شراء المباني التجارية المشهورة لا يقود دائما إلى الربح

معروض المباني التجارية الشاغرة ارتفع 15% في أميركا وانخفضت القيمة بقوة

مبني «كرايسلر» في حي مانهاتن بنيويورك الذي اشتراه آل سبيرز (رويترز)
TT

كانت تبدو فكرة طيبة في يونيو (حزيران) 2007 عندما اشترى جيري سبير وابنه روب ستة مبان بشيكاغو، ليصبحا من أكبر ملاك المباني التجارية في المدينة.

وكانت مجموعة آل سبيرز، الذين ركزوا جهودهم على شراء معالم مثل مركز «روكفلر» ومبنى «كرايسلر» في مانهاتن الذي يعج بالسكان الأثرياء، يشعرون بالفخر، فقد تمكنوا من الحصول على عدة مبان في قلب المنطقة التجارية بشيكاغو، بما في ذلك المبنى الذي تقع فيه بورصة شيكاغو للسلع ومبنى الأوبرا المدنية الضخم.

ولكن خلال أسابيع قليلة، صارت الأمور على غير ما يشتهي آل سبيرز، فقد كان آل سبيرز، الرئيس التنفيذي المشارك في «تيشمان سبيرز للعقارات»، يعتمد على بيع ثلاثة من تلك المباني لسداد نحو 1.4 مليار دولار من الديون التي استخدموها لتمويل تلك الصفقة، ولكنه لم يستطع أن يبيع سوى مبنى واحد، فسرعان ما ارتفع معدل معروض المباني التجارية الشاغرة إلى 15 في المائة وانخفضت قيمتها بقوة.

والآن يخوض آل سبيرز مفاوضات حثيثة مع ممثلي بنك الاحتياطي بنيويورك لإعادة هيكلة الديون على مباني شيكاغو، وإذ فشلت تلك المفاوضات، فربما تتعرض المجموعة التي يترأسها «تشيمان سبير» لحبس الرهن.

وكان الاحتياطي الفيدرالي قد استحوذ على ذلك الدين في 2008، عندما اشترى «جي بي مورغان تشايس» الدائن الرئيسي «بير ستيرنز» واستحوذت الحكومة على الكثير من أصولها المتعثرة.

ويذكر أن جيري سبير كان مديرا لمجلس الاحتياطي بنيويورك من عام 2001 وحتى 2007، وفي الوقت نفسه، استعان الاحتياطي الفيدرالي بشركة «بلاكستون غروب»، وهي الشركة التي باعت تلك الأصول إلى آل سبيرز في عام 2007 في مقابل أرباح طائلة لإدارة المفاوضات نيابة عنه، ويقول روب سبير، 40 عاما، في لقاء أجري معه بمكاتب الشركة بمركز «روكفيلر»: «لقد اشترينا تلك العقارات خلال ذروة السوق العقارية، وإذا ما تأملنا ذلك الآن سوف نرى أننا دفعنا أكثر مما ينبغي».

وبالقدر نفسه الذي كانوا ينتقلون فيه من صفقة رابحة إلى أخرى خلال الأعوام القليلة الماضية، ينتقل حاليا آل سبيرز من أحد الأصول المتعثرة إلى الأخرى، فخلال الشهر الجاري، تخلفت شركة «تيشمان سبير»، والشركة الاستثمارية «بلاك روك» عن سداد 3 مليارات من الرهون العقارية لـ«ستوفيسانت تاون» و«بيتر كوبر فيلدج» بمانهاتن. ويتم النظر حاليا إلى شراء تلك المجمعات السكنية الضخمة بمقابل 5.4 مليار دولار، باعتبارها أحد النماذج البينة على السوق المتقلبة المحفوفة بالمخاطر.

وفي الوقت نفسه، توجد صلة بين «تيشمان سبير» وصفقتين أخريين، أولاهما الاستحواذ على «أركستون سميث» في مقابل 22.2 مليون دولار، وهي الشركة التي تمتلك 70 ألف شقة، وثانيهما شراء «كار أميركا» في مقابل 2.8 مليار دولار، وهي الشركة التي تمتلك نحو 26 مبنى إداريا في واشنطن، المدينة التي وصلت معدلات المنازل الشاغرة فيها إلى رقم قياسي.

ومن جهته، يقول راي تورتو كبير الخبراء الاقتصاديين بشركة «سي بي ريتشارد العقارية»: «كل من اشترى عقارات خلال الأعوام الستة الماضية عانى من تهاوي أسعار أسهمه، فالناس ينظرون الآن لتلك الفترة باعتبارها ذروة الجنون، فقد كان الجميع يعتقدون أنهم سوف يجدون دائما شخصا يدفع أكثر منهم».

ووفقا لخبراء الاقتصاد، فإنه بدلا من أن ترتفع قيمة الإيجارات والعقارات، انخفضت قيمة المباني التجارية في الولايات المتحدة بنحو 43 في المائة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وإذا ما استمرت معدلات البطالة في الارتفاع، فسيتحول ذلك الوضع السيئ إلى كابوس.

وينفق آل سبيرز وشركاؤه، العالقون بتلك الأزمة مثلهم مثل نظرائهم، معظم وقتهم مع المصرفيين؛ حيث ينظر حاليا الدائنون فيما إذا كانوا سوف يعيدون هيكلة الديون من خلال تأجيل ميعاد الاستحقاق وتخفيض الفوائد، في مقابل الحصول على قدر أكبر من العائدات من آل سبيرز وشركائه، أم يلجأون إلى حبس الرهن على أمل أن ترتفع قيمة تلك الأصول خلال السنوات القادمة.

ولا تختلف معاناة مجموعة آل سبيرز عن المستثمرين الآخرين الذين أغدقوا بأكبر قدر من الاستثمارات في المجال العقاري خلال فترة اشتعال الأسعار في الوقت الذي كان يبدو فيه أن كل يوم جديد يحمل معه صفقة هائلة محطمة للأرقام القياسية.

ومع ذلك، فليس من المرجح أن تؤدي الأزمة التي يمر بها مجموعة آل سبيرز إلى أن يواجهوا مصير هاري ماكلو، الذي أغرقته الديون بعدما استحوذ على سبعة مبان إدارية بمانهاتن بقيمة سبعة مليارات دولار مما تسبب في تهاوي إمبراطوريته العقارية، ولكن المشكلة الحقيقية التي يواجهها مجموعة آل سبيرز حاليا هي تضرر سمعتهم وليس الحسابات البنكية، وتدير «تيشمان سبير» محفظة استثمارية بقيمة 33.5 مليار دولار تشتمل على نحو 72 مليون قدم مربع من الأراضي التجارية (المعادل التقريبي لمساحة المكاتب في هيوستن ولوس أنجليس معا)، والذي يمتد على أربع قارات، ولا تشتمل تلك الأرقام على العقارات الإسكانية مثل مدينة ستوفيسانت وشقق أركستون، ومعظم تلك الممتلكات تم شراؤها بأموال الآخرين مثل أسرة كراون في شيكاغو وحكومة سنغافورة، وكنيسة إنغلاند، أو صندوق المعاشات الضخم بكاليفورنيا «كالبرز».

وكان المستثمرون يضعون أموالهم في صندوق استثماري أسسه آل سبيرز في مقابل الحصول على أرباح تصل إلى 20 في المائة سنويا، وبدوره يشتري الصندوق سلسلة من الممتلكات أو المشروعات سواء وحده أو بالتعاون مع شركاء آخرين.

وكانت كل صفقة تقتضي إنشاء هيئة أو شركة ذات غرض واحد لاستثمار الأسهم وإدارة الدين، وهو ما يعني أنه إذا ما فشلت تلك الصفقة، يستطيع الدائنون استرداد ممتلكاتهم ولكنهم لا يستطيعون الاستحواذ على الأصول الأخرى التي يمتلكها الصندوق، كما أنهم لا يستطيعون مطالبة «تيشمان سبير» بتعويضهم عن الخسائر.

وعادة ما تحصل شركة «تيشمان سبير» على رسوم نظير تطوير أو إدارة تلك المباني ولكنها في العادة لا تستخدم أموالها في تلك الصفقات. فعلى سبيل المثال، وفي صفقة مدينة ستفيسانت التي بلغت 5.4 مليار دولار، استثمرت كل من شركة «بلاك روك» و«تيشمان سبير» 112 مليون دولار فقط من أموالهما الخاصة، وهي الأموال التي تم إسقاطها. وعلى المستوى الشخصي، ساهم كل من جيري وروب سبير بنحو 56 مليونا كحصة في «تيشمان»، ومن جهة أخرى، يقول التنفيذيون بالعقارات والبنوك إن «تيشمان سبير» كانت تتقاضى 18 مليون دولار كمصروفات سنوية، ويقول التنفيذيون بالشركة إنها بدأت في التخلي عن تلك المصروفات في خريف 2008.

وبالتالي فإن السؤال بالنسبة لشركات مثل «تيشمان سبير» وغيرها من الشركات التي ساعدت على عقد الصفقات الهائلة خلال فترة ازدهار سوق العقارات، ليس هو: هل تلك الشركات ستتعرض للإفلاس أم لا؟ ولكن السؤال: هل سيضع المستثمرون والبنوك مليارات الدولار في أيدي هؤلاء مرة أخرى؟ يقول مايكل كيربي مدير الأبحاث بـ«غرين ستريت أدفيسورز»: «هناك الكثير من المديرين الذين تعرضت سمعتهم لدمار هائل خلال الأزمة الاقتصادية». وقد أنهى «كالبرز»، وهو صندوق المعاشات الأكبر داخل البلاد، علاقاته مع شركة «ماكفرلين وشركاه» التي قدمت له استشارات لوقت طويل. ومن المحتمل أن يتخلى أيضا عن «بلاك روك»، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن استثماره البالغ قيمته 500 مليون دولار في صفقة مدينة ستفيسانت بلا قيمة في الوقت الحالي. وأقر كلارك ماك كينلي، وهو متحدث باسم «كالبرز»، بأن صندوق المعاشات أسقط استثماره في «ستايفسنت تاون»، وخسر مليارات الدولارات. ويقول ماك كينلي: «تجرعنا دواء مرا للغاية في العقارات، لقد كان درسا أليما»، مضيفا أن «كالبرز كانت تقيم أيضا علاقات الإدارة لتتخذ الإجراءات المناسبة، التي من بينها إنهاء بعض الشركات».

ويقول آل سبيرز إن عددا قليلا من الصفقات السيئة يجب أن يوضع في سياق أكبر بالنسبة لشركة أدرت أرباحا لمستثمريها خلال ظروف جيدة وأخرى سيئة، وقد باعت «تيشمان سبير» مباني قيمتها 12 مليار دولار وجنت أرباحا كبيرة خلال 12 شهرا من عامي 2006 و2007. وفي مانهاتن، تتضمن هذه القائمة المقرات السابقة لشركة «نيويورك تايمز»، وهو المبنى الذي باعته «تيشمان سبير» مقابل 525 مليون دولار عام 2007، ويعد ذلك أكبر بمقدار ثلاثة أمثال بالمقارنة بما دفعته الشركة قبل 30 شهرا. وهناك أيضا مبنى «ليبستيك» البارز في ثيرد أفينيو بالشارع الثالث والخمسين، والذي بيع مقابل 648 مليون دولار، أي أكثر بمقدار 413 مليون دولار بالمقارنة بما دفعه في 2004.

وفي الوقت الحالي تنفذ شركة «تيشمان سبير» 17 مشروعا سكنيا في البرازيل، بالإضافة إلى مشروعي تطوير داخل الصين. ويقول روب سبير: «بعد إسقاط الاستثمار في عدد من الصفقات المتعثرة، فإن عوائدنا السنوية كل 10 أعوام و30 عاما تتجاوز 20 في المائة في المتوسط».

وتلقي المفاوضات بين «تيشمان سبير» وممثل الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بخصوص دين في صفقة شيكاغو، ضوءا على العلاقات المتشابكة بين الأقطاب والمقترضين والمنظمين الحكوميين، وقد كان جيري سبير مديرا للاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لمدة سبعة أعوام، ورئيسا في عام 2007 عندما انتهت ولايته، وكان صديقه ريتشارد فولد، الذي كان حينها رئيس «ليمان براذرز»، وكانت «ليمان» شريكا لـ«تيشمان سبير» في صفقة «أركستون».

* خدمة «نيويورك تايمز»