خسائر العرب في الأزمة العالمية تخطت 2.5 تريليون دولار

رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب: دبي تتجاوز أزمتها

المعالجات الدولية للأزمة الأقتصادية تسير في اتجاه إيجابي مطرد («الشرق الأوسط»)
TT

أكد رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزيف طربيه أن «أزمة دبي، على دقتها، سيجري تجاوزها بتصحيح المسار ولجم الاندفاع الخطر وخاصة في الاستثمار العقاري. وإن الإمارة ستستفيد مما أنجزته من بنية تحتية فائقة الحداثة تشكل قاعدة للتقدم والاستمرار».

وقال طربيه، في محاضرة عن الأزمة المالية الدولية وتداعياتها في العالم والمنطقة العربية: «إن الإمارة تعرضت لأقسى أزمة مالية نتيجة الكساد العالمي وانهيار الأسعار وشح السيولة الذي فاجأ دبي في عز اندفاعها الاستثماري. أما على الصعيد العربي، فقد أبرزت الأزمة ضرورة تزخيم تحركاتنا في ساحتنا وأسواقنا الوطنية وعبر الحدود؛ بهدف تنسيق الجهود المؤدية إلى حصر الأضرار ودرء ما أمكن منها، فنكون بالتالي مشاركين في معالجة ما يعنينا من الأزمة بدلا من أن نصبح من ضحاياها».

وذكر أن آخر التقارير الصادرة عن مجلس الوحدة الاقتصادية قدر حجم خسائر الاقتصاد العربي نتيجة أزمة المال العالمية بنحو 2.5 تريليون دولار أميركي. وأن أكبر الخسائر كانت من نصيب الدول النفطية، نظرا لتأثر أسعار النفط بالأزمة وتراجعها إلى معدلات متدنية أثرت في العائدات النفطية.

وتوقع طربيه، الذي يشغل أيضا منصب رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية ورئيس جمعية مصارف لبنان، أن تسير المعالجات الدولية للأزمة في اتجاه إيجابي مطرد. لكن سيكون هناك تفاوت في التعافي وسرعته بين أسواق وأخرى.

فالأزمة هزت أقوى الكيانات الاقتصادية، وضربت فيما ضربت مقومات ومؤسسات طالما اعتقدنا أن متانتها أقوى من أي «خضات». وقد تضررت من جراء ذلك استثمارات عربية في الأسواق المحلية والأسواق الدولية ضررا بالغا».

وقال: «حصل تبدل في الوزن الاستراتيجي لعدد من الدول بحيث أخذ ثقل بعضها يزداد على حساب البعض الآخر، مع نشوء قوى كونية جديدة كالصين والهند وعودة روسيا إلى الساحة الدولية كقوة عظمى. وأدت الأزمة إلى قيام «كونسورسيوم» دولي على رأسه الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة السرية المصرفية، ومكافحة التهرب الضريبي وتبييض (غسل) الأموال باعتبارها من الأخطار الرئيسية على اقتصادات الدول وعلى استقرار النظام المالي العالمي».

ورأى «أن الأزمة أوقعت جهات عديدة في الحرج، من علماء الاقتصاد الذين فشلوا في توقع حصولها، وواضعي السياسات المالية ومؤسسات التصنيف الدولية، وأجهزة الرقابة المصرفية والمالية، مما يستدعي إعادة النظر في الكثير من الأفكار والمسلمات، وينشط البحث في مسارات بديلة للتفكير والسلوك، لتجنب تكرار ما حصل، وتشجيع بروز الأفكار والبدائل والسلوكيات الجديدة. وسلطت الأزمة الأضواء على المجازفات التي يقوم بها بعض المديرين في المصارف. ولذا تضمنت المعالجات وجوب الحد من قيمة المكافآت الضخمة التي يحصل عليها العاملون في المصارف، إذ ترى بعض الدول أنها السبب وراء تصاعد مخاطر الاقتصاد العالمي، وساعدت بدورها في إفلاس الكثير من الشركات».

واستنتج طربيه أن «العالم لم ينته بعد من الأزمة التي لا تزال تتصدر قائمة الاهتمامات حول العالم وهناك نقد للرأسمالية الطائشة، ودعوة إلى إجراء مراجعة للنظام الرأسمالي من أجل إنقاذه من فشله. واتباع رأسمالية أكثر احتراما للإنسان، لأن أي نظام اقتصادي يفتقر إلى مقدار كاف من العدالة لا يمكن أن يدوم. فقد كانت كلفة الأزمة باهظة على الجميع. ولم يسبق أن واجه العالم مجموعة قضايا معقدة كالتي يواجهها اليوم دفعة واحدة، أهمها، إضافة إلى الأزمة المالية، قضايا التغير المناخي، والأمن الغذائي والتجارة العالمية».

أضاف «نشهد اهتزاز الاقتصاد الأميركي نتيجة الأزمة المالية، مما أدى إلى انهيار أسعار النفط والأسهم والحركة الاقتصادية في معظم الأسواق وتدهور سعر صرف الدولار والارتفاع الجنوني لسعر الذهب والمعادن الثمينة. كما أن الترابط وثيق بين القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وإن غرق الولايات المتحدة في حروبها الخارجية أضعفها وأضعف اقتصادها، فيما أضعف سباق التسلح في الماضي الاتحاد السوفياتي وأسقطه بعدما كدس الصواريخ وأجاع الناس».

وعن تجربة لبنان قال طربيه: «استطاع القطاع المصرفي تفادي الأزمة المالية العالمية بفضل السياسة النقدية الحذرة، التي يتبعها مصرف لبنان، وتعاميمه التي تحظر على المصارف الاستثمار في الأصول السامة والمشتقات المالية وتحد من الاستثمار في القطاع العقاري. وينسب الفضل أيضا، إلى قيادات القطاع المصرفي التي حافظت على مستويات عالية من السيولة وعلى نسبة ملاءة تتخطى النسبة الدنيا التي يفرضها البنك المركزي ولجنة بازل 2. وتكون المصارف، وبشكل مستمر، مؤونات على محفظاتها الائتمانية، بالإضافة إلى السياسة المتبعة من المصارف بتعزيز رأسمالها بشكل دائم لدرء أية مخاطر مستقبلية وتمويل عمليات توسعها في الخارج».

وأكد أهمية الحذر وحظر الاستثمار المصرفي في المشتقات المالية وفي سوق العقارات بغية السمسرة، التي يمكن أن يكون مردودها أكبر من الفوائد على سندات الخزينة اللبنانية في حال احتساب تحسن العائد الرأسمالي. أما بالنسبة لتفضيل المستثمرين الاكتتاب في سندات الخزينة اللبنانية عوضا عن الاستثمار في الأدوات المالية والأدوات المركبة، فإن شهية المستثمرين لا تقتصر فقط على العوائد العالية على سندات الخزينة اللبنانية، بل هي أيضا مرتبطة وبشكل أساسي بعودة الثقة بالاقتصاد اللبناني. وما يؤكد على ذلك تهافت المستثمرين على الإصدارات السيادية لسندات الخزينة بالعملة الأجنبية. لا سيما الإصدار الأخير رغم تدني مستوى الفوائد نسبيا مقارنة مع الإصدارات السابقة».