المائة عن دين الموازنة الماضية البالغ 237 مليار ريال.

وأوضح علي الغامدي، مدير معهد الإدارة بالمنطقة الغربية، أنه وفقا لمعلومات الميزانية فالدين العام لا يمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، لأنه نسبة معقولة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وهو بسنوات ماضية كان يصل إلى 100 في المائة، لكن السياسة المتبعة في التدرج في تخفيض الدين العام آتت أكلها.

وأوضح الغامدي أن الدين العام يمثل استثمارا للجهات الممولة للدولة كالصناديق أو البنوك التجارية وهي مجالات لاستثمار بنسبة معقولة جدا، موضحا أن ذلك من إيجابيات السياسة المالية في تخفيض الدين، الأمر الذي يعد مؤشر صلابة للاقتصاد وقوته. وأوضح الغامدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن عملية جدولة الدين العام من شأنه أن يعزز من الإيراد الداخلي بتحسين الخدمة إضافة إلى مساهمة في عملية ترشيد الإنفاق العام على بعض الجهات.

وشدد الغامدي على أن الهدف الأسمى هو التنمية الشاملة لكافة القطاعات والمناطق، لذا تسعى الدولة لأخذ مبادرة الاستمرار في تنفيذ الخطة الخمسية التاسعة التي ستبدأ 2010 حيث ستتحمل التكاليف وإذا احتاجت فإن وزير المالية مفوض بالسحب من الاحتياطي العام لإيصال الخدمات إلى كافة مناطق المملكة. وزاد «يعتبر استمرار الدين العام في معظم الأحيان، إذا كان في مستوى معين وسط استمرار الإنفاق، دلالة قوية على الرغبة في استكمال البنية الأساسية لكافة معطيات الحياة كالصروح العلمية وبالتالي فالدولة عازمة على أن تستمر عملية الإنفاق مهما كلفها ذلك وهو هدف سام».

ولكن ذلك، لم يمنع الغامدي من أن يرجح أن تضع الدولة جدولة للدين العام حيث سيحقق إيجابيات خاصة إذا ما كانت عملية السداد تدريجية مقننة، بيد أنه لفت إلى أن هناك أولوية قصوى لدى الحكومة باهتمامها بالتنمية الشاملة.

إلى ذلك، ذكر الدكتور عبد الحكيم البابطين رئيس قسم الجودة في عمادة التطوير والجودة بجامعة الملك سعود بالرياض أن سياسات التحفظ في ميزانيات المملكة أثبتت إيجابيتها، إذ لفت إلى أن ذلك التحفظ في الميزانية جنّب السعودية عجزا ماليا كبيرا تعرضت له بعض الدول. وقال البابطين: الكثير من الخبراء يتفقون على أن من الأهمية تخفيض النفقات الحكومية في موازنات الدول في ظل وجود دين عام، ولكن السعودية خالفت ذلك حيث اختارت «الإنفاق» بدلا من «التقشف» كما ظهر ذلك بزيادة الإنفاق في ميزانية هذا العام ليصل 540 مليار ريال ليتغلب على الرقم القياسي للعام المنصرم وذلك لثقتها أن هذه الزيادات ستؤدي إلى ميزانيات إنجازات للأعوام القادمة وستظهر بدايات هذه الإنجازات في ميزانية هذا العام المالي الحالي 2010. ولفت البابطين إلى أنه يجب أن تكون هناك ضمانات بأن لا يتعدى العجز مستوياته الآمنة وعدم المبالغة فيه حتى ولو كانت النتائج أفضل من التوقعات للعام المنصرم حتى في حال وجود شهادات ضمان لجودة التخطيط والتنفيذ للشؤون المالية من منظمات عالمية مثل التصنيف الائتماني من وكالة «ستاندرد آند بورز» وما ذكره تقرير صندوق النقد الدولي وكذلك تقرير البنك الدولي عن المملكة. وزاد البابطين: «كشفت معلومات الميزانية السعودية استمرار المملكة في تبنيها مجال الإصلاحات الاقتصادية والتطلعات الاستثمارية وإكمال البنية التحتية والتنمية العامة لتحقيق معدلات النمو الإيجابية التي يشهدها القطاع الخاص والتي أدت إلى توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويعها». واستدل البابطين على ذلك بالزيادة الكبيرة في الباب الرابع والخاص بالمشاريع، وهو ما يمثل الاستثمار الحقيقي، كما اتضح في الملامح الرئيسية للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2010، وبذلك يظهر جليا الهدف العام وهو الوصول للانتعاش المستدام. وأبان البابطين بأن هناك دلائل قوية من العام المنصرم تثبت أن الدولة تتوجه لضبط النفقات الجارية، خاصة غير الضرورية منها، حيث تظل نفقات الباب الأول الخاص بالبدلات والأجور من أكبر الأبواب التي تنفق فيها الدولة مبالغ ليست بالبسيطة حيث إن أكثر من 80 في المائة من القوى العاملة الوطنية تعمل في القطاعات الحكومية أو العام ومن المفترض أن يستوعب القطاع الخاص النسبة العظمى. وأشار البابطين إلى أن إعلان السعودية لميزانيتها للعام المقبل 2010 لتكون الأكبر في تاريخ المملكة، لم يواكب التراجع أو التباطؤ الاقتصادي العالمي من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، مما يدلل على أن سياسات التحفظ في ميزانيات المملكة إيجابية.

من ناحيته، ذكر لـ«الشرق الأوسط» محمد الحازمي المستشار والمختص في الاقتصاد الدولي أن جدولة «الدين العام» وبتواريخ وأرقام سيدفع إلى إيضاح الصورة للجميع ويعزز من الشفافية التي تدعو إليها الحكومة.

ولفت الحازمي إلى أن القطاع الخاص سيدرك كذلك من ناحيته أن على الدولة التزامات أخرى، إذ سيبني عليها استراتيجياته المستقبلية وبالتالي لا يقع في أخطاء توقعات غير صحيحة أو تقديرات مخالفة للخطة العامة للموازنة البلاد.