رسائل إلكترونية تكشف أزمة متنامية في «إيه آي جي»

كانت تعتبر أكبر شركة تأمين في العالم قبل أن تنقذها الحكومة الأميركية من الانهيار بفعل أزمة الائتمان

المقر الرئيسي لشركة «إيه آي جي» («الشرق الأوسط»)
TT

جاءت رسائل البريد الإلكتروني من مختلف الاتجاهات داخل «إيه آي جي» (أميركان إنترناشيونال غروب) في صيف وخريف 2007، تطرح جميعها التساؤل ذاته: هل يمكن أن يقدم جو كاسانو دليلا يدعم تأكيداته أمام المدققين الحسابيين ومؤسسات التصنيف والزملاء وحاملي الأسهم بأن وحدة المنتجات المالية لا تجابه مشكلات؟

في بعض الأحيان، بدا أن السأم تملك من كاسانو حيال فيض التساؤلات التي لا نهاية لها، حتى في الوقت الذي أخذ يستعد فيه للرد عليها. وأبدى ضجره على نحو خاص تجاه المطالب المتكررة من جانب إلياس حبيب، الرئيس التنفيذي لـ«إيه آي جي» في المقر الرئيس للشركة الأم، والذي بدا غير راض عن تأكيدات كاسانو أن سوق الرهون العقارية عالية الخطورة المنهارة لم تعد مصدر خطورة أمام الشركة.

وفي رسالة بعث بها للعاملين تحت إمرته، كتب كاسانو «مزيدا من الرسائل الغرامية من إلياس»، وذلك في تعليقه على نقله لمعاونيه مجموعة أخرى من الأسئلة التي طرحها حبيب. وأضاف «أرجو منكم المرور عبر العملية ذاتها الخاصة بصياغة الإجابات...».

وتكشف مراسلات كاسانو وحبيب، علاوة على آلاف الرسائل الإلكترونية التي حصلت عليها الصحيفة، والكثير من اللقاءات التي أجرتها، النقاب عن شركة ترزح تحت وطأة انقسامات وخلافات وشكوك وفوضى بدرجة أكبر مما تخيله أي شخص خارجها خلال تلك الشهور العصيبة من عام 2007، أي قبل عام كامل من إقدام الحكومة على منحها أكبر إعانة مالية لشركة تجارية في تاريخ الولايات المتحدة بهدف تجنب انهيار «إيه آي جي».

يذكر أن وحدة المنتجات المالية بالشركة نجحت في جني مليارات الدولارات في خضم عالم المشتقات المالية الذي افتقر في معظمه إلى التنظيم. وعملت الوحدة صورة رئيسة من ويلتون في كونيكتيكيت ولندن. إلا أنه مع شروع الازدهار الذي شهدته سوق الرهون العقارية عالية الخطورة في الانحسار عام 2007، بدأت بعض الرسائل الإلكترونية الواردة من نيويورك تحمل نبرة قلقة غير مألوفة.

في إحدى الرسائل قرب تقديم الشركة تقريرها عن الربع السنوي الثالث إلى «لجنة الأوراق المالية والبورصة»، أخبر حبيب كاسانو أنه «في الوقت الذي يشعر الجميع فيه بالارتياح إزاء النتائج التي تحققت في الماضي، يبقى التساؤل عما إذا كان هناك أمر مختلف يمكن القيام به في 30 سبتمبر (أيلول) 2007، بالنظر إلى حالة الاضطراب والفوضى المعتملة في السوق حاليا». وأشار في رسالة إلكترونية لاحقة إلى أن «تلك ستصبح القضية الأكثر سخونة في 70 شارع باين»، في إشارة للمقر الرئيسي لـ«إيه آي جي» في مانهاتن.

وفي الوقت الذي تعرض فيه رسائل البريد الإلكتروني الصورة الأوضح حتى الآن عن الصراعات الداخلية في «إيه آي جي»، فإنها تسلط أيضا الضوء على العقبة الرئيسة التي يجابهها المدعون الفيدراليون في تقديرهم لحجم المسؤولية الفردية عن الأزمة المالية. في إطار ثقافة «وول ستريت» القائمة على مهارات البيع والتسويق والسرية، تصبح عملية التمييز بين التفاؤل والخداع أشبه بلغز قانوني، خاصة عند محاولة إقناع هيئة محلفين بأنه جرى تجاوز الخطوط الحمراء. الشهر الماضي، أوضحت هيئة محلفين في نيويورك هذه النقطة عندما أخلت سبيل اثنين من مديري صناديق التحوط التابعة لـ«بير ستيرنز» في إطار قضية جنائية اعتمدت في جزء منها على مراسلات عبر البريد الإلكتروني. ولم يقتنع المحلفون بحجة جانب الادعاء تبادل رسائل عبر بريد إلكتروني خارج نظام البريد الإلكتروني الخاص بـ«بير ستيرنز» يعد دليلا على جهود متعمدة لإخفاء معلومات عن المستثمرين. ولم يعلق محامو الكثيرين من المسؤولين التنفيذيين لدى «إيه آي جي»، بما في ذلك كاسانو، عن هذا المقال، معللين ذلك باستمرار التحقيقات. ورفضت شركة «إيه آي جي»، من جانبها، التعليق أيضا. إلا أن الرد الكتابي الذي قدمته الشركة عن دعوى قضائية تقدم بها حاملو أسهم أمام محكمة فيدرالية في نيويورك، يلقي بعض الضوء على حجج الدفاع المحتملة في مواجهة اتهامات مدنية أو جنائية.

تحوي أوراق الدعوى القضائية ادعاءات بأن مسؤولي «إيه آي جي» التنفيذيين تجاهلوا التحذيرات وقللوا عن عمد من خطورة المشكلات التي تعانيها الشركة. وفي ردها، اعترفت «إيه آي جي» بأن مسؤوليها التنفيذيين سيطر عليهم التفاؤل، لكنها نفت أي عزم على الخداع. وقالت «إن ارتكاب خطأ أو حتى الافتقار إلى الحكمة فيما يخص إدراك المواقف يختلف عن انتهاك قوانين الأوراق المالية».

وبغض النظر عما إذا كانت أي انتهاكات قانونية قد وقعت، تكشف المراسلات الإلكترونية أن المسؤولين التنفيذيين في «إيه آي جي» ناضلوا من أجل سبر أغوار عيوب النماذج الرياضية التي تعتمد عليها وحدة المنتجات المالية، بل وكانت تتباهى بها من قبل. كما ناقشت الرسائل نوعية وحجم المعلومات التي ينبغي الكشف عنها أمام المستثمرين.

على الصعيد المعلن، شكل كاسانو والمسؤولون التنفيذيون الآخرون في «إيه آي جي» -بما في ذلك حبيب- جبهة موحدة يسودها شعور بالثقة. ولم يبد هذا التفاؤل لافتا للأنظار آنذاك، في وقت كان فيه مؤشر «داو جونز» يحقق 14.000 نقطة، وحافظت أسهم «إيه آي جي» على قوتها نسبيا، ولم يكن لدى غالبية الأميركيين أدنى شك حيال قرب انهيار سوق الرهون العقارية.

إلا أنه بعيدا عن العلن، وجد المسؤولون التنفيذيون أنفسهم تحت وطأة سحابة من الغموض، مع شروع واحدة من أكثر الشركات العالمية نجاحا في التحول إلى مركز الانهيار المالي الذي ضرب البلاد العام الماضي.

تم استدعاء الرجال الثمانية إلى الطابق العشرين من 70 شارع باين في 12 يوليو (تموز) 2007. وراودهم الاعتقاد أن الأمر لا يعدو كونه اجتماعا عاديا. لكن كانت لدى موريس أوفيت، مدير «إيه آي جي» الذي يعمل بلجان التدقيق والشؤون المالية، تساؤلات حول حجم مخاطرة الخسارة الذي تواجهه الشركة في سوق الرهون العقارية والمخاطر المنظمة داخل «إيه آي جي». وعمل كاسانو وأندرو فورستر، نائبه، على تقديم تقرير لطمأنة أوفيت حول التعاملات الجارية داخل وحدة المنتجات المالية.

تبعا لمذكرة الاجتماع، عرض الرجلان بيانات تكشف أن مخاطرة تعرض الشركة لخسارة جراء الأوضاع المتردية بسوق الرهون العقارية لا تشكل مستوى غير مقبول بالنسبة لـ«إيه آي جي». ودارت الفكرة الرئيسية لحجتهما حول أن حقيبة المنتجات المالية المعتمدة على المشتقات «تتمتع بحصانة كبرى أمام الخسارة الأساسية»، حسبما أخبرا أوفيت.

في اليوم التالي، بعث كيفين مكغين، كبير مسؤولي الاعتمادات في الشركة، رسالة إلكترونية إلى فورستر أخبره خلالها «شكرا عما قدمته بالأمس. أوفيت كان سعيدا للغاية وكنت أنت وجو واضحين وقاطعين، كما كنتما دوما».

لكن أوفيت لم يكن الوحيد الذي يطرح تساؤلات. على سبيل المثال، وصفت رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 11 يوليو (تموز) كيف أن ثلاث شركات كبرى للتصنيف بمجال الاعتمادات «تمطرنا بتساؤلات» حول خطر تعرض «إيه آي جي» للخسارة داخل أسواق الرهون العقارية بالغة الخطورة. واقترحت الرسالة الموجهة إلى أكثر من 12 من مسؤولي الشركة التنفيذيين إجراء «مكالمات هاتفية موجزة» مع شركات التصنيف لشرح «لماذا لا يعد هذا الأمر قضية كبرى بالنسبة لنا».

وكشفت رسائل أخرى إلكترونية ظهور أسئلة أخرى مشابهة من المدقق الحسابي الخاص بـ«إيه آي جي»، وهي شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، والجهة التنظيمية الفيدرالية الرئيسية المشرفة عليها «مكتب الرقابة الاقتصادية».

وتعكس الرسائل الإلكترونية التي يعج الكثير منها بتفاصيل فنية حول تعاملات الشركة أن نقاشا داخليا استمر حول التوصيف الأمثل لمخاطرة تعرض الشركة للخسارة داخل سوق الرهون العقارية مرتفعة المخاطرة. وأكد مكغين في رسالته لفورستر بتاريخ 13 يوليو (تموز) «بالطبع أود وضع الوجه الأمثل على القضية. إنني أقدم نسخا منقحة للغاية من البيانات الخاصة بمخاطرة التعرض للخسائر التي تواجهها (إيه آي جي) إلى وكالات التصنيف.. إلا إذا طلبت المعلومات صراحة».

في إحدى رسائل البريد الإلكتروني خلال تلك الفترة، أخبر كاسانو مكغين وآخرين بأن وحدة المنتجات المالية لم تحجب أي معلومات عن وكالات التصنيف وسوف «تستمر في الكشف الكامل عن الطبيعة المحددة للمخاطرة التي تواجهنا».

يتمثل العنصر المحوري في النقاش داخل «إيه آي جي» في دقة النماذج الرياضية التي طورتها وحدة المنتجات المالية لتقييم مخاطر التعاملات المعتمدة على مشتقات تعرف باسم مقايضة مخاطر الائتمان. وعملت المقايضات التي شكلت عقودا خاصة غير مسجلة غير مدرجة بأي بورصة مثل التأمين في حالة الإعسار. ومقابل مبلغ ضخم، تتولى وحدة المنتجات المالية تأمين أنماط معينة من الديون، بينها نسب من الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية الغريبة، التي كانت تعزز ازدهارا عقاريا حقيقيا.

في أواخر يوليو (تموز)، طعنت «غولدمان ساشز»، واحدة من كبار الشركاء التجاريين للشركة، في الأرقام الصادرة عن وحدة المنتجات المالية، مؤكدة أن حسابات «غولدمان ساشز» تكشف حدوث تراجع كبير في قيمة المقايضات. وأكدت أن هذا التراجع يفعل بنودا في عقود المقايضات تلزم «إيه آي جي» بتقديم مئات الملايين من الدولارات لحماية «غولدمان ساشز» من التفاقم الواضح في المخاطرة.

في مطلع أغسطس (آب)، بعث صحافي عبر البريد الإلكتروني بمقال إلى «وول ستريت جورنال» بعنوان «إيه آي جي ربما تخدع نفسها بخصوص مخاطر المشتقات». ورد كاسانو بالقول: «نأمل أن يتجاهل الناس هذا المقال فحسب. إنه قصة غير حقيقية».

تصاعدت الضغوط. وبعد يومين، أرسلت شركة «مودي» للتصنيف قائمة مطولة من الأسئلة. وتبعتها مجموعة أخرى من شركة «إيه إم بيست» للتصنيف. ثم وصلت التساؤلات الداخلية من «برايس ووترهاوس» والمسؤولين التنفيذيين في «إيه آي جي» يسألون خلالها ما إذا كانت وحدة المنتجات المالية لديها ما يكفي من النقد للتعامل مع المطالب الجديدة بالحصول على أموال.

في مواجهة الأسئلة المتزايدة، عكست ردود كاسانو شعورا بالإحباط أكثر من القلق. وكتب في 31 أغسطس رسالة إلى حبيب وآخرين في المقر الرئيس للشركة يقول «لا بد أن هناك أمرا ما في الجو أو القهوة التي يجري احتساؤها في 70 باين»، مضيفا أنه «في الكثير من النواحي بالنسبة لنا يعكس هذا الوضع الأسلوب القديم المعتاد.. لقد كنا حريصين للغاية تجاه توفير موارد السيولة لدينا، وأشعر بارتياح تجاه قدرتنا على المرور عبر الأزمة بسلام».

أما حبيب، الذي كان قد دافع علانية قبل ذلك بأسابيع عن تقديرات شركته، فاستمر في طرح تساؤلات مع اقتراب موعد تقرير الربع الثالث إلى «لجنة الأوراق المالية والبورصة».

في التقرير المقدم إلى اللجنة بتاريخ 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، قدرت الشركة حدوث تراجع في قيمة حقيبة مقايضة مخاطر الائتمان بمقدار 352 مليون دولار، مضيفة أن «التقدير الأفضل لمزيد من التراجع» في قيمة المقايضات خلال أكتوبر (تشرين الأول) تبلغ «قرابة 550 مليون دولار».

في اليوم التالي، تحدث كاسانو إلى المستثمرين حول «غموض السوق»، منوها بأن بعض الشركاء التجاريين قدروا تعاملات معينة عند مستوى 55 سنتا من الدولار، بينما قيمها آخرون عند مستوى مرتفع بلغ 95 سنتا. حال ثبوت صحة الرقم الأدنى، كان بإمكانه أن ينذر بإجراءات إسقاط ديون ضخمة بالنسبة لـ«إيه آي جي». ومع ذلك، قال كاسانو «يجب أن تطمئنوا لأن لدينا وفرة من الموارد وموارد تزيد عن الحاجة لتلبية أي مطالب ضمانات إضافية قد تطرأ علينا». في تلك الأثناء، تدفقت المطالب الإضافية من «غولدمان ساشز» و«ميريل لينش» و«سوسيتيه جنرال» الفرنسي وآخرين وصلت إلى مليارات الدولارات.

سعيا لكبح مخاوف المستثمرين الذي كان يساورهم القلق بالفعل حيال مخاطرة، تعرض «إيه آي جي» لخسائر في سوق الرهون العقارية، وأعلنت الشركة أنها ستعقد مؤتمرا عاما عبر الهاتف في 5 ديسمبر (كانون الأول). مع اقتراب الموعد، اقترح لويس، المسؤول الأول عن شؤون المخاطرة في الشركة، على كاسانو الحديث بتعمق أكبر عن مخاطرة الخسارة بالنسبة لوحدة المنتجات المالية داخل سوق الرهون العقارية مرتفعة الخطورة.

وأبدى كاسانو قلقه حيال اتباع هذا النهج. ورد كاسانو في رسالة إلكترونية بتاريخ 28 نوفمبر بأن «التساؤل المهم هو كيف يمكن تضمين هذا الأمر في تقرير من دون التعقيد الوضع أمام المستثمرين أو إصابتهم بالحيرة». وأضاف أنه «ليست هناك أي شركة تنتمي لنمطنا، من تجار ومصارف إلخ، أقدمت على شرح هذه المخاطر بالتفصيل، إنه المسار الطبيعي للنشاط التجاري للشركات ذات التصنيف المرتفع. وأخشى أن محاولة شرح هذا الجزء من النشاط التجاري بإيجاز سيعقد من الحيرة التي يعانيها الجمهور بالفعل».

في يوم المؤتمر، أبقى كاسانو ولويس والرئيس التنفيذي لـ«إيه آي جي»، مارتن سوليفان، على ثقتهم المتفائلة. وقال سوليفان عن مقايضات مخاطر الائتمان «لأن هذا النشاط مضمون بحرص، نعتقد أن احتمالية تعرضه لخسارة اقتصادية تقترب من الصفر».

ومع ذلك، بدأت تظهر داخل وحدة المنتجات المالية نبرة أكثر قلقا مع تصاعد المطالب الإضافية والتي هددت بتقويض موارد الشركة. بعد أيام من مؤتمر 5 ديسمبر (كانون الأول)، واسى توم أثان زميلا له عبر البريد الإلكتروني مع مواجهتهما طلبا إضافيا جديدا.

يبقى المؤتمر الذي انعقد في 5 ديسمبر (كانون الأول) في لب التحقيق الفيدرالي الجاري حول الشركة، طبقا لمصادر مطلعة على التحقيق. المعروف أن مسؤولين من وزارة العدل و«لجنة الأوراق المالية والبورصة» عقدوا لقاءات مطولة مع محاميي كاسانو. وأوضحوا أمام المحققين أن السجلات تكشف أن كاسانو لم يخف شيئا، وأنه كشف عن أوضاع وحدة الخدمات المالية في وقت وأسلوب مناسبين وعمل على التأكد من أن نماذج الشركة تعكس على نحو أفضل الظروف المتغيرة بها. ويقف المحققون في مواجهة تساؤل عسير: من أين بدأ التضليل والكذب؟

في دفاعها في مواجهة الدعوى القضائية التي أقامها حاملو الأسهم، ركزت «إيه آي جي» على هذه القضية تحديدا. وكتبت الشركة أن «البيانات المتفائلة بشأن المستقبل التي يتضح لاحقا خطؤها ليست موجبة لرفع دعوى. حتى في الأوقات التي تعصف اضطرابات بالسوق، من الضروري ألا تفترض الشركة أن أسوأ الاحتمالات المتعلقة بالسوق هي التي ستتحقق».

كان بمقدور الحكومة اختيار توجيه اتهامات مدنية، الأمر الذي يتطلب معايير أقل من حيث الدليل عن «ما وراء الشك المعقول» المتعلق بالمحاكمة الجنائية. في وقت سابق من هذا الشهر، وجهت «لجنة الأوراق المالية والبورصة» اتهامات مدنية إلى الرؤساء التنفيذيين السابقين لـ«نيو سنشري فاينانشيال»، إحدى أكبر جهات الإقراض مرتفع الخطورة على مستوى البلاد قبل إفلاسها في أبريل (نيسان) 2007. وتدعي الدعوى التي تقدمت بها اللجنة أن الرئيس التنفيذي السابق للشركة واثنين آخرين من كبار المسؤولين التنفيذيين ضللوا المستمرين بشأن الوضع المالي للشركة.

بحلول مطلع عام 2008، لم يعد التفاؤل الذي ساد «إيه آي جي» الخريف السابق منطقيا. وتعكس رسائل البريد الإلكتروني تبدل النبرة الداخلية في الشركة. فقد كتب ماغين، رئيس قسم الائتمان بـ«إيه آي جي»، في رسالة إلكترونية إلى غاري غورتون، مهندس النماذج الرياضية للمنتجات المالية، في 21 يناير (كانون الثاني) «يجب علينا التحقق جيدا مما إذا كان بوب (لويس) سوف يطمئن المستثمرين بأننا لن نعاني من خسارة اقتصادية في أي من تلك الصفقات، وبعد ذلك يمكننا دعم تلك التطمينات من خلال تحليل متماسك». وفي 11 فبراير (شباط) أعلنت «إيه آي جي» أن المراجعين قد توصلوا إلى أن الشركة لديها نقاط ضعف جوهرية في المراقبة الداخلية للمراجعات المالية وللرقابة المتعلقة بالتقييم العادل لقيمة المحافظ الاستثمارية المتبادلة.

ومن جهة أخرى، كتب كاسانو لزملائه «إنها لفوضى عارمة» وذلك بعدما علم أن شركة «باريس ووترهاوس» قد رفت شكوى بوجود عيوب أساسية إلى مجلس إدارة «إيه آي جي». وفي الرسائل الإلكترونية اللاحقة، أضاف أن ذلك الإعلام قد أدى إلى «المزيد من المكالمات من نظرائه الذين يؤكدون إنهم لم يعد بإمكانهم قبول المنهجية التي يتم بها التسعير»، كما أن ذلك «أضعف موقفنا التفاوضي بالنسبة للمطالب الإضافية». وكان محقا في ذلك، فقد استشعر الشركاء وجود أزمة قادمة، وبالتالي انهالت الطلبات الإضافية. وفي 28 فبراير، قالت «إيه آي جي» في تقريرها للجنة البورصة والأوراق المالية إن الطلبات الإضافية قد وصلت إلى 5.3 مليار دولار. بالإضافة إلى أن خسائر الأوراق المالية قد تفاقمت حتى وصلت إلى ما يقدر بنحو 11.5 مليار دولار.

على أي حال، فقد أعاد ذلك التقرير بعد التفاؤل، حيث إنه أشار إلى أن الإدارة تعتقد أنها يمكنها زيادة مليارات الدولارات التي تحتاجها كي تلبي «التزاماتها النقدية المتوقعة». وبعد ذلك بسبعة أشهر، لم يكن بإمكان أحد بخلاف الحكومة إنقاذ شركة التأمين العملاقة التي بلغت ديونها 180 مليار دولار نقدا وعلى شكل قروض.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»