واقعة «غوغل» تبرز مصاعب الشركات الأجنبية في الصين

ترك الصين يعني التخلي عن نصف العالم

مقر «غوغل» في العاصمة الصينية بكين (أ.ب)
TT

منذ افتتح رجل الأعمال، الأميركي المولد، وكالة الإعلانات الخاصة في شنغهاي، وتأليف كتابه «40 مليون زبون» في ثلاثينيات القرن الماضي، تحولت الصين إلى عامل جذب للشركات الأميركية. وليس أدل على ذلك من الآن مع ارتفاع عدد المستهلكين إلى 1.3 مليار والتوقعات بأن تتفوق الصين على جارتها اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي. لكن صراع «غوغل» هنا - مصارعة كل من التسويات السياسية والتهديدات ضد حقوق ملكيتها الفكرية - يثير التساؤل حول القيمة من وراء التشاحن على المستهلك الصيني.

ففي الوقت تجد فيه مئات الشركات الأميركية السعي للحصول على نصيب من السوق الأسرع نموا في العالم، يجب عليها حساب حجم الأرباح المتوقعة مقابل المخاوف بانتهاك حقوق الإنسان ومخاطر التعدي على حقوق الملكية الفكرية والمعاملة غير المتوقعة لمصالحهم المالية. فالأمر لم يكن عملية حسابية سهلة على الدوام، ففي عام 1993 وقفت شركة «ليفي شتراوس لصناعة الملابس» عملياتها في الصين نتيجة لما وصفته بـ«الانتهاكات القمعية لحقوق الإنسان»، لكنها عادت لممارسة نشاطها مرة أخرى عام 1998 مشيرة إلى أنها قادرة على القيام بما هو أفضل تجاه حقوق الإنسان من خلال العمل من داخل البلاد. وكانت شركة «تايم وارنر» قد افتتحت أكثر من عشر دور للسينما في الصين لكنها قررت بيعها في عام 2007 بعد أن طالبت القوانين الجديدة بالسيطرة الصينية عليها وكذلك القيود على الأفلام الأجنبية المسموح بدخولها إلى البلاد. كما انسحب موقع «إي باي» في عام 2006 بسبب المنافسة المحلية الشرسة. ويتوقع جيمس ماك غريغور كبير مستشاري شركة «أبكو وورلد وايد» في الصين ومؤلف كتاب «مليار مستهلك» أن تعيد الكثير من الشركات الأميركية العاملة في الصين التفكير في وجودها هناك. وقال: «قَدِمَ الكثير من الشركات إلى هنا انطلاقا من اعتقادها أنها لا يمكنها تفويت فرصة الاستفادة من نمو الاقتصاد الصيني، وإن لم تتبدل التوجهات فقد نشهد تفكير الكثير من الشركات في الخروج من هنا».

لكن إلى الآن لا يمثل ذلك توجها رئيسا. فشركة «جنرال موتورز»، على سبيل المثال، تتوقع أن تبلغ سوق السيارات في الصين ضعف حجم نظيره في الولايات المتحدة بنهاية العقد الحالي، على حسب قول فريتز هندرسون، المدير التنفيذي الأسبق للشركة. حيث تشكل السيارات الأجنبية في الوقت الحالي نسبة 85 في المائة من سوق السيارات الصينية المزدحمة.

ويقول كيفن سميث، مدير فرع «جنرال موتورز» في الصين: «إذا لم تدخل السوق مجهزا بأفضل تكنولوجيا فلن تتمكن في المنافسة. ونحن نمتلك حماية لكل حقوق ملكياتنا الفكرية وليس لدينا خلافات مع أحد». لكنه أضاف أن ذلك «عامل يدركه الجميع في الأسواق الناشئة».

لكن شركات التكنولوجيا، على وجه التحديد، كان عليها أن تصارع قضايا المراقبة والخصوصية. ففي عام 2005 أدمجت شركة «ياهو» شركتها الصينية في مجموعة «أليبابا غروب» لتشكل استثمارا يقدر بمليار دولار في مقابل 40 في المائة من أسهم الشركة الصينية. وكانت «ياهو» قد قدمت في بداية ذلك العام معلومات من حساب صحافي صيني على «ياهو دوت سي» إن أدت إلى إدانته بتسريب أسرار الدولة. ولدى موافقتها على التشريعات الصينية ستُضطرّ «غوغل» إلى إلغاء أو حجب المراجع في نتائج البحث عن فالون غونغ سكت، الحركة الديمقراطية، ومظاهرات ميدان تيانانمن عام 1989 وزعيم التبت المنفي الدلاي لاما. وكان عمل «غوغل» في الصين قد ألقى بظلال من الشكوك على مدى التزام «غوغل» بشعارها «لا تتسبب في شرور».

وكانت مجموعة تطلق على نفسها «غلوبال نتوورك إنشياتف» تضم بين أعضائها «غوغل» و«ياهو» و«مايكروسوفت» قد تشكلت لتقديم طريق للشركات والمستثمرين الآخرين لمقاومة الجهود الحكومية لإدراج شركاتها ضمن أعمال الرقابة والمراقبة التي تنتهك المعايير الدولية. وقالت المجموعة في بيانها: «إن قرار (غوغل) إعادة التفكير بشأن أعمالها في الصين مؤشر على الخيارات الصعبة التي تواجهها شركات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات حول العالم حيث تكون حرية الإنسان على المحك». بيد أن بيان المجموعة لم يتطرق إلى ما قد تفعله الشركات الأخرى.

وقال البيان: «لا يوجد إجراء واحد يناسب الجميع بشأن مسؤولية الشركات أو سياسة حقوق واحدة أو نص يجب على الجميع اتباعه».

وكانت شركة مايكروسوفت قد دأبت على جعل على جهود محاربة القرصنة أولوية بالنسبة إليها حتى مع إنشائها شركات في مجالات البرمجة والبحث والتطوير. ويشير تانغ جون (أحد أغني رجال الأعمال الصينيين والرئيس السابق لعمليات مايكروسوفت في الصين) إلى أنه لا يتفق مع تركيز مايكروسوفت الكبير على القرصنة. وقال تانغ الذي ترك منصبه في «مايكروسوفت» في عام 2004: «القراصنة نشطون جدا في الصين حتى اليوم. وفي ذلك الوقت طلبت منا الشركة مقاضاة كل قرصان، ولم يكن ذلك أمرا جيدا من وجهة نظري»، لكن «مايكروسوفت» أخبرته أن هذه سياسة عالمية. وأضاف: «قد تنجح تلك الطريقة في كثير من البلدان، لكن الصين بلد ذو طبيعة خاصة».

ويبدي الكثير من الأفراد في الصين ثقة في أن حجم سوقهم سيحول دون مغادرة الشركات الأجنبية. وقد عبّر المعلقون الصينيون خلال اليومين الماضيين عن ثقتهم في أن «غوغل» لن تنفذ تهديداتها بمغادرة البلاد.

ويتوقع تانغ أن تفصح غوغل عن موقفها ومن المتوقع أن تغلق موقعها الرئيسي في الصين والحفاظ على الأعمال الأخرى. وقال: «زاد عدد مشتركي الإنترنت الصينيين بصورة ضخمة، والتخلي عن السوق الصينية تعني التخلي عن نصف المستقبل».

* شارك وريسكي في كتابة التقرير من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»