آسيا تبدأ رحلة البحث عن نموذج اقتصادي جديد

نظامها البنكي تحمل عواصف الأزمة واحتياطيات العملات الأجنبية تقدر بـ5 تريليونات دولار في عام 2009

TT

بعد أخذ ورد تعلمت آسيا دروسا مهمة من الأزمة المالية التي ضربتها عامي 1997/1998 بشكل جيد تماما على الأقل بالنسبة للبعض في الغرب.

ففي حين واجهت الولايات المتحدة وأوروبا في عامي 2008/2009 أسوأ معضلة مالية منذ عشرات السنين، فإن الأنظمة البنكية الآسيوية تحملت العاصفة بدون الحاجة لأي برنامج إنقاذ كبير حتى اليوم.

ففي أعقاب أزمة عام 1997 التي تركت العديد من الحكومات الآسيوية في حالة إفلاس مع تعثر المؤسسات المالية وانهيار العملات المحلية، فإن المنطقة كان عليها أن تعتمد بشكل كبير على الصادرات لإعادة بناء اقتصاداتها.

ونتيجة لذلك زاد نصيب الصادرات من أقل من 40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الآسيوي قبل أزمة عام 1997 إلى أكثر من النصف في فترة ما بعد الأزمة. ونتيجة لذلك أيضا حققت البنوك المركزية الآسيوية تراكمات ضخمة من احتياطيات العملات الأجنبية تقدر بخمسة تريليونات دولار في عام 2009 (2.3 تريليون في الصين فقط) من إجمالي الاحتياطات العالمية البالغة 8.8 تريليون دولار.

تلك الاحتياطات تمثل ذكرى مريرة لخطط الإنقاذ الخاصة بصندوق النقد الدولي لعام 1997 والتي اشتملت على قيود مالية وشروط صعبة أخرى عمقت من الركود الإقليمي.

وقال سوباتشاي بانيتشباكدي الأمين العام الحالي لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) والذي كان نائب رئيس وزراء تايلاند المسؤول عن الاقتصاد في الفترة من 1998 إلى 2000 «لماذا أصبحنا مالكين لهذا الاحتياطي الضخم؟ هذا في الأساس يرجع إلى أن الآسيويين تعلموا الدرس المؤلم، وهو أنك تحتاج إلى مظلة عند حدوث إعصار خارج المنزل. فلن يعطيك أحد شيئا لتغطي نفسك».

والآن يرغب الغرب في أن تقوم آسيا باستخدام تلك الاحتياطات الضخمة لتدعيم اقتصاداتها المحلية للتشجيع على مبدأ الاستهلاك الآسيوي كأداة جديدة للنمو العالمي.

وقال رون كيرك الممثل التجاري الأميركي أمام تجمع خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبيك) في سنغافورة أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي «إن الولايات المتحدة تحتاج إلى استهلاك أقل وأن تنتج وتصدر أكثر، في حين أن الكثير من أعضاء أبيك التي تتمتع بفوائض يجب أن تبحث بجدية الحاجة إلى زيادة استهلاكها ووارداتها».

وفي الواقع كان هناك إجماع في قمة أبيك على أن آسيا تحتاج إلى إيجاد نموذج جديد للنمو، لأن عصر النمو العالمي الذي كان يقوده الاستهلاك الأميركي المفرط مات وتم دفنه. ولقد أصبح رئيس الوزراء الياباني المنتخب حديثا يوكيو هاتوياما الذي جاء إلى السلطة ببرنامج «تغيير» مؤيدا صريحا للبرنامج الاقتصادي الجديد وبدأ ببلاده. وقال أمام أبيك «إننا نقول إنه علينا أن نتحول من الجماد إلى البشر». وأضاف «إننا نحتاج إلى خلق اقتصاد يقوم على الاقتصادات المحلية والرعاية والرفاهية والبيئة». ويعد بناء شبكات ضمان اجتماعي أفضل جزء من النموذج، وخاصة في الصين، حيث إن ضعف التأمين الصحي لكبار السن جعل من الصينيين يميلون إلى التوفير بدرجة يحسدون عليها ولا يستهلكون كثيرا.

ويمثل الاستهلاك نحو 30 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي الصيني مقارنة بنسبة من 50 إلى 60 في المائة في باقي آسيا والدول الصناعية.

وقد حققت الصين بالفعل بعض التقدم في إعادة توازن اقتصادها بعيدا عن الاعتماد الطويل على التجارة الخارجية والاستثمارات من خلال دعم الاستهلاك وتمويل برامج الخدمات الاجتماعية.

والنجاح الواضح لحزمة التحفيز الاقتصادي من جانب الحكومة بقيمة 4 تريليونات يوان (590 مليار دولار) عزز توقعات المحللين الدوليين بتحقيق نمو يصل إلى 9 في المائة في إجمالي الناتج المحلي الصيني لهذا العام.

ولكن لويس كويجس كبير الاقتصاديين في البنك الدولي في الصين، أوضح أن الحكومة الصينية ما زالت تتحرك ببطء في الإصلاحات التي يرى البنك أنها جوهرية لتدعيم زيادة النمو على مدى السنوات القليلة المقبلة.

وكتب كويجس في تقرير عن الأداء الاقتصادي الصيني في الربع الثالث من العام «الآن نجحت الحكومة بشكل أساسي في دفن تأثير الأزمة العالمية، وهذا وقت طيب للتركيز وتثبيت الجهود على الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لإعادة التوازن والحصول على المزيد من الاقتصاد المحلي على أساس مستدام». وقال «إن تحقيق هذا يتطلب مزيدا من التأكيد على الاستهلاك والخدمات والتقليل من الاستثمار والصناعة».

وقد واصل الكثير من الاقتصاديين والسياسيين الأميركيين والأوروبيين دعوة الصين إلى السماح بتغيير أسرع لقيمة عملتها المحلية والتي لا تزال مرتبطة أساسا بالدولار الأميركي مع هامش ضيق للتقلبات اليومية. ويشعر المعارضون للسياسة الاقتصادية الصينية بالقلق من أن القدرة الصناعية الزائدة للصين تؤثر على النمو الاقتصادي في عشرات الصناعات في أنحاء العالم وتقلل من جهود الحكومة لإعادة توازن الاقتصاد. وقال بن سيمبفيندورفير وهو اقتصادي في مصرف رويال بنك أوف سكوتلاند البريطاني في هونج كونج إن الإصلاحات تبدو بطيئة للغاية حيث ركزت الصين على إجراءات للحد من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية. وقال سيمبفيندورفير في كلمة موجزة في نوفمبر «قبل الأزمة الاقتصادية كانت الصين تدفع للأمام من أجل إعادة توازن مدفوعة بقوى السوق».

وقال «ومع ذلك فإن من غير المتوقع استئناف تلك الجهود التي توقفت في أعقاب الأزمة وتقييم العملة قبل منتصف عام 2010».

ومع بطء نمو الاستهلاك في الصين، لا تزال الأسئلة الحقيقة المطروحة عما إذا كان الآسيويون سوف يملأون الفجوة التي تركها المستهلكون الأميركيون الكبار الذين أنفقوا ثماني مرات أكثر من المواطن الصيني العادي وأكثر 16 مرة من الهندي العادي.

والفرق الكبير بين المستهلكين الآسيويين ونظرائهم الأميركيين، هو أن الآسيويين لم يتعلموا بعد الاستهلاك بدرجة تتجاوز مصدر دخولهم. وقال سوباتشاي من منظمة الأونكتاد لوكالة الأنباء الألمانية «إن متوسط مديونية العائلة الآسيوية تقترب من 20 إلى 30 في المائة مقارنة بنسبة 100 - 120 في المائة في الولايات المتحدة».

وأضاف «الشيء الوحيد الذي يجب أن يتعلموه من آسيا، هو أنهم يجب أن يستهلكوا أكثر ولكن لا تستهلك أكثر اعتمادا على مزيد من الديون».